ملفات وتقارير

مصر تعود للمحاكمات الجماعية.. و6 آلاف معتقل في خطر مع قانون جديد أقره البرلمان

تضم قائمة المُحالين محامين وصحفيين وحقوقيين وسياسيين- الأناضول
بعد أيام من إقرار البرلمان المصري "قانون الإجراءات الجنائية" الجديد، والمثير لانتقادات حقوقية واسعة، حذرت منظمة حقوقية من موجة جديدة للمحاكمات الجماعية سيئة السمعة في مصر، مبينة أنها تطال حاليا نحو 6 آلاف معتقل سياسي منذ 9 سنوات.

وفي 29 نيسان/ أبريل الماضي، وافق مجلس النواب المصري، الثلاثاء، بشكل نهائي على مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وسط انتقادات منظمات حقوقية محلية ودولية، تخوفت من "توسع صلاحيات الأجهزة الأمنية والنيابة العامة على حساب الحريات العامة والحقوق الدستورية".

وتحت عنوان: "مصر تطلق أكبر موجة من المحاكمات السياسية لآلاف المعتقلين"، أكدت "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، أن السلطات المصرية تعيد محاكمة نحو 6 آلاف مصري من المعتقلين والذين يجري تدويرهم منذ العام 2015 وحتى 2024.

ووفق بيان المبادرة الذي اطلعت عليه "عربي21"، من بين هذا العدد أطفال ونساء، نصفهم محبوس احتياطيا بالمخالفة للقانون، وفي غياب قواعد المحاكمات العادلة، فيما أكد متحدثون لـ"عربي21"، أن 6 آلاف شخص رقم كبير ويمثل عودة للمحاكمات الجماعية التي جرت عقب انقلاب 2013، والتي شابها الكثير من المخالفات القانونية الجسيمة.




"سمعة القضاء ومصير الآلاف"
وتضم قائمة المُحالين العديد من المحامين والصحفيين والحقوقيين والسياسيين الذين أُلقي القبض عليهم على خلفية عملهم أو نشاطهم، إضافة إلى مواطنين قُبض عليهم لأسباب غير معلومة، مشيرة لأسماء المحامية هدى عبد المنعم، والسياسي محمد القصاص، والمحامي الحقوقي إبراهيم متولي، والمترجمة مروة عرفة، والصحفي حمدي مختار.

وحذرت المنظمة الحقوقية من "خطورة المرحلة القادمة والتي يُنتَظَر أن يفصل خلالها القضاء المصري في عشرات القضايا في محاكمات جماعية"، موضحة أنه لم تتحدد دوائر الجنايات المعنية، ولم يتمكّن دفاع المتهمين من الاطلاع على ملفات القضايا، ملمحة إلى أن "الأمر الذي لا يبشر بضمان محاكمات عادلة لآلاف المتهمين المهددين باستمرار حبسهم احتياطيا لمدد مفتوحة، واستمرار محاكمتهم لسنوات أخرى قادمة".

وحمَّلت المبادرة "نيابة أمن الدولة العليا" سبب هذا الوضع واصفة إياه بأنه "حرج وغير مسبوق، ويهدد ما تبقى من سمعة منظومة القضاء المصري مثلما يهدد مصائر آلاف المتهمين".

وتخوفت من أن "عددا مُعتبرا يواجه اتهامات قد تصل عقوبتها للإعدام، بينما يعرض قانون الإجراءات الجنائية الجديد آلاف المتهمين لخطر إخضاعهم للمحاكمة عن بُعد، مفصولين عن محاميهم، ودون مواجهتهم بشهود بسبب تقنين حجبهم".

وتوقعت أن تفصل دائرتا الإرهاب المنعقدتين بمجمع محاكم بدر، بالقضايا في الدرجة الأولى، موضحة أنهما لم تصدرا قرارا واحدا بإخلاء سبيل أي من المحبوسين احتياطيا، وأصدرتا آلاف القرارات بتمديد الحبس بمخالفة القانون، بجلسات افتقر معظمها للحد الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة.

كما أنه من المثير للجدل في محاكمة هذا العدد، وفقا للمبادرة، أنه ليس أمامهم سوى دائرة استئنافية واحدة، أمام دائرة قضائية يرأسها المستشار حمادة الصاوي النائب العام السابق، رغم أنها قضايا تمت إحالتها إلى النيابة في عهده، ما يمثل مخالفة قانونية صريحة لنص (المادة 247) من قانون الإجراءات الجنائية.

ولحل هذا الوضع المأزوم ووقف هذه الجرائم، دعت المنظمة الحقوقية النيابة العامة، لإنفاذ القانون، والإفراج عن كافة من تخطوا الحد الأقصى القانوني للحبس الاحتياطي، وحفظ القضايا المفتوحة دون استكمال تحقيقات أو تحريات منذ سنوات.

وطالبت المبادرة أيضا بوجوب تنفيذ نص قانون الإجراءات الجنائية بالإفراج عن المتهمين فور إتمامهم الحد الأقصى القانوني للحبس الاحتياطي، مطالبة رئيس النظام الماضي، بإصدار قانون العفو الشامل.

"مخاوف محتملة وانتهاكات قائمة"
وتسببت المحاكمات الجماعية عقب انقلاب 2013، في صدور أحكام مغلظة على آلاف المعتقلين بينها أحكام بالإعدام والمؤبد والسجن المشدد وسط اتهامات حقوقية بغياب العدالة في تلك المحاكمات.

ومنذ العام 2013، جري إدراج جميع المعتقلين السياسيين في قضايا جنائية، تنظرها "دوائر الإرهاب"، التي نادرا ما تصدر قرارات بإخلاء سبيل في القضايا السياسية، ما يزيد من مخاوف استمرار حبس الآلاف الستة المقرر عرضهم على تلك الدوائر.

المعتقل "ع.ع"، أحد الذين تعرضوا لمحاكمة جماعية طال بعض المعتقلين فيها أحاكما مشددة تعدت 15 و10 و7 وحتى 5 سنوات مدة محكوميته التي انتهت في آذار/ مارس الماضي، ليتم ترحيله من سجن جمصة إلى مقر الأمن الوطني بعاصمة محافظته، انتظارا لقرار أمني بإخلاء سبيله أو إعادة تدويره.

يقول أحد المقريبن منه إنه "تعرض خلال تلك الفترة لعملية إخفاء قسري، ثم التحقيق معه وجرى تدويره في قضية جديدة، وسط مخاوف من تعرضه خلال تلك الفترة إلى التعذيب البدني والنفسي خاصة مع كبر سنه"، ملمحا إلى أن محاميه غير متفائل ويتوقع عدم إخلاء سبيله وأن يحصل على قرار بالحبس، والترحيل للسجن".

"صفر إخلاءات"
وفي 16 شباط/ فبراير الماضي، وتحت عنوان "صفر الإخلاءات مستمر"، كشف تقرير "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان"، عن أداء دوائر الإرهاب بالعام الماضي، وتوقفها التام عن إصدار قرارات إخلاء سبيل بقضايا أمن الدولة، مبينة أن 3 دوائر إرهاب أصدرت خلال 104 جلسات حوالي 45.965 قرار تجديد حبس، في 3217 قضية أمن دولة، دون إخلاء سبيل أي متهم.

ولفتت المنظمة الحقوقية إلى أنه منذ نيسان/ أبريل 2022، تحولت هذه الدوائر ومع إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسية، إلى جهات تضفي صيغة قانونية على قرارات الاعتقال التعسفي المطول، من خلال إصدار قرارات تجديد حبس تلقائية.

وفي شباط/ فبراير الماضي، كشف مصدر بنيابة أمن الدولة العليا لموقع "زاوية ثالثة" أن النائب العام محمد شوقي وجه نيابة أمن الدولة العليا، للبت بالقضايا العالقة بين سنوات 2017 و2022، والتي تجاوز أصحابها الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، نظرا لعدد كبير من الشكاوى في هذا الإطار، ما يفسر التوجه نحو إعادة محاكمة 6 آلاف معتقل.

ويعاني أكثر من 60 ألف معتقل مصري في السجون من أوضاع غير إنسانية ترصدها منظمات حقوقية وأهالي المعتقلين، بينما تصر السلطات على عدم وجود معتقلين سياسيين وأن ما لديها من مسجونين سياسيين يتلقون أفضل رعاية صحية.

وفي أحدث تقاريره، كشف "مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب"، عن حدوث 307 انتهاكا بالسجون ومقار الاحتجاز المصرية الشهر الماضي، بينها 7حالات وفاة أغلبها بسبب الإهمال الطبي، و4 حالات تعذيب، و56 حالة تكدير، و19 واقعة تدوير متهمين بقضايا جديدة، و20 حالة إهمال طبي متعمد، و49 حالة إخفاء قسري، وظهور 101 مختف قسرا، و49 حالة عنف من الدولة.



"عربي21"، تحدثت إلى سياسيين وحقوقيين مصريين حول دلالات عودة مصر للمحاكمات الجماعية، وأجابوا على السؤال: هل هذا التوجه تصعيد بملف المعتقلين أم تقليص لبعض أزماته وبينها الحبس الاحتياطي، وأيضا وضع تلك الإحالات والمحاكمات في ظل قانون الإجراءات الجنائية الجديد.


"تقنين للاعتقال المؤبد"
وفي قراءته للمشهد، قال السياسي المصري والبرلماني الأسبق ممدوح إسماعيل، إن "ما يقوم به نظام السيسي، هو تقنين للاعتقال المؤبد بشكل قانوني؛ بعدما تم فضح استمرار جريمة الحبس الاحتياطي لسنوات طويلة بدون مبرر قانوني، من كل المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية وانتقده كل أهل القانون".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح المحامي المصري أنه "لجأ إلى حيلة أخرى لاستمرار حبس المعتقلين بتقنين جديد لقانون الإجراءات الجنائية ليتم إحالة آلاف المعتقلين المحبوسين للمحاكمة؛ رغم أن استمرار حبسهم احتياطيا كان إعلانا بعدم وجود أدلة قانونية تدينهم".

واستدرك: "لكن حالة الشبق للظلم والاستبداد المسيطرة على نظام السيسي، دفعتهم لارتكاب فضيحة أخرى، وهي محاكمة آلاف لم يقم أي دليل على ارتكابهم لجرائم إلا فقط الرغبة في الاستبداد".

ولفت إسماعيل إلى أن "هذا الإجراء يحدث بعدما نُشر عن صرخة الحوار الوطني بحتمية وقف الحبس إجراءات الاحتياطي الدائم والإفراج عن المعتقلين؛ فكان الرد ليس الإفراج استجابة لصوت الشعب، ولكن لاستمرارا ظلمهم وتقنين محاكمتهم عبر دوائر جنائية تم اختيار قضاتها بالاسم ".

ويرى أن "أصدق دليل على ذلك هو، دائرة المستشار حمادة الصاوي"، ملمحا إلى تقارير صحفية أشارت إلى اتهامات له وأولاده في قضايا فساد، موضحا أنه "تم استغلال اتهامه كي يعمل في خدمة طغيان نظام السيسي، بظلم المعتقلين".

وأضاف عضو مجلس الشعب المصري السابق، أن "فلسفة السيسي، هي قتل المعارضين، وكتم أصواتهم عبر فترات سجن طويلة، يمرضون فيها أو يموتون، وتتشرد أسرهم ليكونوا عبرة لكل من يفكر أن يعارض السيسي، بكلمة حق".

وختم حديثه بالقول: "لكن يبقى أن كل الطغاة المستبدين لا يعتبروا؛ وأقرب مثال، بشار الأسد، الذي فعل كل ما يستطيع من قتل وظلم وسجن وتشريد ونفي لمنع حرية الشعب، ولكن كانت إرادة الله بحرية الشعب السوري وهروب بشار؛ لكن الطغاة لا يتعظون".

"غياب القضاء المستقل"


وفي تقديره للموقف، قال الحقوقي والإعلامي المصري هيثم أبو خليل: "طالما أن هناك دوائر استثنائية في مصر، ورغم إلغاء حالة الطوارئ، فحن أمام جريمة، وهي غياب القضاء المستقل، فلا سلطة قضائية شفافة، ولا إجراءت تقاضي سليمة لمحاكمة المصريين، خصوصا أنها قضايا سجناء رأي ومعتقلين سياسيين".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد على ما اعتبر أنها نقطة هامة، مشيرا إلى قول المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، بأن "وجود هذا النظام ضرورة لأمريكا وإسرائيل، وإن سقوطه كارثة، وتضيع معه نجاحات حققوها مثل مقتل قيادات (حماس)، و(حزب الله): إسماعيل هنية، ويحيى السنوار، وحسن نصرالله".

ويرى أبو خليل، أن "ملف المعتقلين هو الرصيد الوحيد للنظام المصري، مع تجريف الحياة السياسية في مصر، ومنع الإسلاميين من الوصول للحكم مرة أخرى، وبالتالي فإن المحاكمات الجماعية للآف وتدويرهم تحت عنوان مضلل وهو التقاضي أو القضاء يعطي انطباعا لإدارة ترامب والاستئصاليين في العالم وعرابي الاحتلال أن النظام يسير في الاتجاه الصحيح".


ويعتقد أن "دلالة عودة المحاكمات الجماعية للمصريين مغازلة نظام ترامب من قبل ديكتاتوره المفضل (السيسي)، والتأكيد له أننا نسير على الخط في قمع المصريين، وفي الانتخابات على عدم عودة الإسلاميين للواجهة وللحياة السياسية، وأن تمرير الانتخابات البرلمانية القادمة أو أية مهازل أخرى يجب غض الطرف عنه".

"إجراءات إلى مجهول"

وقال الناشط الحقوقي والباحث في العلوم السياسية أحمد ماهر: "في ظل الظرف الراهن الخطير التي تمر به منطقتنا وفي القلب منها مصر وبدلا من السعي لتوحيد جبهتنا الداخلية بمواجهة العجرفة الصهيونية نرى بوضوح أن النظام السياسي يصر على أن يأخذنا نحو المجهول عبر حزمة إجراءات غير مفهومة".

وأضاف لـ"عربي21"، أن "عودة المحاكمات الجماعية والتصعيد في ملف السجون والمعتقلين بعد 12 عاما من الأحداث التي جرت في مصر عام 2013 يشير بوضوح إلى أن تصرفات هذا النظام السياسي غير مسؤولة وأنه غير قادر على إدراك اللحظة الفارقة التي تمر بها مصر والمنطقة في مواجهة محاولات التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، إحدى محددات الأمن القومي المصري".

وأكد أنه "لا يمكن أن يتمنى أي معارض وطني حر شريف أن يرى انهيار الدولة المصرية كما تدعي أذرع النظام الإعلامية، فجمعينا يعلم أن هذا يمثل خطرا كبيرا في ظل تربص من العدو ومن يدعي الصداقة".

واستدرك: "ولكننا نرى أن النظام السياسي يسعى عبر هذه الإجراءات إلى مجهول لا يمكن أن ترى مصر فيه الخير، ومع ذلك لن نفقد الأمل في مناشدة ومخاطبة أبناء الوطن المخلصين أينما كانوا بضرورة السعي نحو إنهاء معاناة عشرات الآلاف من أبناء مصر الأحرار في السجون، والسعي بشكل جاد إلى إنهاء الانقسام المجتمعي المختبئ خلف أستار القبضة الأمنية".

"وضع يزداد سوءا"
وعبر صفحته بموقع "فيسبوك"، أكد المحامي الحقوقي مصطفى عبدالمولى، أن العدالة لا تتحقق مع هذه الموجات من المحاكمات، مشيرا إلى أن 148 قضية بواقع 6 آلاف متهم تم عرضهم على نيابة أمن الدولة العليا لإحالتهم لمحاكم الإرهاب بدون تحقيقات شفافة عادلة، اعتمادا على قرارات جهاز الأمن الوطني، مع حرمان المتهمين من حق الطعن نتيجة الوضع الاستثنائي لمحاكم الإرهاب.

ولفت إلى أن الوضع يزداد سوءا في ظل إقرار مجلس النواب تعديلات قانون الإجراءات الجنائية، موضحا أن كثيرا من المواد تفتح الباب لتوسيع صلاحيات التحقيق والحبس، وتضييق فرص الدفاع، والتوسع في استخدام التكنولوجيا كبديل للحضور الفعلي في الجلسات، كوسيلة لعزل المتهم عن محاميه، وعن الرأي العام.

ودشن نشطاء حملة دعم واسعة للمعتقلين في مصر الأحد، ولمدة 10 أيام، بعنوان: "#خرجوا_المعتقلين"، في خطوة لدفع ملف المعتقلين إلى صدارة الاهتمام العام على كافة منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.