حصلت "عربي21" على معلومات وشهادات حصرية حول ما يتعرض له مستثمرون أجانب في دولة
الإمارات، من عمليات نصب وابتزاز واستيلاء على أموالهم بغطاء من جهات متنفذة في الدولة الخليجية.
والشهادات التي حصلت عليها "عربي21" تكشف تفاصيل صادمة تخالف الصورة النمطية عن مناخ الاستثمار الآمن في البلاد، حيث أشارت معلومات حصرية إلى ارتفاع مخاطر الاستثمار، خصوصا على الشركات الناشئة، والتي تجد نفسها فريسة سائغة لفرق منظمة، تتسلل من الثغرات القانونية التي يفترض أن تنظّم علاقة سليمة بين
المستثمرين والدولة.
وتكشف المعلومات الحصرية أنه وعلى خلفية التدفق الكبير للمستثمرين إلى الإمارات خلال السنوات الثلاث الماضية، ارتفعت مخاطر الحفاظ على الاستثمارات بشكل كبير، إذ تنشط مجموعات منظمة في مهاجمة الشركات التي تم إنشاؤها حديثًا والتي تمتلك أصولًا كبيرة.
بحسب الشهادات التي حصلنا عليها، تستغل هذه المجموعات الأنظمة القانونية والقضائية المعيبة في دولة الإمارات العربية المتحدة وحالة الفساد "الخفية" المنتشرة في البلاد، لسرقة أموال المستثمرين بطرق مختلفة وغير متوقعة، وسط حالة من الصمت وتجاوز السلطات لهذا النشاط غير القانوني.
كيف تنفذ عمليات الاحتيال على الشركات الناشئة؟
قال مصدر مطلع في إمارة دبي، إن مجموعات منظمة تستغل الثغرات القانونية للسيطرة على أموال الشركات، فعلى سبيل المثال يمكن من خلال التواصل مع النظام القضائي لإمارة واحدة؛ كالشارقة مثلا، تغيير الاختصاص القضائي ومهاجمة شركات من دبي.
ولفت المصدر لـ"عربي21" إلى أن رجال الأعمال ممن يتعرضون للنصب والسرقة، يلجؤون عادة إلى القضاء، ولكنهم لا يجدون استجابة، رغم أن القضايا عادة تأخذ مسارها القضائي، إلا أن تغيير الاختصاص القضائي يعد منفذا للالتفاف على القضايا، فمثلا يقوم أحد المحامين الإماراتيين المشهورين، ويدعى "س.م"، بتحويل قضايا النزاع المالي إلى المنطقة التي كان يشغل فيها منصب المدعي العام سابقا بحكم احتفاظه بنفوذ قوي هناك.
وأوضح المصدر أن المحامي المذكور "أصبح بمثابة محام لكبار النصابين"، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن القضايا ذات العلاقة متكررة، وتأخذ أشكالا مختلفة في طريقة التقاضي، لكنها إجمالا وفي معظمها لا تنصف رجال الأعمال الذين يجدون أنفسهم مضطرين إلى مغادرة البلاد، ووقف استثماراتهم.
ولا تقف الأمور عند هذا الحد، حيث شدد المصدر الذي تحدث لـ"عربي21" على أن عصابات تنشط على الأرض لترهيب الضحايا ودفعهم إلى التخلي عن القضايا، في حال ساد الاعتقاد أن المسار القانوني يسير إلى صالحهم، مشيرا إلى تعرض محامي أحد الضحايا للاعتداء بتحطيم سيارته أمام إحدى المحاكم في إمارة الشارقة.
شواهد من عمليات النصب
وذكر المصدر عدة شواهد على حالات النصب على رجال الأعمال في دولة الإمارات، ومنها، أن رجل أعمال أجنبيا عقد اتفاقاً مع متنفذ إماراتي يقضي بأن يقوم الأخير بتوفير الجنسية الإماراتية لرجل الأعمال الأجنبي مع جواز سفر دبلوماسي، مقابل مبلغ ١٠ ملايين دولار، وقد تم تحويل الأموال بالفعل إلى حساب الشخص المتنفذ، ليكتشف رجل الأعمال بعدها بأنها عملية احتيال من قبله.
وبعد تدقيق رجل الأعمال في القضية اكتشف بأن هذا السلوك متكرر وبأن العديد من الأشخاص وقعوا ضحية لذلك، وخاصة أولئك القادمين من روسيا، حيث يبحث كبار رجال الأعمال عن بدائل تتيح لهم السفر للدول الأوروبية من أجل تيسير أعمالهم ومصالحهم في ظل العقوبات الغربية المفروضة على بلادهم.
وفي حالة ثانية، نقل رجل أعمال روسي جزءاً من أعماله إلى الإمارات، مؤخرا، حيث قام بفتح شركة وشراء أسطول سيارات لتقديم خدمة تكسي عبر تطبيق شبيه بـ"يانديكس تاكسي" الروسي. وأرسل رجل الأعمال ممثلا له للإشراف على تنفيذ المشروع، والذي قام بدوره بشراء خمسين إلى سبعين سيارة، ومع انطلاقه بإجراءات العمل تعرض لتهديدات من أشخاص قاموا بنقل ملكية الشركة عنوة إلى أطراف أخرى.
اكتشف رجل الأعمال الروسي بأن مافيا أجنبية مرتبطة بشخصية نافذة في أبو ظبي قامت بتنفيذ العملية ضده، فما كان منه إلا أن لجأ إلى القضاء الإماراتي، وهو ما انتهى بعد مسار طويل بإسقاط القضية دون النظر في الأدلة المقدمة.
وعلى إثر ذلك، قام رجل الأعمال الروسي بالتعاقد مع محام إيطالي مرموق يدعى "ستيفانو سوتّي" لمتابعة القضية، لكن الأخير تعرض لتهديدات تمثلت إحداها بالاعتداء على سيارته أثناء تواجدها أمام قصر العدل في إمارة الشارقة وفي وضح النهار.
وأكد المحامي "سوتّي" تعرضه لاعتداء بالفعل وكتب في حسابه على فيسبوك: "في إطار اهتماماتي المهنية والعلمية المعروفة في مجال استراتيجية التقاضي الدولي، فقد تعاملت مؤخراً مع بعض القضايا لصالح مكتب المحاماة سوتي والتي تطلبت من المستثمرين الأجانب اللجوء إلى النظام القضائي في دولة الإمارات العربية المتحدة لمواجهة الاستيلاء على أعمالهم التجارية القائمة هناك، وكما سبق وأن نشرت، فقد ذهبت مؤخراً إلى الشارقة لحضور محاكمة من هذا النوع تضم بعض عملائنا، حتى أتمكن أيضاً من مراقبة تقدمها المنتظم".
وتابع: "ولكن عندما غادرنا قصر العدل برفقة الشخص الذي كان يساعدني كمترجم ومرشد، لاحظنا في موقف السيارات أن سيارتنا تعرضت لأضرار بالغة بسبب خدش كبير في مقدمة هيكل السيارة. لا أستطيع أن أقول على وجه اليقين ما إذا كانت هذه محاولة للضغط عليّ لعدم العودة. لكن الحقيقة تبقى: السيارة تعرضت لأضرار. بجوار مبنى المحكمة مباشرة، في وضح النهار".
وأضاف المحامي الإيطالي: "ذهب الشخص الذي استأجر سيارتنا إلى الشرطة المحلية للإبلاغ عن الأمر. ولكن هناك تفصيل مثير للاهتمام: لتقديم شكوى بشأن الجريمة، تم طلب 150 دولارًا. من الأفضل أيضًا أن نضع في الاعتبار مخاطر السيارة ضمن تكاليف التقاضي".
أما الحالة الثالثة، فتتعلق بوزير سابق في تايلاند ورجل أعمال كبير نقل جزءاً من استثماراته إلى الإمارات، لكنه تعرض لاحتيال ممنهج من قبل رجل متنفذ في أبو ظبي، وبالرغم من امتلاكه أدلة كافية إلا أن القضاء رفض التعامل مع قضيته.
"تورط خبراء محاكم دبي"
وفي شباط/ فبراير 2022 اتهمت
مؤسسة العدالة الدولية في واشنطن، وهي مؤسسة دولية غير ربحية تركز جهودها على مكافحة الفساد التجاري، ثلاثة خبراء من محاكم دبي بالتواطؤ مع وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودي أحمد الراجحي، في أكبر قضية احتيال عقاري بالشرق الأوسط.
ووفقا لنتائج تحقيق أجرته المؤسسة، بشأن قضية "شركة تعمير القابضة للاستثمار" المتهم فيها الوزير السعودي وأشقاؤه الأربعة بنهب ممتلكات الشركة وأصولها، والاستيلاء على حصة مؤسسها رجل الأعمال الفلسطيني الكندي، عمر عايش، ومئات العملاء، والمعروفة إعلاميا بأكبر قضية احتيال عقاري في الشرق الأوسط، قالت العدالة الدولية إن نزاهة الخبراء الثلاثة المختصين بالعمل في القضية التي تنظر فيها محاكم دبي على المحك.
وطالبت المؤسسة بإجراء تحقيق في دور محتمل لخبراء محاكم دبي في مخطط الوزير السعودي الاحتيالي، مؤكدة أنها قامت بمراجعة ملفات قضية تعمير والشهادات وتقارير الخبراء الخاصة بالقضية، والتي حكمت فيها محكمة دبي الابتدائية خلال شهر شباط/ فبراير 2020.
وفي 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، أصدرت محكمة دبي الابتدائية حكما لصالح عمر عايش بعد مرور أكثر من 12 عاما على قضيته قضت فيه بتغريم الوزير السعودي 1,623,900,291 درهما إماراتيا (نحو 450 مليون دولار)، فضلا عن فائدة بواقع 9 بالمئة سنويا، تبدأ من تاريخ 12 آذار/ مارس 2017 وحتى تمام السداد.
وألزمت المحكمة الإماراتية "الراجحي" بأن يدفع أيضا لـ"عايش" تعويضا عن الأضرار المادية والمعنوية قدره 10,000,000 درهم (نحو 2.8 مليون دولار)، فضلا عن فائدة بواقع 9 بالمئة تبدأ من تاريخ صيرورة هذا الحكم نهائيا وحتى تمام السداد.