كتاب عربي 21

نقابة الصحفيين في مصر.. لمن تُقرع الأجراس؟!

"إذا كان جانب من فوز النقيب الحالي مرده إلى أنه قدم تجربة ملهمة، وأثبت أنه على مستوى المسؤولية النقابية، فإن الفوز في المرة الأولى كانت تصويتا ضد السلطة، موجها لمرشحها"- حساب البلشي في فيسبوك
بسقوط مرشحها لموقع نقيب الصحفيين، للمرة الثانية على التوالي، فإنه يتعين على السلطة المصرية أن تشعر بالقلق!

فقد شهدت نقابة الصحفيين المصرية انتخابات قبل أيام جددت فيها الجمعية العمومية الثقة في مرشح تيار الاستقلال النقابي خالد البلشي، مع احتشاد السلطة خلف مرشحها عبد المحسن سلامة، تماما كما فعلت في الانتخابات التي جرت قبل عامين، وفاز فيها البلشي على مرشح السلطة، رئيس تحرير جريدة الأخبار خالد ميري، في مفاجأة أذهلتنا قبل أن تذهلهم، وإذا كان جانبا من فوز النقيب الحالي مرده إلى أنه قدم تجربة ملهمة، وأثبت أنه على مستوى المسؤولية النقابية، فإن الفوز في المرة الأولى كانت تصويتا ضد السلطة، موجها لمرشحها!

كل من عبد المحسن سلامة وخالد ميري ليس من سقط المتاع الصحفي، فقد مارسا المهنة بجد ودأب، وترقيا بشكل طبيعي، وإذا لم يكن متوقعا أن يصبح ميري رئيسا للتحرير إلا في العهد الحالي، فإن توقع رئاسة سلامة لـ"الأهرام" مقطوع به منذ سنوات طويلة. وهو لم يسقط على العمل النقابي بـ"الباراشوت"، فقد تولى موقع وكيل أول النقابة قبل الثورة، وتولى موقع نقيب الصحفيين في 2017-2019، أما خالد ميري فقد كان عندما ترشح نقيبا للصحفيين (2023) وكيل أول النقابة ورئيس لجنة القيد والعضوية على مدى دورة كاملة، قوامها أربع سنوات متصلة!

ما كانت تقبله الجماعة الصحفية في الفترة الانتقالية، منذ ما جرى في تموز/ يوليو 2013، لم يعد يصلح صيغة قابلة للاستمرار، وعليها أن تعيد ترتيب أوراقها من جديد، فهذا جرس إنذار، فهل من مدكر؟

ففي المرتين لم تأت السلطة بغريب على العمل النقابي أو الصحفي لتدفع به إلى هذه المنافسة، لكن نتيجة الانتخابات بدت استفتاء عليها، واحتجاجا على طريقتها في إدارة الملف الصحفي والنقابي، وتبدت عورتها في عدم قراءة المشهد وقدرتها على استيعاب الرسائل، لافتقاد من بيدهم الملف اللياقة لإحداث تغيير جذري، فما كانت تقبله الجماعة الصحفية في الفترة الانتقالية، منذ ما جرى في تموز/ يوليو 2013، لم يعد يصلح صيغة قابلة للاستمرار، وعليها أن تعيد ترتيب أوراقها من جديد، فهذا جرس إنذار، فهل من مدكر؟!

الرسائل بدأت مبكرا ومنذ فوز يحيى قلاش بموقع النقيب وسقوط مرشح السلطة ضياء رشوان في انتخابات آذار/ مارس 2015، وربما لم ينتبه لدلالة هذه النتيجة من مؤيدي النظام الجديد سوى محمد حسنين هيكل (الألقاب كما المقامات محفوظة للجميع)، ولأن الرجل كان عراب المرحلة، فقد كانت النتيجة مفزعة له، لأنه اعتبرها استفتاء مبكرا على شرعية النظام الجديد، لكن السلطة تصرفت بشكل أمني صرف، مع أن الحل الأمني الذي اعتمده نظام مبارك على مدى ثلاثين عاما انتهى إلى الفشل، وعجز عن استيعاب رسائل الاحتجاج السياسي، فكانت ثورة كانون الثاني/ يناير 2011!

اقتحام النقابة لأول مرة:

فلأول مرة في تاريخ نقابة الصحفيين، التي تأسست في عام 1941، يجري اقتحامها من قبل الأمن، وفي كل العهود فإن من دخلها كان آمنا، والمعلن كان القبض على أحد الصحفيين غير النقابيين من داخلها تنفيذا لقرار صدر من النيابة العامة بضبطه وإحضاره، وإذ اجتمعت الجمعية العمومية وأدانت هذا التصرف غير المسؤول، فقد كان رد السلطة يتجاوز كل توقع، عندما أحالت نقيب الصحفيين يحيى قلاش وسكرتير عام النقابة جمال عبد الرحيم، وعددا من الأعضاء للتحقيق أمام النيابة، وتم سجنهم أياما حبسا احتياطيا، في تصرف غير مسبوق أيضا!

كان واضحا أن السلطة قررت ألا تلتزم بقواعد اللعبة، وأنها لن تقيم وزنا لأحد، متحللة من السوابق التاريخية، وتقاليد الدولة المصرية في التعامل مع النقابة، فمرة واحدة فكرت فيها السلطة في اعتقال نقيب الصحفيين، ثم تراجعت على الفور، حدث هذا في عام 1968، عندما اجتمع مجلس النقابة وقرر الانحياز لحركة الطلبة المعتصمين في جامعة القاهرة، احتجاجا على الأحكام المخففة في قضية محاكمة قيادات الطيران. وكتب أحمد بهاء الدين نقيب الصحفيين البيان بيده، وفكر عبد الناصر في اعتقاله، لكنه عدل عن الفكرة الطارئة على ذهنه في ثانية، رغم فجيعته في ما جرى، واعتباره طعنة في الظهر من بهاء الدين، وهو الذي كان يعالج آثار الهزيمة التي دمرت معنوياته، حد قراره بقصف اعتصام الطلبة نفسه بسلاح الطيران!

وحشدت السلطة رجالها ورؤساء المؤسسات الصحفية، وقررت الاستيلاء على النقابة، وهو ما حدث بالفعل في الانتخابات التالية، وجاء عبد المحسن سلامة نقيبا للصحفيين (2017)، وهُزم تيار الاستقلال النقابي، فلم يملك همة على المواجهة، وكيف يواجه عُزّل حتى من أقلامهم؛ هذا الجنون والقطار الذي يفتقد للفرامل ولا يقف على محطات، ومواجهة سلطة تخالف قواعد الاشتباك المستقرة!

الاستسلام التام:

وقد رأى تيار الاستقلال نفسه أمام ذلك، فقد نأى وجهاؤه عن أي منافسة، الأمر الذي مكن مرشح السلطة ضياء رشوان من دورتين بسهولة، وبدون منافسة تُذكر (2019-2023)، وبدت الجماعة الصحفية في حالة استسلام تام، فلما جاءت انتخابات (آذار/ مارس 2023) بدا الاتجاه العام غير راغب في المنافسة، فهذا مرشح السلطة الغاشمة (خالد ميري)، وما تريده سيكون!

كان رجال السلطة قد ارتكبوا جريمة في هذه الفترة، فالنقيب ومن معه اختطفوا النقابة بعيدا عن المجلس؛ فلا اجتماعات دورية، وإذا عقدوا اجتماعاتهم فهي تقتصر على هيئة المكتب، بعيدا عن بقية أعضاء المجلس، وانصرف النقيب (ضياء رشوان) لتحقيق طموحه خارج النقابة، وسلم مقاليد الأمور للسكرتير العام محمد شبانة، الذي عينته السلطة عضوا في مجلس الشيوخ فسمى نفسه السيناتور، ومنحته مناصب صحفية عدة، عزله منها القضاء بعد ذلك، ومن بينها موقع السكرتير العام، فعضوية البرلمان تستوجب التفرغ من المواقع المسؤولة.

لقد بلغت بهم الجرأة حد أنهم كفنوا مبنى النقابة، وهو التوصيف الذي ذكرته، وسرني أن ينتشر في كتابات الصحفيين ودعاياتهم عن هذه الفترة المظلمة من تاريخ النقابة، وذلك بوضع ستارة سمكية مهلهلة بطول المبنى وعرضه، وإلغاء مدخلها بالأسياخ الحديدية، والحجة أنه يتم تنكيسها، مع أن مباني أقدم في المنطقة لم تحتج لذلك وعمرها يتجاوز المئة عام، وإذ تعرض المبنى للشيخوخة المبكرة، فكان يستدعي هذا مقاضاة الشركة المنفذة، لكنه المخطط لإخراج النقابة خارج الخدمة، فما هو الترميم الذي يستدعي التكفين لأربع سنوات كاملة!

وإذا قبلنا فكرة تصدع البنيان الجديد (افتتح في 2009)، فما هو المبرر لإغلاق الكافتيريا في الدور الثامن، وتشوين الكراسي من كل الطوابق؟ فإذا اضطر صحفي للحضور لدفع رسوم الاشتراك أو تجديد البطاقة الصحفية فذلك "على الواقف"، حتى وإن كان طاعنا في السن أو مريضا لا يقوى على الوقوف، ولا مقعد للجلوس ولو لالتقاط الأنفاس!

ومع الاستسلام للوضع الراهن، كان من رأيي عدم ترك الأمور للفوز السهل لمرشح السلطة خالد ميري، ومن باب المناكفة ليحصل على بعض الامتيازات للصحفيين من الحكومة، بسبب هذه المنافسة الشكلية، وبدا من يمكن لهم المنافسة في عزوف عن التضحية بأنفسهم، وجاء شاب من خارج هذا السياق وهو خالد البلشي وبدا كما لو كان يضحي بنفسه، وهو وإن فاز سابقا بعضوية مجلس النقابة، إلا أن موقع النقيب هو من نصيب جيل تجاوز مرحلة الشباب، ثم إنه لا ينتمي لمؤسسة صحفية كبيرة تحتشد خلفه انتصارا للقبيلة، فحتى مرشح تيار الاستقلال السابق والذي فاز بعضوية النقابة قبل الثورة، جلال عارف" ينتمي لمؤسسة "الأخبار"!

وعمل البلشي في صحف حزب التجمع، ثم جريدة الدستور، قبل أن يرأس تحرير جريدة "البديل" الخاصة، التي توقفت عن الصدور مبكرا، بجانب مواقع الكترونية صغيرة بعد ذلك، والقاعدة أن المؤسسات تحشد خلف مرشحها، لا سيما على موقع النقيب!

نصير المعتقلين:
ب بعيدا جدا، فصار سندا للمعتقلين منهم، وباب مكتبه مفتوح لهم، وعادت الروح نسبيا لسلالمها، ومارس مهام منصبه كما لو كان يشغله منذ سنوات بعيدة، فأجمع عليه الصحفيون من كافة التيارات السياسية والفكرية!

لكن حدثت المفاجأة الكبرى، وفاز البلشي بموقع نقيب الصحفيين، ليخسر خالد ميري بسقوطه رئاسة تحرير "الأخبار". وكان أداء خالد البلشي على مدى سنتين (آذار/ مارس 2023- أيار/ مايو 2025) مدهشا بالدرجة الأولى، وفي البداية قلت إنه لو لم يفعل سوى رفع هذا الكفن، وإخراج الكراسي من التشوين، وإعادة فتح باب النقابة أمام الصحفيين لكفاه، لكنه ذهب بعيدا جدا، فصار سندا للمعتقلين منهم، وباب مكتبه مفتوح لهم، وعادت الروح نسبيا لسلالمها، ومارس مهام منصبه كما لو كان يشغله منذ سنوات بعيدة، فأجمع عليه الصحفيون من كافة التيارات السياسية والفكرية!

وعندما دعا الداعي للانتخابات هذه المرة، تصورت أن "كشف إنتاجه" يكفي دعاية له، ولا معنى لخطوة عبد المحسن سلامة لمنافسته، إنه يضحي بنفسه من أجل رغبة السلطة في إعادة الهيمنة على النقابة، لكن في الأيام الأخيرة شاهدت شحنا وحشدا كبيرا من جانب رؤساء المؤسسات الصحفية، وبدأ الحديث عن امتيازات منحتها الحكومة لمرشحها، عبارة عن أراض وشقق، وزيادة كبيرة في بدل التدريب، وقبل موعد إغلاق باب التصويت جاءت الحافلات مجهولة المصدر، تحمل صحفيين وصحفيات من المؤسسات الصحفية التي هي على مرمى حجر من النقابة، والأمر لا يستدعي الشحن والتفريغ، ولكن لضمان عدم التزويغ، وتم مد باب الانتخابات لساعة لاستيعاب هذه الحشود. وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح!

تُرى ماذا لو جرت انتخابات نزيهة على كافة المستويات، هل لدى السلطة شك في أنها ستخسرها؟!

إنها الأجراس تقرع فهل من مدكر؟!

x.com/selimazouz1