أحدثت الاتفاقية المائية الموقعة بين
تركيا والعراق في
بغداد جدلاً واسعاً داخل الأوساط السياسية والشعبية
العراقية، إذ رأى كثيرون أن منح أنقرة صلاحيات كاملة لإدارة ملف المياه يمثل إخفاقاً جديداً للحكومة العراقية في التعامل مع قضية الموارد المائية التي تعاني من سوء الإدارة منذ أكثر من عقدين.
بحضور رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وقع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ونظيره العراقي فؤاد حسين، الأحد، وثيقة تتعلق بآلية تمويل المشاريع ضمن اتفاقية التعاون الإطارية في مجال المياه بين حكومتي البلدين، وذلك استكمالاً لاتفاق سابق تم التوصل إليه عام 2024.
"اتفاق تاريخي"
قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الأحد، إن اتفاقية التعاون الإطارية الموقعة مع تركيا تمثل إحدى الخطوات المهمة نحو إيجاد حلول دائمة لأزمة المياه في العراق، وذلك وفقاً لبيان صادر عن مكتبه الإعلامي.
وأكد السوداني، أن "الاتفاق سيكون أحد الحلول المستدامة لأزمة المياه في العراق، من خلال حزم المشاريع الكبيرة المشتركة التي ستُنفذ في قطاع المياه، لمواجهة وإدارة أزمة شحّ الموارد المائية".
ولفت إلى أهمية متابعة تنفيذ مخرجات الاتفاق التي اتفق عليها في أثناء زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بغداد العام الماضي، موضحا أن أزمة المياه هي أزمة عالمية، وأن العراق أحد البلدان التي تضررت بسببها.
وذكر رئيس الحكومة العراقية، أن "اتفاق آلية التمويل سيعزز العلاقات الثنائية مع تركيا ويسهم في تناميها بمختلف المجالات، وبما يحقق المصالح المشتركة للبلدين الصديقين".
وقبل ذلك، قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي هاكان يدان، إن بغداد وأنقرة يوقعان اتفاقا تاريخيا بشأن إدارة المياه.
وأوضح حسين أن بين العراق وتركيا علاقات تاريخية وجغرافية متينة، إلى جانب علاقات قائمة على المصالح المشتركة في مجالات التجارة والاقتصاد والطاقة وغيرها، مؤكدا أن اجتماعه مع الوزير فيدان تناول العديد من الملفات، وفي مقدمتها ملف المياه.
وأردف: "لقد عقدنا في أنقرة اجتماعات موسعة بشأن قضية المياه، وتوصلنا هناك إلى اتفاقات، وهذه الاتفاقات تحولت إلى مذكرة تفاهم. وسيتم بعد ساعات توقيع الاتفاق التاريخي المتعلق بإدارة المياه، وهو الأول من نوعه في تاريخ العلاقات العراقية – التركية".
وبحسب ما نشرته وكالة الأنباء العراقية "واع"، الثلاثاء، فإن المناقشات بين أنقرة وبغداد استمرت لأكثر من سنة للتواصل إلى آلية مناسبة تساعد على تنفيذ الاتفاقات ومذكرات التفاهم الموقعة بشأن قطاع المياه.
وأضافت: "تم في 2 تشرين الثاني الجاري، توقيع الآلية الخاصة بتنفيذ إطار التعاون في مجال المياه، والتي اشتملت على منهجية عمل لتنفيذ مشاريع إستراتيجية مهمة في قطاع المياه ترتكز على المشاريع التي ترشحها الجهات الحكومية".
وذكرت الوكالة أن المشاريع هي: "تحسين نوعية المياه وإيقاف تلويث مياه الأنهار. تطوير أساليب الري واستخدام تقنيات الري الحديثة. استصلاح الأراضي الزراعية. حوكمة إدارة المياه في العراق وترشيد استخدامها".
ولفتت إلى أن "تمويل هذه المشروعات وفقا لسياقات وزارة المالية العراقية ومن حساب ينشأ من بيع كميات النفط الخام التي تحدد بقرار من مجلس الوزراء، ووفقا لسعر النشرة العالمية للنفط العراقي المباع للشركة التركية التي يجب أن تكون مقبولة لدى شركة تسويق النفط العراقي".
وتابعت: "وقد تم تضمين الآلية شرطا بحيث إذا تمت إعادة بيع النفط العراقي خارج جمهورية تركيا وفي السوق الأوروبية فقط، تكون حصة العراق (65 بالمئة) من الفائدة المتحققة من إعادة بيع النفط بأعلى من سعر النشرة العالمية".
أما آليات بيع النفط للشركات التركية فإنها ستكون وفقا للسياقات المعمول بها لدى شركة تسويق النفط العراقية. وتكون هذه الآلية سارية المفعول بسريان الاتفاق بشأن المياه، طبقا للوكالة الرسمية.
وتنص الآلية على تمويل المشاريع التي ستتولاها الشركات التركية في مجال تحديث وتشييد البنية التحتية من أجل الاستخدام الفعّال والمثمر والمستدام لموارد المياه في العراق، من خلال نظام يعتمد على مبيعات النفط العراقي، وفقا لوكالة "الأناضول".
اظهار أخبار متعلقة
وأشارت الوكالة التركية إلى أنه من خلال هذا الإجراء تهدف تركيا إلى زيادة مساهمتها في تطوير البنية التحتية للمياه في العراق وتحسين كفاءة استخدام الموارد المائية.
"فشل عراقي"
وبخصوص جدوى الاتفاق لإنهاء أزمة المياه ي العراق، قال النائب هادي السلامي عضو لجنة النزاهة البرلمانية العراقية، لـ"عربي21"، أن هذه الخطوة تمثل فشلا حكوميا عراقيا واضحا منذ عام 2003 وحتى اليوم، بعد تسليم ملف إدارة المياه بالكامل إلى الجانب التركي.
وأضاف السلامي، وهو عضو سابق في لجنة الزراعة والمياه البرلمانية، أن "توقيع الوثيقة بين بغداد وأنقرة بمجال المياه، جاء في توقيت حساس يسبق الانتخابات البرلمانية، وأن تركيا ضغطت على السوداني في هذا الوقت لأن تفجر أزمة المياه قد تضره انتخابيا".
ولفت إلى أن "إيقاف تركيا للتدفقات المائية نحو العراق تسبب بجفاف الأنهر بشكل كبير، ولاسيما نهري دجلة والفرات، وهذا عرّض رئيس الوزراء إلى حرج كبير قبل الانتخابات البرلمانية، لذلك جاء توقيع هذا التعاون في هذا التوقيت بالذات".
ورأى السلامي أن "وقت توقيع الوثيقة مضطرب وغير مستقر، وكنا نأمل أن تكون في ظروف ليست انتخابية وانشغال رئيس الوزراء وأعضاء حكومته بالانتخابات، خصوصا أن استمرار شح المياه سيؤدي إلى اضطراب في البلد وتراجع المشاركة الانتخابية للشعب".
وأكد النائب أن "توقيع الوثيقة فيها بُعد سياسي، واستغلال واضع من الجانب التركي للمشكلات الداخلية، لذلك فإن أزمة المياه تعبر عن فشل السياسة الخارجية العراقية، في عرض هذا الملف على المحاكم الدولية وعدم التزام تركيا في تنفيذ الإطلاقات المائية المخصصة للعراق".
وبيّن السلامي أن "البرلمان كان له دعوات كثيرة للحكومة بأن تستثمر زياراتها المتكررة إلى تركيا لإبرام اتفاقيات تصب في صالح العراق، ولا سيما بعد توقيع أنقرة ودمشق اتفاقات مائية قد تؤثر على الجانب العراقي لأن الإطلاقات المائية ستذهب إلى سوريا".
على الصعيد ذاته، وصفت خبيرة البيئة العراقية إقبال لطيف لـ"عربي21" أن "الاتفاق الحالي بين بغداد وأنقرة هو مجحف بحق الشعب العراقي، خصوصا أن الحكومة الحالية تقع تحت ضغوطات عدة، ولاسيما الخارجية منها".
اظهار أخبار متعلقة
ورأت الخبيرة العراقية حدوث مشكلات كثيرة جراء هذا الاتفاق مع تركيا، منها أن "العراق سيتنازل عن الديون المترتبة على تركيا بخصوص النفط، ومقابل ذلك يمنح الجانب العراقي المياه، رغم أن له الحق في الحصول عليه كونه من دول المصب".
وانتقدت إقبال لطيف موافقة الحكومة العراقية على مقايضة تركيا لها، بأن تعطي للعراق إطلاقات مالية مقابل منحها النفط، إضافة إلى رفع التبادل التجاري مع الجانب التركي إلى نحو 30 مليار دولار.
ولفتت إلى أن الوثيقة الموقعة تنص على منح تركيا إدارة ملف المياه العراقي بشكل كامل، وهذا أمر غير مسبوق، خصوصا في بناء السدود، مع أن البلد لديه من الخبرات البشرية والإمكانيات المادية الكثير، والتي تجعله قادرا على فعل ذلك بنفسه.
وأكدت الخبيرة العراقية أن تسليم ملف إدارة المياه بالكامل إلى تركيا، يعبّر عن فشل حكومي عراقي صارخ، لأن الحكومات المتعاقبة بعد عام 2003 جرى تشكيلها على المحاصصة الحزبية والطائفية، بالتالي كانت النتيجة هذا حصول هذه الإخفاق الكبير.
واعتبرت إقبال لطيف أن "منح تركيا إدارة المياه في العراق، هو رهن للملف المائي لمدة خمس سنوات، وربما تمدد لمدة أكثر، لذلك نخشى في المستقبل من فرض مبالغ مالية كبيرة على العراقيين مقابل التزود بالمياه".
واستبعدت الخبيرة أن يسهم الاتفاق في حل أزمة المياه بالعراق، موضحة أن متوسط حاجة الفرد اليومية لا تقل عن 300 لتر، الأمر الذي يجعل من الصعب تلبية الاحتياجات المائية في ظل فشل الحكومة بإدارة هذا الملف، وما ترتب عليه من التزامات طويلة الأمد تقيد البلاد مستقبلاً.