صدر عن مركز الدراسات والأبحاث وإحياء
التراث بالرابطة المحمدية للعلماء في
المغرب كتاب جديد للباحث المغربي الدكتور عبد
الحميد مومن بعنوان: "علم الكلام والقرآن: دراسة لمنهجية تأصيل القرآن لعلم
العقيدة من خلال تراث أعلام الغرب الإسلامي بين القرنين 6هـ/12م – 9هـ/15م".
الكتاب، في جوهره، محاولة علمية رصينة
لتلمّس الطريق التي سلكها علماء الغرب الإسلامي في استمداد علم الكلام من القرآن
الكريم، وكيف سعوا إلى تحويل النص القرآني إلى أساسٍ معرفي يؤطر الخطاب العقدي
ويمنحه مشروعيته المنهجية.
معالم المشروع العلمي
يستعرض المؤلف الأصول المعرفية التي انطلق
منها أعلام الغرب الإسلامي، والخطوات الإجرائية التي اعتمدوها في قراءة النصوص،
والنتائج الفكرية التي انتهوا إليها. ومن أبرز القضايا التي توقف عندها:
ـ إشكالية الدور في استمداد علم الكلام من
القرآن، وكيفية تجاوزها بمنهجية دقيقة.
ـ إعمال العقل في فهم آيات الاعتقاد، من
خلال تقرير قواعد تؤكد أن العقل لا يستقل بتأسيس المراد، وإن كان يستقل بإثبات
الصدق.
ـ المعارض العقلي، إذ يوضح أن ليس كل ما
يُوسم بالعقل عقلًا معتبرًا في حال التعارض مع النص.
التداولية والرد إلى المحكم
أفرد المؤلف حيزاً للحديث عن
"تداولية" الخطاب العقدي، أي موقعه بين النص القرآني والسياق التاريخي
والاجتماعي، باعتبارها جسرًا ضرورياً لفهم كيفيات إنتاج المعنى. كما أبرز أن
الخطوة المحورية في استمداد الكلام من القرآن كانت رد المتشابه – بمعناه العام –
إلى المحكم، وفق شروط ومعايير مستمدة من الأصول المعرفية للعلماء.
القطع والظن
ولأن المتكلمين جعلوا من "القطع"
هدفاً أساسياً لجدلهم العقدي، فقد ناقش المؤلف كيفية اقتناص هذا القطع من دلالات
قرآنية قد تبدو ظنية، مبيناً أن العملية تتطلب دقة في ضبط المناهج وصرامة في
معايير الاستنباط.
المذهبية وإشكالاتها
لم يُغفل الكتاب إشكالية
"المذهبية" في الاستمداد، أي أثر الانتماء المذهبي في قراءة النصوص
وتأويلها. وهنا يقترح الباحث جواباً وسطاً، يرفع الإشكال من غير أن يُلغي المذهبية
أو يُفرغ منهج الاستمداد من وظيفته الاستبصارية.
القيمة الفكرية للكتاب
تكمن أهمية هذا العمل في أنه يعيد الاعتبار
إلى المنهج القرآني في بناء علم الكلام، من خلال قراءة معمقة لتراث الغرب
الإسلامي، بما يحمله من خصوصية تاريخية ومعرفية. وهو بذلك لا يكتفي بتأصيل نظري
لمسألة الاستمداد، بل يقترح أجوبة عملية لأبرز الإشكالات التي رافقت محاولات
التوفيق بين النص والعقل، وبين المذهبية والمنهجية.
الكتاب يشكل إضافة نوعية للمكتبة الإسلامية،
ويفتح أفقاً جديداً أمام الباحثين في الفكر العقدي لفهم كيفية استثمار القرآن في
بناء أنساق معرفية أصيلة، بعيدة عن النقل الحرفي من المذاهب، أو الارتهان لسلطة
عقلانية منفصلة عن النص.