كتب

الهوية العربية في مرمى التفكيك... واللغة سلاحها الأخير.. قراءة في كتاب

إن هوية الأمة لا يمكن أن تتحقق إلا بتنمية ثقافة عربية تعزز، وتنمي روح الحب والولاء للأمة.
إن هوية الأمة لا يمكن أن تتحقق إلا بتنمية ثقافة عربية تعزز، وتنمي روح الحب والولاء للأمة.
الكتاب: لسان الضَّاد: اللُّغة وسيلةٌ في الهوية وتمكين ٌ للقومية- قراءة في الانتماء والقومية و الهوية
الكاتب: الدكتور الشيخ علاء الدّين زعتري
الناشر: دار رواد المجد، دمشق،طبعة أولى 2025،(عدد الصفحات112 من الحجم الوسط)


قراءة في الهوية الثقافية العربية والقومية

النموذج الحديث للقومية العربية ـ وبخاصة بعد عصر النهضة ـ تأثر بنماذج كانت موجودة في أوروبا بوجه خاص؛ من حيث تطور الفكر القومي والوطني في القرن التاسع عشر، وهو نشوء لغات قومية محددة، كانت قد بدأت بالنشوء أو النمو بالقرن الثامن عشر وقبله في السابع عشر، ولكن تطورت في الثامن عشر والتاسع عشر وأصبحت مركز فكر قومي معين.

فمع انتصار الثورة الفرنسية أصبحت اللغات الأوروبية تستخدم كأساس مرجعي للهويات الوطنية والقومية الجديدة؛ إن في فرنسا ابتداء، أو فيما بعد في بلدان أخرى مثل: ألمانيا وإيطاليا. وبالتالي فالنموذج العربي استفاد من التحرك التاريخي لبلدان أخرى، ومن حركات قومية أخرى.

ومع وجود قوميات تم تأسيسها على العرق، وبغض النظر عن رأينا في (القومية العرقية) من حيث إنها الشكل الأقصى والمتطرف من القومية الثقافية؛ إلا إنه في نموذج القوية العربية الحديثة لم يتم التطرق للقومية العرقية - رغم فاعليته في مكان ما - سواء في التجربة الألمانية أو الإيطالية أو اليابانية من حيث نقاء العرق.

مع انتصار الثورة الفرنسية أصبحت اللغات الأوروبية تستخدم كأساس مرجعي للهويات الوطنية والقومية الجديدة؛ إن في فرنسا ابتداء، أو فيما بعد في بلدان أخرى مثل: ألمانيا وإيطاليا. وبالتالي فالنموذج العربي استفاد من التحرك التاريخي لبلدان أخرى، ومن حركات قومية أخرى.
فالقومية العربية لم تقم ـ في أساسها ـ على نظرية عرقية، بل هي قومية ثقافية المنشأ، لبست أثواباً سياسية حسب المناطق التي ظهرت فيها، آخذة بعين الاعتبار وجود قوميات إثنية، تعيش معها وبينها، كمثل القومية الأمازيغية، والقومية الكردية.

من أجل حسن إدارة الحركة القومية العربية، وتصالحها مع مكونات المجتمع العربي في توجهاته الفكرية والاستفادة من ثراء الاصطفافات المتعددة - رغم الاختلاف، لا بد أن يكون الارتباط بالماضي وبخاصة عند استدعائه بصورة علمية متوازنة.

ومن الخطأ العمل على العلاقة بين الحاضر والماضي بطريقة انتقائية، لشرعنة ما هو موجود في الحاضر، أو لتأييد اتجاه سياسي على حساب اتجاه آخر. فالحديث هو مع النخب العلمية المؤثرة؛ ذات الطابع الجامع، للاستفادة من الطاقات، ولا تصلح النزعة الإقصائية في الأعمال العلمية.

وتظهر أهمية الربط بين الماضي والحاضر لبناء المستقبل في أنه لا حاضر بلا جذور، ولا مستقبل بلا حاضر، (فليس كل قديم ينبذ، ولا كل جديد يؤخذ).والفكر القومي مبني على ثنائية؛ هي ثنائية الحاضر والماضي، التراث والحداثة.

ففي التراث القديم من الفكر المستنير ما يعطي امتداداً زمنياً للأمة العربية وقوميتها، ولا يؤخرها عن اللحوق بركب الحداثة.فالماضي فكر دافع للتحرر والتقدم، وفي الحداثة تقنية، واقتصاد؛ يتكاملان في تمكين الحاضر، وازدهار المستقبل للقومية.

إن ماضي الأمة العربية يحتوي على عناصر من السهل تحويلها لحساب نظريات في العصر الحديث؛ فاللغة العربية ليست مجرد لسان لغوي فحسب، بل هي حالة ثقافية واجتماعية.

إن الاعتزاز الشديد قد يقترب من الاستعلاء، وقد يوصل إلى العنصرية أحياناً.

ولسنا مع الذين أوصلهم الاعتزاز الشديد باللغة العربية، إلى الاستعلاء الذي اقترب فيه، بل وتجاوز حدود العنصرية، متأثراً بالبيئة التي عاش فيها؛ لأن التعصب ليس مقتصراً على اللغة العربية وحدها؛ بل هو موجود في نظريات اللغات والقوميات؛ فمعظم اللغات التي قامت على عناصر ثقافية تعتز بموضوع اللغة.
فالمتعصبون للغة لا يمثلون العرب، وأقوالهم تندرج ضن النص البلاغي أكثر منه حقيقة واقعية وعلمية، فكل القوميات التي تجعل من اللغة عنصراً مهماً في تحديد الهوية القومية تعتز بلغاتها.

إذن: فهناك فرق بين الاعتزاز والتعصب، حيث إن الاعتزاز باللغة أمر مفروغ منه، بل ومطلوب، لكن عندما يكاد يماس العنصرية والاستعلاء على الآخرين، سنتوقف، ويتم رفض العنصرية.

فقول أحدهم: (اللغة العربية أفضل من أي لغة أخرى)، لا ينبغي أن يكون لقوله هذا بعد عرقي وعنصري، كما حصل لبعض اللغات الأوروبية في القرن التاسع عشر.

القومية العربية لم تقم ـ في أساسها ـ على نظرية عرقية، بل هي قومية ثقافية المنشأ، لبست أثواباً سياسية حسب المناطق التي ظهرت فيها، آخذة بعين الاعتبار وجود قوميات إثنية، تعيش معها وبينها، كمثل القومية الأمازيغية، والقومية الكردية.
والفكر القومي العربي، وإن تبنى بعض أعلامه فكرة اللغة العربية على أنها الأفضل، وأسس آخرون منهم لفكرة العرق العربي، فهذا ربما كان بسبب تأثير الفكر القومي الأوربي، والفكر العرقي الأوروبي في القرن التاسع عشر.

فالاعتزاز باللغة العربية لا يصل - علمياً - إلى درجة التعصب العرقي، فـ(ابن جني) على سبيل المثال، كان يركز على حكمة العرب، رغم أن أصوله ليست عربية؛ فالانتماء للعروبة لم يكن انتماء عرقياً، بل كان انتماء ثقافياً، وهذا ما وجدناه عند (ساطع الحصري) في العصر الحاضر.

النشأة السياسية للقومية العربية:

في لحظة تاريخية تحولت القومية الثقافية العربية من كونها قومية ثقافية إلى قومية سياسية، وهذه النقطة المفصلية كانت ذات صلة (ردة فعل) بحركة التتريك التي نشأت مع أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، والتي اشتغلت ـ بعنف ـ على تتريك العثمانيين أولاً، ثم إجبار العرب على التتريك.

ولا حاجة للدخول في سجال هذه النشأة إن كانت ردة فعل، أم كانت بفعل السياق العام في الطرح السياسي لتلك الفترة خارج الإمبراطورية العثمانية وداخلها.

وبلغة المقاربات، نقول: إن حركة التتريك كانت مساعدة في بلورة الهوية القومية العربية في القرن التاسع عشر.

يقول الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري:"في قراءة لواقع الأمة العربية لا يمكن إغفال دور العوامل الخارجية للأزمة التي تعيشها.ويتمثل هذا الدور في الهجمة الثقافية الغربية التي تهدف إلى هدم الثقافة العربية، وتفكيكها؛ ليتسنى لها بعد ذلك الهيمنة على وجودنا ومستقبلنا؛ لأن تفكيك الهوية الوطنية والعربية يؤدي إلى ضعف الدولة وشل مؤسساتها؛ فتكون عاجزة أمام التشرذم الداخلي من جهة، والأطماع الخارجية من جهة أخرى، وأكبر دليل على هذا هو ما سمي -زوراً وبهتاناً- بـ (الربيع العربي).

يتجه الغرب عموماً والولايات المتحدة بوجه خاص إلى تعزيز هوياتهم، والحث على قيم الولاء والانتماء للوطن والأمة، ولكنهم في المقابل لم يسمحوا للشعوب الأخرى بتنمية هوياتها وثقافتها الوطنية والقومية، بل نجدهم يشجعون على نمو الهويات الجزئية داخل الشعوب ذات الهوية الكبرى الموحدة"(ص56).

إن هوية الأمة لا يمكن أن تتحقق إلا بتنمية ثقافة عربية تعزز، وتنمي روح الحب والولاء للأمة.

تأتي أهمية الانتماء للوطن والأمة لكون كل هذه النماذج لا يمكن تحقيقها إلا في بقعة جغرافية من الأرض؛ أرض الآباء والأجداد.فالشعور بالانتماء للأمة والولاء لها يُعد أمراً جوهرياً لحل التناقضات الفكرية التي قد تمزق وعي الشباب، أو تكرس فيهم اليأس من المستقبل وعدم الثقة بالذات.
يُعد الولاء وسيلة لتجميع قدرات الفرد وطاقاته بدلاً من تشتيتها وبدلاً من الحياة بلا غاية نسعى إلى تحقيقها، ويقدم الولاء للفرد حسماً للتناقضات التي تسيطر على تفكيره حين يعيش بلا قضية وبلا رؤية واضحة ترسم له معالم المستقبل.يُعد الانتماء والولاء للوطن أكثر نماذج الولاء قداسة.

وتأتي أهمية الانتماء للوطن والأمة لكون كل هذه النماذج لا يمكن تحقيقها إلا في بقعة جغرافية من الأرض؛ أرض الآباء والأجداد.فالشعور بالانتماء للأمة والولاء لها يُعد أمراً جوهرياً لحل التناقضات الفكرية التي قد تمزق وعي الشباب، أو تكرس فيهم اليأس من المستقبل وعدم الثقة بالذات.

الثقافة الوطنية والعربية

تقوم الدولة الوطنية أو القومية على أسس ومكونات فكرية وروحية تمدها بالحياة؛ فتأتي الدولة تجسيداً وتحقيقاً لهوية ثقافية واضحة المعالم تسعى إلى تنميتها.ولكي تستمر الدولة وتزداد قوتها؛ لا بد أن تسعى إلى تنمية ثقافة ترتبط بالهوية المكونة للدولة والأمة.كما لا بد أن تسعى الدولة إلى غرس القيم الثقافية الوطنية والقومية التي تشكل الروابط المشتركة والموحدة لأبناء الأمة.

إن أول التشريعات التي تحدد فيها الدولة الحديثة شخصيتها وهوية أمتها هو (الدستور) ثم تأتي بقية التشريعات في التعليم، والإعلام، والثقافة... إلخ، والتي يتم عبرها تحقيق الفلسفة (الرؤية) العامة للدولة، ويتم عبرها تنمية الهوية الثقافية للدولة أو الأمة.

إن ثاني أهم التشريعات التي تتضمن تحديد هوية الدولة والأمة، وتسعى لتفعيلها هي: تشريعات التربية والتعليم (فلسفة التربية والتعليم) فهي الوسيلة الأولى لتحقيق الفلسفة العامة للدولة والأمة:

ويُعد التعليم أول حق من حقوق الانسان، وهو القاعدة الصلبة التي تبني عليها الأمم مشروعاتها، وتحقق - من خلاله ـ مستقبلها الذي تنشده.

ويتم فيه تحقيق أهداف متعددة تنمية مكونات الهوية الثقافية الوطنية والعربية، وغرس القيم الدينية والخلقية، وتقديم أرقى المستويات العلمية والمعرفية.فالتعليم يؤدي دوراً هاماً في التنشئة الاجتماعية والسياسية؛ لأنه ـ أي: التعليم - عملية تخضع للتوجيه من جانب الجماعة، ولأن المجتمع يحرص على تربية أبنائه؛ ليصبحوا مواطنين عاملين فيه؛ وفقاً للأهداف العامة والكبرى.

إقرأ أيضا: اللغة والهوية.. ركيزتان في معركة الوجود القومي وبناء الدولة الحديثة.. كتاب جديد

التعليقات (0)

خبر عاجل