مناضل وحقوقي مغربي يهودي مناهض للصهيونية، كنت تراه باستمرار متوشحا كوفية
فلسطينية وحاملا العلم الفلسطيني بالمسيرات التضامنية مع فلسطين.
يعرف عن نفسه بأنه "مغربي عربي أمازيغي من الطائفة اليهودية"، معتبرا أن معاداة الصهيونية هي "موقف سياسي". رافضا أي خلط بين "معاداة السامية" وبين مناهضة الصهيونية.
من أبرز مناضلي اليسار الماركسي
المغربي، وكان من مؤسسي "منظمة 23 مارس"، وهي منظمة ماركسية لينينية متشددة.
قضى خلال مسيرته النضالية أكثر من 12 عاما كسجين سياسي في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين.
وفي حين يصف نفسه بأنه ملحد، إلا أنه يبقى خاضعا للشريعة اليهودية، بحسب قوله.
ولد سيون أسيدون في عام 1948 بمدينة آسفي المدينة المغربية الساحلية لعائلة يهودية مغربية أمازيغية من الطبقة المتوسطة، ثم انتقلت عائلته لمدينة أغادير بالقرب من سفح جبال الأطلس، ولاحقا انتقلت العائلة إلى الدار البيضاء (كازبلانكا)، بعد الزلزال الذي ضرب أغادير.
هاجر سيون رفقة عائلته إلى فرنسا وتابع دراسته في مجال الرياضيات في جامعة باريس عام 1965، حيث تشبع بالفكر اليساري، قبل أن يقرر العودة إلى المغرب في نهاية عام 1968 قبل إتمام دراسته العليا، وقرر مواصلة دراسته بكلية العلوم بجامعة محمد الخامس بالرباط، وموازاة مع ذلك كان يعمل أستاذا للرياضيات لضمان مصاريف عائلته.
أسس في عام 1986 شركة "معلوميات"، وهو متزوج من سيدة فلسطينية أمريكية لديه منها ابن يدعى ميلال. وسبق له أن تزوج من فتاة فرنسية، تعرف عليها أثناء دراستهما في باريس، ورزق بطفلة، واختار الانفصال عن زوجته بسبب الاعتقال، وعاشت الطفلة مع والدتها في فرنسا.
أسيدون هو منسق وقيادي في حركة "مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات" التي تعرف عالميا بـ"BDS"، وهو عضو مؤسس لـ"ترانسبارانسي المغرب" في 2005 والتي تهدف إلى مواجهة الوضعية المقلقة للرشوة ونقص الشفافية والأخلاق والحاكمة الجيدة. وهو أيضا عضو في السكرتارية الوطنية لـ"الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع".
أمضى 12 عاما من حياته في السجن بين عامي 1972 و1984، بعدما أدين بـ"تقويض أمن الدولة" إبان حكم الملك الحسن الثاني مع العشرات من المعارضين الآخرين.
وخلال فترة اعتقاله أتم دراسته فحصل على شهادة البكالوريوس في الرياضيات، كما حصل على إجازة أخرى في الاقتصاد. غادر أسوار السجن في إطار عفو عام أصدره الملك الحسن الثاني.
ذكر سيون أسيدون في مقال كتبه أنه "لم يولد مناهضا للصهيونية"، مشيرا إلى أنه نشأ في عائلة مغربية يهودية، وبأنه بعد سنوات خرج "اضطرارا من قالب النظرة المكتسبة ومن الإحساس المبتذل للتضامن الطائفي". كما يقول.
ويقدرعدد اليهود حاليا في المغرب بنحو ثلاثة آلاف شخص، ويبقى الأكبر في العالم العربي والإسلامي.
لا يعتبر أسيدون اليهودي الوحيد المناهض للصهيونية بالمغرب، رافقه أبراهام السرفاتي، الذي يعتبر من المؤسسين البارزين لليسار المغربي. وكذلك إدمون عمران المالح، الأديب والمناضل المغربي، واختار البقاء في المغرب في الوقت الذي كانت فيه الحركة الصهيونية تنشط لكي تشجع اليهود على الهجرة لفلسطين، ورافقهم، شمعون ليفي، وجيرمان عياش.
يرجع أسيدون التحول في حياته وأفكاره من مناصر لـ"الإيديولوجية الطائفية"، إلى مناهض للصهيونية، إلى عاملين كان لهما "الفضل" في هذا "التحول الكبير"، كان الأول هو ماركس وأفكاره الشيوعية، ما جعله يقتنع أن الصهيونية ليست حلا للمسألة اليهودية، بل "أسوأ إجابة حولها". بحسب قوله.
أما العامل الثاني فكان حينما انتقل إلى المغرب في عام 1967 حين أسهم نضاله ضمن اليسار المغربي بشكل كبير في فهمه لمعاناة الفلسطينيين. وذكر أسيدون أن "اليسار الجديد في المغرب، كما في باقي العالم العربي، هو مولود نكسة 1967، وقد شكلت القضية الفلسطينية جزءا لا يتجزأ من نضال هذا اليسار.
ويرى أسيدون، الشغوف بالتاريخ ويدير شركة في مدينة المحمدية الواقعة على ساحل المحيط الأطلسي بين الرباط والدار البيضاء، أن "معاداة السامية هي، قبل كل شيء، شكل من أشكال الخوف من اليهود خاص بالفضاء الأوروبي والمرتبط بالكنيسة الكاثوليكية منذ عدة قرون".
مذكرا أنه في المغرب كما في دول إسلامية أخرى "يستفيد اليهود من صفة "أهل الكتاب وهو ما يؤمن لهم حماية توفرها الشريعة".
ويحمل المشروع الصهيوني الاستعماري مسؤولية الأفكار "المعادية للسامية" التي تنتشر حاليا بسبب "نظريات مؤامرة مصدرها أوروبا في القرن التاسع عشر، يحفزها إفلات إسرائيل التام من العقاب". كما يقول.
يعرف أسيدون بحضوره المتواصل في الفعاليات والمظاهرات الشعبية التضامنية مع فلسطين والمنددة بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وكان آخرها الاعتصام الشعبي أمام القنصلية الأمريكية بالدار البيضاء، والمسيرة المتجهة نحو ميناء طنجة، احتجاجا على رسو سفن تحمل معدات عسكرية موجهة إلى دولة الاحتلال.
يعتبر أسيدون نفسه محظوظا لرفض والده فكرة الهجرة إلى فلسطين واختياره العيش بالمغرب بدلا من ذلك. ويذهب أبعد من ذلك حين يعتبر حركة المقاومة الإسلامية (حماس) جزءا من الثورة والمقاومة الفلسطينية، نظرا لقيامها بواجبها من أجل تحرير وطنها.
وحين سؤال ذات يوم، كيف استقبلت السابع من تشرين الأول/ أكتوبر؟ رد قائلا :"بفرحة كبيرة. أظنه سيبقى حدثا يدرس في الكليات العسكرية، لأنه جمع البطولة والشجاعة، واستطاع أن يعيد للقضية حضورها".
توفي سيون أسيدون في مدينة الدار البيضاء عن (77عاما) بعد دخوله في غيبوبة دامت نحو 3 أشهر إثر العثور عليه في حالة إغماء بمنزله، وبعد انتشار أنباء تشكك في سبب وفاته فتحت النيابة العامة في الدار البيضاء تحقيقا أوليا يرجح فرضية سقوطه من السلم أثناء قيامه بتشذيب حديقته. وأكد البيان أن النيابة العامة ستتخذ القرار القانوني المناسب بعد انتهاء الأبحاث.
شيع بجنازة مهيبة تليق بتاريخه ومواقفه الشجاعة وسط هتافات وشعارات أطلقها مشيعوه قائلين فيها "أسيدون ارتاح ارتاح، سنواصل الكفاح" و"أسيدون أسيدون.. مناهض للصهيون".
ترك أسيدون إرثا وسمعة طيبة، وكان نموذجا للالتزام النضالي من أجل العدالة للفلسطينيين والحرية وحقوق الإنسان لكل إنسان. وكما قال رفاقه "غيابه الأخير كان لحظة لتأمل الوفاء للإنسانية".
رحل وكان مؤمنا بأن "هذا الاستعمار والمجتمع الفاشي لا يمكن أن يستمرا".
كان يحلم أن يمضي ما تبقى من عمره في كتابة مذكراته وكان يقول "أحلم أن يكون لدي وقت لكتابتها"...لكنه لم يكتبها وستكبتها الأجيال القادمة له وعنه.