في مشهد يعكس تصاعد
التوترات الخفية بين
الجزائر والإمارات، برز اسم السفير
الإماراتي لدى الجزائر، يوسف سعيد الخميس ساع
آل علي، كمحور أزمة صامتة يتردد صداها في أروقة القرار الجزائري.
صحيفة "الخبر" الجزائرية وفي
تقرير مطول، تحدثت عن تحركات "غير دبلوماسية" وتصريحات مثيرة للجدل
وزيارات إقليمية خارج نطاق التمثيل الرسمي، حولت الرجل إلى ما يشبه "الضابط
الظل"، الذي يشغل دور مبعوث خاص لشؤون تتعدى طبيعة مهامه.
فمن هو هذا السفير الذي بات يُلقب في كواليس
الجزائر بـ"سفير الفوضى"؟ ولماذا تحوّل إلى عنوان لفتور متزايد في
العلاقات بين أبوظبي والجزائر؟
تحركات مريبة في منطقة شديدة الحساسية
في حين يفترض أن السفير الإماراتي غادر
الجزائر منذ أشهر لـ"أسباب صحية"، كشفت تقارير جزائرية، أبرزها من صحيفة
الخبر، أنه ظهر مؤخرًا ضمن وفد إماراتي زار مالي والنيجر وبوركينا فاسو. وهي دول
تعيش علاقات متوترة مع الجزائر منذ انقلاباتها العسكرية، وانفتاحها على محاور
جديدة تضم روسيا وتركيا والإمارات.
بالنسبة لمصادر جزائرية عليا، فإن هذه
التحركات تمثل تجاوزًا خطيرًا للأعراف الدبلوماسية، بل توصف بأنها جزء من
"دور استخباراتي مموه"، يهدف لتثبيت النفوذ الإماراتي في فضاء تعتبره
الجزائر عمقًا استراتيجيًا لأمنها القومي.
وذكرت صحيفة "الخبر"، أن
"السفير يتحرك كضابط أكثر منه دبلوماسي، ينسق مع أجهزة خارجية، ويحاول فرض
أجندة إماراتية في الساحل من بوابة الجزائر".
خلفية الأزمة.. الصحراء والساحل المشتعل
العلاقات بين الجزائر والإمارات بدأت
بالتآكل منذ أن دعمت أبوظبي علنًا موقف المغرب من قضية الصحراء، وهو ما تعتبره
الجزائر مساسًا مباشرا بمصالحها الحيوية. لكن الخلاف اتخذ منحى تصاعديًا مع تحركات
إماراتية متزايدة في منطقة الساحل، خصوصًا دعمها لسلطات انقلابيّة تربطها علاقات
فاترة مع الجزائر.
وتنظر الجزائر بعين الريبة إلى ما تعتبره
"زحفًا إماراتيًا ناعمًا" نحو إفريقيا، يهدد توازن القوى في المنطقة،
ويكرس حضورًا غير مرحب به في فضاء استراتيجي حساس.
"سكاي
نيوز".. النار الإعلامية على الزيت السياسي
لم تقتصر الاستفزازات ـ بحسب الجزائر ـ على
الجانب السياسي، بل امتدت إلى الإعلام، بعد استضافة قناة "سكاي نيوز
عربية" (المملوكة لأبوظبي) للأكاديمي الجزائري محمد لمين بلغيث، للحديث عن
"أزمة الهوية في الجزائر"، في توقيت حساس.
اللقاء اعتُبر بمثابة رسالة إعلامية مسيّسة،
هدفت إلى تحريك المياه الراكدة في الجبهة الداخلية، وُضعت ضمن سياق "تشويش
ممنهج على مؤسسات الدولة الجزائرية".
السفير "غير مرحب به".. لكن بلا
قرار رسمي
منذ سبتمبر 2024، لم يُسجَّل أي نشاط رسمي
للسفير الإماراتي في الجزائر. لم تُصدر الخارجية الجزائرية قرار طرد صريح، لكن
المؤشرات قوية على أنه بات "شخصًا غير مرغوب فيه".
تقارير جزائرية، وفق "الخبر"،
تؤكد أن الرجل تسبب في "80% من أسباب توتر العلاقات الثنائية"، وأنه
يقدم تقارير خاطئة لبلاده، ويتصرف كصاحب أجندة خاصة أكثر من كونه ممثلًا
دبلوماسيًا.
مقاربة جزائرية.. الساحل ليس ساحة مفتوحة
في خضم هذا التوتر، أكد الفريق أول السعيد
شنقريحة، قائد أركان الجيش الجزائري، خلال ملتقى وطني حول الساحل الإفريقي، أن
الجزائر "لا يمكن أن تتسامح مع محاولات فرض أجندات خارجية في عمقها الإفريقي".
وتقول الجزائر، بحسب تصريح د. مولود ولد
الصديق لـ"الخبر"، إن الساحل الإفريقي ليس مجرد جبهة أمنية، بل امتداد
وجودي للأمن القومي، وأي تدخل خارجي غير منسق يمثل تهديدًا مباشرًا لاستقرار
الجزائر والمنطقة.
وأضاف: "الجزائر باتت تنتقل من كونها
فاعلًا أمنيًا إلى مهندس استقرار، يقدم بدائل تنموية مقابل المقاربات العسكرية
الفاشلة".
تحذير من محاولات "عزل الجزائر"
الخطاب السياسي والعسكري الجزائري حمل
مؤخرًا نبرة تحذيرية، تشير إلى إدراك رسمي لمحاولات تطويق أو تحجيم الدور الجزائري
في إفريقيا. ورأى المحلل رشيد علوش، في حديث لـ"عربي21"، أن
"الجزائر لن تقبل بأن تكون ضيفًا على طاولة الساحل، بل شريكًا محوريًا في رسم
معالم مستقبل المنطقة".
وشدد على أن "أي تهميش للجزائر أو
استيراد حلول أمنية من قوى أجنبية هدفه التشويش على دورها، سيُواجه برد محسوب،
لكنه حازم".
هل نحن أمام أزمة مفتوحة؟
ما بدأ بتحركات السفير الإماراتي، تحوّل إلى
أزمة دبلوماسية كامنة تهدد بزعزعة توازن العلاقات بين بلدين كان يُفترض أنهما
حليفان في معركة الاستقرار الإقليمي.
الإمارات، الطامحة لدور محوري في إفريقيا،
تجد نفسها أمام حائط سيادي جزائري لا يُقبل تجاوزه. والجزائر، رغم تحفظها
التقليدي، تبدو أقرب من أي وقت مضى إلى اتخاذ خطوة تصعيدية إن لم تُراجع أبوظبي
أداء ممثلها الدبلوماسي وتحركاتها السياسية في جوارها الإفريقي.