ملفات وتقارير

كيف تنظر الدول العربية إلى صراع الجارتين النوويتين؟

العمالة الهندية والباكستانية تتواجد بأعداد كبيرة في الدول الخليجية - الأناضول
يتواصل القصف المتبادل بين الهند وباكستان على امتداد معظم خط وقف إطلاق النار في إقليم كشمير، وذلك في أعقاب تنفيذ الجيش الهندي ضربات استهدفت تسعة مواقع داخل الأراضي الباكستانية.

وقد أثارت هذه التطورات قلقًا دوليًا متزايدًا، إذ أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن "قلقه العميق" إزاء الضربات الجوية الهندية، محذرًا من أن العالم "لا يستطيع تحمّل مواجهة عسكرية" بين القوتين النوويتين.

وفي السياق ذاته، كشف مسؤول حكومي هندي رفيع أن نيودلهي أطلعت عددًا من العواصم الدولية على تفاصيل العملية العسكرية، من بينها واشنطن، وأبو ظبي، ولندن، والرياض، وموسكو، في محاولة لشرح خلفيات الضربات وتبريرها.

في المقابل، تتواصل التحذيرات من خطر انزلاق النزاع إلى مواجهة أوسع، في ظل هشاشة الأوضاع الأمنية وتاريخ المواجهات المتكررة بين الجارتين النوويتين.

علاقة الخليج الاستثنائية مع الجارتين النوويتين
تحظى كل من الهند وباكستان بعلاقات استراتيجية راسخة مع الدول العربية، لا سيما مع دول مجلس التعاون الخليجي، إذ تمثل جاليتهم أكبر شريحتين من القوى العاملة الوافدة في المنطقة.

وتعد العمالة الهندية والباكستانية ركيزة أساسية في الاقتصادات الخليجية، حيث تحظى العمالة الهندية بقبول واسع نظرًا لانخفاض تكاليفها مقارنة بغيرها، ما جعلها الأكبر عددًا بين الجاليات الأجنبية في دول المجلس.


وبحسب تقرير الهجرة العالمية لعام 2024 الصادر عن المنظمة الدولية للهجرة، استنادًا إلى بيانات البنك الدولي، فإن الهند باتت أول دولة في العالم تتجاوز تحويلاتها المالية الواردة حاجز 100 مليار دولار سنويًا، معظمها من المغتربين العاملين في الخارج، خصوصًا في الخليج، ما يعزز عمق العلاقات الاقتصادية بين الجانبين.

وأشار تقرير نشره موقع "ذا هندو" إلى أن الاعتماد على العمالة الأجنبية في دول الخليج مرشح للاستمرار، خصوصًا في الوظائف منخفضة المهارة، ما لم تُنفذ مشاريع أتمتة واسعة النطاق.

ووفقًا للمركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي لعام 2023، يُقدّر عدد العمال الهنود في دول المجلس بنحو تسعة ملايين شخص، يتمركز معظمهم في السعودية والإمارات، ويشكلون نسبة كبيرة من إجمالي العمالة الوافدة في المنطقة.

ويُقدّر عدد الباكستانيين المقيمين في دول الخليج العربي بأكثر من 4.7 مليون شخص، ما يجعل هذه المنطقة الوجهة الأولى للعمالة الباكستانية في الخارج. تُشكّل هذه الجالية نسبة كبيرة من إجمالي الباكستانيين المغتربين حول العالم، والبالغ عددهم نحو 9 ملايين شخص. 

وتكشف الأرقام عن وجود أكثر من 13.8 مليون عامل أجنبي في دول الخليج، يمثلون نحو 69.3% من إجمالي القوى العاملة البالغ عددها 20 مليونًا، في حين يبلغ عدد سكان دول المجلس الست نحو 53 مليون نسمة.


الدول العربية "محايدة"
وفي ضوء التصعيد بين الدولتين النوويتين٬ دعت عدة دول عربية، كلاً من الهند وباكستان إلى وقف التصعيد العسكري بينهما، والاحتكام إلى الحوار كوسيلة لحل الأزمة عبر القنوات الدبلوماسية.

وجاءت هذه الدعوات في بيانات رسمية صادرة عن وزارات الخارجية، أعربت خلالها عن قلقها من تصاعد التوتر بين الجانبين، وحثت على ضرورة ضبط النفس وتجنب الانزلاق نحو مزيد من المواجهة.

السعودية 
السعودية التي تعد موطنا لأكبر عدد من العمالة الهنود والباكستانيين، خارج أراضيهم٬ أعربت في بيان لها في 30 نيسان/إبريل الماضي٬ عن "قلقها بشأن التوتر المتصاعد بين كل من جمهورية الهند وجمهورية باكستان الإسلامية".

ودعت المملكة البلدين إلى "خفض التوتر وتجنب التصعيد وحل الخلافات بالطرق الدبلوماسية، واحترام مبادئ حسن الجوار، والعمل على تحقيق الاستقرار والسلام لما فيه خير شعبيهما وشعوب المنطقة". 

الإمارات
وفي الإمارات، التي تحتل المرتبة الثانية عربيًا من حيث عدد العمالة الهندية والباكستانية، دعا وزير الخارجية، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، كلاً من الهند وباكستان إلى التحلي بأقصى درجات ضبط النفس وتفادي التصعيد، محذرًا من أن استمرار التوتر قد يهدد الأمن والسلم على المستويين الإقليمي والدولي.

وأكد ابن زايد أهمية الإنصات للأصوات الداعية إلى الحوار والتفاهم، باعتبارها ضرورة ملحّة لتفادي اندلاع مواجهات عسكرية، وتعزيز الاستقرار في منطقة جنوب آسيا، وتخفيف التوترات التي قد تنعكس سلبًا على الأمن الإقليمي.

وشدد على أن الدبلوماسية والحوار يشكلان السبيل الأمثل لمعالجة الخلافات، والوصول إلى حلول سلمية تسهم في تلبية تطلعات شعوب المنطقة نحو الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة.


الكويت
من جانبها، أعربت دولة الكويت عن قلقها البالغ إزاء التصعيد المتواصل بين الهند وباكستان، مؤكدة متابعتها المستمرة لتطورات الأوضاع بين البلدين.

ودعت الخارجية الكويتية في بيان رسمي، الطرفين إلى التحلي بضبط النفس وتغليب لغة الحوار واللجوء إلى المسارات الدبلوماسية والوسائل السلمية لتسوية الخلافات، بما يفضي إلى حلول شاملة ومستدامة تسهم في ترسيخ الأمن والاستقرار وتعزيز السلام في المنطقة.

قطر
أعربت دولة قطر عن قلقها البالغ إزاء استمرار التصعيد بين الهند وباكستان، داعية البلدين إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وتغليب صوت الحكمة، واحترام مبادئ حسن الجوار، وحل الخلافات عبر القنوات الدبلوماسية.

وشددت وزارة الخارجية القطرية، في بيان رسمي، على أهمية إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة بين الجانبين لنزع فتيل التوتر، ومعالجة القضايا العالقة من خلال حوار بنّاء يفضي إلى حلول توافقية شاملة ومستدامة.

وفي السياق ذاته، أجرى رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، اتصالين هاتفيين مع رئيس وزراء باكستان محمد شهباز شريف، ووزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار، بحث خلالهما آخر تطورات الأزمة، مؤكداً دعم بلاده الكامل لجميع المساعي الإقليمية والدولية الهادفة إلى حل الخلافات بين البلدين عبر الوسائل السلمية والحوار.


سلطنة عُمان
أعربت سلطنة عُمان عن قلقها البالغ إزاء التصعيد العسكري الراهن بين الهند وباكستان، داعية البلدين الجارين إلى احتواء هذا التصعيد الخطير، وتهيئة المناخ الملائم للجهود الدبلوماسية الرامية إلى تحقيق التفاهم وتغليب الحلول السياسية.

وشددت السلطنة، في بيان صادر عن وزارة خارجيتها، على أهمية الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، والعمل من أجل تحقيق السلام والتعايش السلمي والوئام بين شعوب جنوب آسيا.

الجزائر
أعربت الجزائر عن بالغ أسفها وقلقها العميق إزاء الاشتباكات الدامية بين الهند وباكستان، مؤكدة في بيان رسمي على ضرورة التحلي بضبط النفس وتغليب المسار السياسي والدبلوماسي على اللجوء إلى القوة.

وأوضحت الجزائر أن دعوتها هذه جاءت في سياق المناقشات التي جرت داخل مجلس الأمن الدولي، وكذلك خلال الاتصالات الهاتفية التي أجراها وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف، مع نظيريه الهندي سوبرامانيام جايشانكار والباكستاني محمد إسحاق دار.

وجددت الجزائر دعوتها بقدر أكبر من الإلحاح، مشيرة إلى أن الاشتباكات العنيفة التي اندلعت مساء الثلاثاء بين الجانبين تنذر بعواقب خطيرة على السلم والأمن في المنطقة بأسرها.

وشددت الجزائر على أن الأولوية القصوى في هذه المرحلة تقتضي دفع الطرفين إلى ضبط النفس، والهدوء، والتحلي بروح المسؤولية، بما يتيح استئناف الحوار كسبيل وحيد لتجنيب الهند وباكستان وشعبيهما تبعات الصراع وآثاره الوخيمة.


مصر 
أعربت وزارة الخارجية المصرية عن بالغ قلقها إزاء التصعيد الراهن بين جمهورية الهند وجمهورية باكستان، في أعقاب تبادل القصف الذي وقع يوم أمس وأسفر عن سقوط عدد من الضحايا والمصابين.
وأكدت الوزارة في بيان رسمي أهمية تكثيف الجهود والمساعي الهادفة إلى التهدئة، واحتواء الأزمة لمنع انزلاق المنطقة نحو مزيد من التصعيد والتوتر.

ودعت مصر كلا الجانبين إلى التحلي بأقصى درجات ضبط النفس، وإعلاء لغة الحوار عبر القنوات الدبلوماسية، مشددة على ضرورة اللجوء إلى الحلول السلمية بما يلبّي تطلعات وآمال الشعبين الصديقين في الأمن والاستقرار.

شهباز يغرد بالتركي
بخلاف المواقف العربية كان الموقف التركي مختلفا مع باكستان٬ حيث أعرب رئيس الوزراء الباكستاني، شهباز شريف، عن شكره العميق للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على دعم أنقرة المتواصل لإسلام أباد، وذلك في منشور نشره عبر منصة "إكس" الخميس، تطرق فيه إلى تفاصيل الاتصال الهاتفي الذي جمعه بأردوغان.

وأشار شريف إلى أن باكستان تُعرب عن امتنانها الكبير لتركيا على مواقفها الداعمة، مثمنًا مشاعر التضامن ودعوات الشعب التركي للضحايا الباكستانيين الذين فقدوا حياتهم خلال التصعيد العسكري الأخير مع الهند.

وقال رئيس الوزراء الباكستاني: "تحدثت مع أخي العزيز، الرئيس رجب طيب أردوغان، وشكرته على ما أبداه من تضامن ودعم لبلادنا في هذه المرحلة الحرجة"، مضيفًا أنه أطلع الرئيس التركي على آخر المستجدات الميدانية والتطورات العسكرية على الأرض.

وأكد شريف أن بلاده تُقدّر الجهود التركية الساعية لخفض التوتر وتعزيز السلام في جنوب آسيا.

من جهتها، أوضحت دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، في بيان صدر أمس الأربعاء، أن الرئيس أردوغان أكد خلال الاتصال الهاتفي مع شريف استعداد تركيا لبذل كل ما بوسعها لمنع تفاقم التصعيد بين باكستان والهند، ومواصلة جهودها الدبلوماسية لمعالجة الأزمة.


وجدد الرئيس التركي تضامن بلاده مع باكستان، معربًا عن تعازيه للضحايا الذين سقطوا في الهجوم، متمنيًا الشفاء العاجل للمصابين، ومؤكدًا دعم أنقرة لنهج باكستان "الهادئ والمتزن".

وأشار أردوغان إلى أن دعوة إسلام أباد لإجراء تحقيق دولي شفاف ومحايد وموثوق في الهجوم الإرهابي الذي وقع في جامو وكشمير، تُعد خطوة صائبة وفي محلها.

وفي الثلاثاء الماضي٬ أعلن الجيش الهندي عن إطلاق عملية عسكرية استهدفت ما وصفها بـ"أهداف إرهابية" داخل الأراضي الباكستانية، بما في ذلك مناطق في إقليم "آزاد كشمير" الخاضع لإدارة إسلام آباد ويتمتع بحكم ذاتي.

وأوضح الجيش الهندي أن الضربات طالت تسعة مواقع قال إنها "بُنى تحتية تابعة لجماعات إرهابية"، في حين أكدت الحكومة الباكستانية أن القصف استهدف ستة مواقع مدنية، ما أسفر عن مقتل 31 شخصًا وإصابة 57 آخرين.

ويأتي هذا التصعيد في سياق توتر متزايد بين البلدين، عقب الهجوم المسلح الذي وقع في 22 نيسان/أبريل الماضي، واستهدف مجموعة من السياح في بلدة باهالغام الواقعة في إقليم "جامو وكشمير" الخاضع للإدارة الهندية، وأسفر عن مقتل 26 شخصًا وإصابة آخرين.