سياسة عربية

هل ينشئ العراق مصفاة نفط في طرابلس اللبنانية؟.. وما جدواها؟

لا يربط العراق بلبنان حدود مباشرة - جيتي
أثار النائب العراقي المعارض للحكومة، مصطفى سند، جدلا في الأوساط العراقية، بعد حديثه عن توجيه رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، لإنشاء مصفاة نفط في مدينة طرابلس اللبنانية المطلة على البحر الأبيض المتوسط، الأمر الذي نفته جهات حكومية.

وتواصلت "عربي21" مع خبراء نفط عراقيين، والذين تباينت آراؤهم حول جدوى خطوة الحكومة، خصوصا أنها تتعلق ببلد غير نفطي ولا تربطه مع العراق أي حدود مباشرة، والتي تأتي بعد أيام من زيارة وفد لبناني رفيع إلى بغداد ضم وزير الطاقة جو صدي.

"دعم اللبنانيين"

ونشر النائب سند على حسابه في "فيسبوك" الأربعاء، وثائق من وزارة النفط العراقية، تتحدث دعم وإسناد شعب لبنان، وذلك بإنشاء مصفاة نفط في طرابلس، بطاقة إنتاج 70 ألف برميل يوميا، يتم تغذيتها عن طريق ناقلات النفط أو الحوضيات، لحين إنشاء أنبوب مقترح.

الأنبوب النفطي المقترح وطاقته 1 مليون برميل يوميا، يمتد من البصرة جنوب العراق إلى حديثة غربا، باتجاه بانياس السوري، ومنه إلى حمص ثم طرابلس لتغذية المصفاة الجديدة، حسب الوثيقة الرسمية التي نشرها النائب العراقي وتاريخها 27 نيسان/ أبريل الماضي.

وقبل نشر سند الوثائق واكتفائه بالحديث عن الموضوع، رد مستشار رئيس الوزراء العراقي، فادي الشمري، عبر منصة "أكس" الاثنين، ووصف ما يُتداول من أخبار حوّل نية "بناء مصفاة عراقية" خارج البلاد بأنه يثير الاستغراب، ويأتي سياق الروايات المختلقة بطريقة "هوليودية".

وأضاف الشمري أن إنشاء المصافي أو أي مشاريع كبرى في خارج البلاد ليس قرارا سهلا قابلا للتنفيذ ويتم تجاهل أن مثّل هكذا مشاريع استراتيجية هي من صلاحيات مجلس الوزراء وتخضع لدراسات معمّقة من الوزارات المختصة والتي قد تمتد لسنوات.



ولفت مستشار السوداني إلى أن "الاستثمار في مصافٍ خارجية أو مشاريع البتروكيمياويات وغيرها هو استثمار اقتصادي سياديّ تلجأ إليه دول كبرى بناءً على دراسات جدوى دقيقة تستحضر فيه الكلف وآليات التسويق والقرب من دول الاستهلاك وغيرها من الأمور الفنيّة".

وحاولت "عربي21" الحصول على تعليق رسمي من لجنة النفط والطاقة في البرلمان العراقي، وذلك بالاتصال المتكرر على العديد من أعضائها، لكنها لم تفلح في ذلك.

"حبر على وقع"

تعليقا على ذلك، قال الخبير النفطي العراقي، حمزة الجواهري لـ"عربي21" إن "الموضوع لم يطرأ على مسامعي من قبل، وأن طرحه أمر مستغرب"، متسائلا في الوقت ذاته عن أسباب عدم تشييده في العراق، لأنه "لا يوجد خط نفط يذهب إلى طرابلس".

وأوضح الجواهري أن "إنشاء مصفاة في طرابلس، يعني العراق سينقل نفط إلى هناك، بالتالي يجب دراسة مثل هذه الخطوة، وقد تكون لها جدوى اقتصادية، لأن مثل هذه المسائل تبحث في التفاصيل".

وأشار إلى "وجود تجارب استثمارية خارجية في قطاع النفط بمختلف دول العالم، لكن ثمة أسواق يمكن أن تنح فيها مثل هذه المشاريع، مثلا الصين، لأن هناك يوجد سوق له".

واستدرك الجواهري قائلا: "لكن أين سوق المشتقات النفطية في لبنان، لأن إنشاء مصفاة تعني إنتاج مشتقات، وليس مثلما يتصور البعض أنه خط تصدير نفط خام مثل الواصل إلى ميناء جيهان التركي وبانياس السوري لتصديره عبر البحر الأبيض المتوسط".

وشدد الخبير النفطي على "ضرورة أن تجرى دراسة جدوى للمشروع، لأنه لا يوجد أنبوب نفطي واصل إلى لبنان، ولا توجد سوق للمشتقات النفطية، ولا البيئة آمنة هناك، أو ثمة اتفاقية دولية موقعة مسبقا بين البلدين مسجلة في الأمم المتحدة لإنشاء مصفاة نفط في طرابلس".

واستبعد الجواهري أن "يرى النور مصفاة طرابلس حاله كحال خط أنبوب البصرة- ألعقبة الأردني، وكذلك أنبوب كركوك- بانياس السوري، لأن عندما يتم إنشاء مصفاة لابد من وجود نفط هناك، خصوصا مع بلد مثل لبنان، لا تربطه بالعراق حدود مباشرة".

ونوه الخبير إلى "زيارة وفد وزاري لبناني إلى بغداد قبل أيام، وكان من بينهم وزير الطاقة والمياه (جو صدي)، وبالتالي ربما يكون قد طرح موضوع مصفاة طرابلس من باب المجاملة للضيف الزائر، وبالتالي يصبح الأمر كله عبارة عن حبر على ورق".



ويأتي الحديث عن إنشاء مصفاة في طرابلس اللبنانية، بالتزامن مع توجه العراق لإعادة تأهيل خط أنبوب كركوك- بانياس، لنقل النفط عبر الأراضي السورية إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط، وهذا ما حمله رئيس المخابرات، حميد الشطري، إلى السلطات السورية الأسبوع الماضي.

"مشروع استثماري"

وفي المقابل، رأى الخبير الاقتصادي العراقي، صلاح العبيدي لـ"عربي21" أن "العراق يفكر في إيجاد أكثر من منفذ لصادراته النفطية، حتى لا يُحصر في الزاوية إذا حدثت مشكلة، كالتي حصلت لأنبوب النفط الواصل إلى ميناء جيهان التركي، وتوقف منذ آذار 2023".

وفيما يتعلق بمصفاة طرابلس، قال العبيدي إن "الأمر له بعدين، الأول طرح في سياق مساعدات للبنانيين من نفط البصرة، كما يحصل مع الأردن عبر بيع النفط بأسعار تفضيلية، لذلك أثير الجدل حول هذا الموضوع، والثاني من يُطرح من جانب استثماري".

وأوضح الخبير الاقتصادي أن "المشروع إذا كان استثماريا، على غرار المزارع الكثيرة التي يمتلكها العراق في تايلند منذ عهد النظام العراقي السابق، فالأمر مشروع وطبيعي جدا، لأن الكثير من البلدان لديها مشاريع خارج نطاقها الجغرافي وتعود عليها بمنافع اقتصادية كبيرة".

وأشار العبيدي إلى أن "طرابلس لديها ميناء حيوي ومطل على البحر الأبيض المتوسط، وتربطنا علاقات تاريخية مع لبنان، بالتالي إذا قارناه بالمنفذ السوري (بانياس) ربما يكون الأول واقعه أفضل على اعتبار أن الأخير ينقصه العامل الأمني غير المتوفر حاليا".



وأكد الخبير أن "تنفيذ مشروع مصفاة طرابلس يقف على ما تفرزه الانتخابات البرلمانية المقبلة، لأن الحكومة الحالية بحكم المنتهية مع دخول البلد ضمن دائرة السباق الانتخابي، بالتالي الكثير من القضايا تثيرها المعارضة ضد رئيس الوزراء الحالي الذي يشارك في الانتخابات أيضا".

 ولفت إلى أن "الحكومة الجديدة وسياستها سيتكون لها حساباتها، فإذا كانت قد تشكلت من كفاءات وجر تقديم مصلحة العراق، فإنه قد تمضي في تنفيذ هذا المشروع الاستثماري (مصفاة طرابلس)".

وأردف: "إذا جاءت حكومة تحمل عقلية تفكر بالطريقة نفسها التي أدير بها البلد مدة 20 عاما، فإن الكثير من المشاريع الاقتصادية لن ترى النور، لأنهم حولوا البلد إلى بقرة حلوب ببيع النفط وأخذ الإيرادات بدون تفكير اقتصادي واستراتيجية ورؤية اقتصادية".