سياسة عربية

27 قتيلا إثر استهداف الجيش المالي لمجموعة من الطوارق.. تصعيد جديد في الساحل

إحدى المركبات المستهدفة وإلى جانبها عدد من القتلى من الطوارق- جبهة تحرير أزواد
اتهمت "جبهة تحرير أزواد" المطالبة بانفصال إقليم أزواد عن الحكومة المالية المركزية في باماكو، الجيش المالي وقوات فاغنر الروسية بقتل 27 شخصا إثر استهداف سيارات تقل مدنيين كانوا في طريقهم من مدينة غاو شمال مالي إلى الجزائر.

وقالت الجبهة في بيان أرسلت نسخة منه لـ"عربي21" إن الجيش المالي مدعوما بقوات فاغنر الروسية، شن أمس الاثنين هجوما على سيارات "ما تسبب في مقتل 27 مدنيا بينهم نساء وأطفال".

وأشار البيان إلى أن إحدى السيارات دمرت واشتعلت النيران فيها، فيما نجحت سيارة أخرى في الفرار وعلى متنها قتلى.

وقالت الجبهة إنه تم أيضا قتل أربعة أشخاص، الأحد، في منطقة "أسلاغ" التابعة لكيدال بشمال مالي، على يد من وصفتهم بـ"نفس العصابة الإرهابية؛ الجيش المالي وفاغنر"، كما تم ذبح مئات الحيوانات، قبل نهب كافة المحلات التجارية، وإشعال النيران في المنازل في المنطقة.

واتهمت الجبهة جيش مالي ومجموعة فاغنر بارتكاب "جرائم تطهير عرقي ممنهج، ولا حدود له" ودعت المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان إلى "إدانة هذه الانتهاكات المروعة التي ارتكبتها العصابة الحاكمة في باماكو دون عقاب".

تصعيد جديد في الساحل
ويرى المحلل السياسي المتابع للشأن الأفريقي، الهيبة الشيخ سيداتي، أن الهجوم الذي استهدف سيارات تقل مجموعة من الطوارق، يعكس حجم التوتر في المنطقة، مضيفا أن منطقة الساحل الأفريقي باتت منطقة صراع واستقطاب إقليمي ودولي.

ولفت الشيخ سيداتي في تصريح لـ"عربي21" إلى أن الحركات المسلحة "الأزواد"، سترد بقوة على الهجوم، ما يعني المزيد من التوتر والتصعيد في منطقة الساحل الأفريقي التي تعيش حالة من عدم الاستقرار، خصوصا في مالي.

وأشار إلى أن روسيا تعمل بقوة من أجل ترسيخ حضورها في مالي "من خلال دعم الجيش المالي بالعتاد العسكري، ومشاركة قوات فاغنر في المعارك التي يخوضها جيش باماكو".

تطورات الأشهر الأخيرة
وخلال الأشهر الأخيرة احتدمت المعارك في إقليم أزواد بالشمال المالي، بين الحركات الأزوادية (الطوارق) والجيش المالي مدعوما بقوات فاغنر، وسط مخاوف من تأثير هذه المواجهات على عدد من دول المنطقة خصوصا موريتانيا والجزائر اللتين تجري المواجهات قرب حدودهما.

ودارت المواجهة خلال أيار/ مايو الماضي بشكل خاص في منطقة تينزاواتين الواقعة على بعد 233 كلم شمال شرق كيدال على الحدود مع الجزائر، وأسفرت عن مقتل العشرات من المقاتلين الطوارق ومن الجيش المالي.

وقد أثارت الهجمات التي شنها الجيش المالي مدعوما بفاغنر، ضد المسلحين الأزواديين قرب الحدود مع الجزائر استياء السلطات الجزائرية.

وخلال شهر كانون الثاني/ يناير الماضي تصاعدت حدة الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وجارتها مالي، عقب تصريحات لوزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، قال فيها إن بلاده "لن تقبل بتحويل حركات سياسية أطرافها موقعة على اتفاق الجزائر إلى عصابات إرهابية" في إشارة إلى الجماعات الأزوادية، المطالبة بالانفصال عن مالي.

وحينها ردت وزارة الخارجية المالية، في بيان شديد اللهجة، مطالبة الحكومة الجزائرية بالتوقف عن "التدخل في الشؤون الداخلية لمالي، وإنه ليس مطلوبا من الجزائر تقديم الدروس في مكافحة الإرهاب، فمالي تتبنى استراتيجيتها الخاصة التي تتماشى مع احتياجاتها الوطنية".

وكان المجلس العسكري الحاكم في مالي أنهى العام الماضي اتفاق السلام الذي تم التوقيع عليه بوساطة جزائرية في عام 2015 بين الحكومة المالية والحركات الأزوادية "الطوارق".

وبررت باماكو حينها إنهاء العمل بالاتفاق بسبب "عدم التزام الموقعين الآخرين بتعهداتهم" وما قالت إنها "أعمال عدائية تقوم بها الجزائر" الوسيط الرئيسي في الاتفاق.

وكان الاتفاق ينص على جملة من القضايا بينها دمج المتمردين السابقين في الجيش المالي، فضلا عن توفير قدر أكبر من الحكم الذاتي لمناطق الشمال المالي.

ووضع اتفاق الجزائر حدا لمعارك اشتعلت في 2012، إثر إعلان الحركات الأزوادية الاستقلال والانفصال عن مالي، بعد مشاركتها في معارك ضد الجيش الحكومي.

نزوح نحو موريتانيا
وتسببت المواجهة المستمرة بين الحركات الأزوادية والجيش المالي، على مدى الأشهر الأخيرة، في موجة نزوح من شمال مالي نحو موريتانيا التي تستضيف حاليا آلاف اللاجئين الماليين.

ومنذ 2012، يتدفق اللاجئون الماليون إلى موريتانيا بسبب الصراع العسكري متعدد الأطراف في مالي، فيما عرفت الأشهر الأخيرة تضاعف أعداد اللاجئين، حيث بلغ عددهم أكثر من 300 ألف لاجئ يعيش غالبيتهم في مخيم "إمبره" بولاية الحوض الشرقي، شرق موريتانيا.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي قال وزير الداخلية الموريتاني محمد أحمد ولد محمد الأمين، إن منطقة الساحل الأفريقي باتت "تشكل إحدى أخطر بؤر الأزمات التي تختزل معظم مظاهر التهديدات العالمية".

وأشار إلى أن بلدان الساحل "تعاني من أزمة حاكمة وهشاشةٍ ونزاعاتٍ مسلحة، وتمدد الإرهاب والجريمة المنظمة، وما ينجُم عنه من تدفّق للمهاجرين واللاجئين وتدميرٍ للبُنى الاقتصادية".

وإقليم أزواد الذي يطالب الطوارق بانفصاله عن مالي هو منطقة في شمال دولة مالي محاذية للحدود مع موريتانيا، ويضم عدة مدن أبرزها مدينة تمبكتو التاريخية، بالإضافة إلى مدينتي كيدال وغاو.

ويتكون سكان الإقليم من عرقيات الطوارق (هم غالبية السكان) والعرب والفلان والسونغاي. وتبلغ مساحة الإقليم 822 ألف كلم مربع أو ما يقارب الـ66 بالمئة من مساحة مالي الكلية البالغة مليونا و240 ألف كلم مربع.

وشكل الأزواديون سنة 1988 أول جبهة سياسية ذات نشاط عسكري عُرفت باسم "الحركة الشعبية لتحرير أزواد" إذ قادت تمردا عسكريا ضد باماكو سنة 1990، لكنها عانت بعد فترة قصيرة من أزمة داخلية انتهت بتفككها، وتحولها إلى عدة تشكيلات كان من أبرزها "الجبهة الشعبية لتحرير أزواد" و"الجيش الثوري لتحرير أزواد".

ومنذ استقلال مالي عن فرنسا 1960 يطالب سكان هذا الإقليم بالانفصال عن الجنوب المالي. وفي سبيل ذلك دخل الانفصاليون الطوارق منذ تسعينيات القرن الماضي في مواجهة دامية مع الجيش المالي، واستطاعوا في كثير من الأحيان السيطرة على بعض المناطق.