أفرجت السلطات
السعودية خلال الأيام والأسابيع الماضية عن عشرات
المعتقلين، بعضهم من الشخصيات المعروفة في وسائل التواصل الاجتماعي.
وأفرجت السلطات عن العديد من المعتقلين بعد انتهاء محكومياتهم، إلا أن قسما آخر من المفرج عنهم، كانت قد صدرت ضدهم أحكام قاسية بالسجن تتجاوز الثلاثين عاما، بيد أن القضاء أعاد تخفيض المدة بهدف إطلاق سراحهم.
وبرز خلال موجة الإفراجات هذه عدد من مشاهير "سناب شات" بينهم محمد الفوزان "أبو نورة"، ورفيقه بجاد الهارف، إضافة إلى الناشط ورجل الأعمال منصور الرقيبة.
هؤلاء الثلاثة إضافة إلى مجموعة من المشاهير المفرج عنهم على غرار الناشط عبد العزيز
العودة، والشاب محمد الجديعي "جدوع"، والباحث والمؤلف عبد الله الشهري، والناشطة سلمى الشهاب، جميعهم التزموا الصمت، ولم يصدر عنهم أي تعليق منذ الإفراج عنهم.
ولا يعد عدم الظهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي للمفرج عنهم حديثا في السعودية أمرا غريبا، إذ يتجه الغالبية للبقاء بعيدا عن المشهد، وهو ما تفسره منظمات حقوقية، بأنه إفراج مشروط من قبل السلطات، يتم من خلاله تهديد المعتقل بإعادته إلى السجن في حال معاودة نشاطاته.
وسبق هذه الحملة من الإفراجات، إطلاق السلطات السعودية سراح الحقوقيين البارزين محمد القحطاني، وعيسى النخيفي، بعد قضائهما سنوات طويلة في السجن، وهما أيضا التزما الصمت منذ الإفراج عنهما، حالهما حال الخبير الاقتصادي حمزة السالم وآخرين.
عدم وضوح.. وضغوطاتأمين عام "حزب التجمع الوطني" المعارض عبد الله العودة، نجل الداعية المعتقل
سلمان العودة، قال إن ما تشهده السعودية من إفراجات متتالية أمر جيد ومرحب فيه.
وأضاف في حديث لـ"عربي21" أنه لا يوجد تصور واضح حول ما إن كانت هذه الإفراجات بداية لإغلاق ملف المعتقلين، أم لا. لكنه نوه إلى أن هذه الإفراجات جاءت "بعد سنوات طويلة من الضغط والعمل المكثف في هذا الملف، لدرجة أنه أصبح على رأس أولويات العمل الإعلامي الغربي والعربي".
وقال العودة لـ"عربي21" إن الملف الحقوقي في السعودية تحدث عنه المشرعون الدوليون، ومبعوثو الأمم المتحدة، وهو ما جعل من هذا الملف وتحديدا الاعتقالات التعسفية أمرا "مرهقا" بالنسبة للحكومة السعودية.
ولم يستبعد عبد الله العودة أن يكون ما جرى في سوريا من إسقاط نظام بشار الأسد "المستبد" علاقة في الإفراجات المتتالية عن المعتقلين في السعودية، مضيفا أن "مشاهد انكسار قيود الأسر بفعل ثورة شعبية، هو سيناريو يخيف المستبدين".
وأضاف: "
محمد بن سلمان أراد أن يخفف من عملية الضغط، وأيضا اختار أن يبدو وكأن هذه الإفراجات ليست استجابة لضغط إعلامي أو شعبي، ولكن في كل الأحوال نحن غير معنيين بكيف تريد الحكومة أن تظهر هذه الإفراجات، ونرحب بها ونعتقد أنها خطوة في الاتجاه الصحيح".
وتابع: "نأمل أن تشمل حملة الإفراجات كافة معتقلي الرأي والضمير، وكافة المعتقلين تعسفيا في البلاد".
وتوقع العودة بالفعل أن تشمل هذه الإفراجات في المستقبل شخصيات متنوعة، لكن دون معرفة ما إن كان هناك توجه رسمي بالفعل لإغلاق هذا الملف بالكامل أم لا.
وتابع: "أعتقد أن الطريقة الوحيدة لإغلاق ملف معتقلي الرأي بالكامل. هو وجود آليات وضمانات تكفل حرية الرأي والتعبير، وحرية الصحافة، وحرية تشكيل الجمعيات، والحريات العامة".
الرسالة وصلت
الناشط والمعارض عبد الله الجريوي، أكد على عدم وجود معلومات دقيقة حول أسباب حملة الإفراجات، لكنه ربطها بالرسالة التي أراد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إيصالها للمواطنين من الاعتقالات التي تضاعفت بعد وصوله إلى منصبه في 2017.
الجريوي الذي يشغل منصب مسؤول وحدة الرصد في منظمة "القسط" الحقوقية بالعاصمة البريطانية لندن، قال إن الفترة التي سبقت وصول ابن سلمان إلى ولاية العهد، كان المواطن السعودي يتمتع بمساحة من الحرية، ويبدي رأيه في قضايا سياسية واجتماعية.
وتابع بأن الاعتقالات التي طالت شخصيات بارزة ودعاة وكتاب وغيرهم، ولّدت خوفا غير مسبوق لدى المواطنين، جعلهم يلتزمون الصمت.
وعلق لـ"عربي21": "إذا كان هدف الاعتقالات هو إرهاب الشعب، فالرسالة قد وصلت، فالناس الآن أصبحت تخشى من التعبير حتى في القضايا الاجتماعية"، منوها إلى أن نسبة من المفرج عنهم يخرجون في حالة صحية ونفسية سيئة للغاية.
وقال إنه قابل أحد المفرج عنهم بعد اعتقاله بسبب تغريدات ترحّم فيها على الحقوقي البارز عبد الله الحامد، وأخبره بأنه لن يعود إلى كتابة أي شيء قد يعرضه للسجن.
وأضاف الجريوي أنه بسبب الاعتقالات التي طالت كافة فئات المجتمع، لم يعد المواطن يعي ما هي الخطوط الحمر التي لا يمكنه تجاوزها.
خطوة قبل المونديال
تطرق الجريوي إلى اختيار السعودية لتنظيم مونديال كأس العالم 2034، وبدء المملكة منذ العام الماضي بالترويج لملفها، والذي تطلب منها فتح قنوات تواصل مع جهات دولية عديدة.
وقال الجريوي إنه لا يوجد ضغط استثنائي على السعودية في ملف المعتقلين، لكن هذا الملف دائما ما يتردد صداه في محافل عالمية، وهو ما قد يدفع السلطات إلى حلحلة ملف المعتقلين.
وبحسب الجريوي فإن أمرا آخر قد يدفع السلطات لتخفيف أعداد المعتقلين، وهو العبء الكبير الذي يشكله وجود آلاف المعتقلين في السجون.
وأوضح أن كلفة المعتقل في السعودية باهظة، وأعداد المعتقلين فاقت القدرات الاستيعابية للسجون.
"إفراجات وإعدامات"اللافت في خطوة السلطات السعودية بالإفراج عن عدد كبير من المعتقلين، هو أنها تأتي بالتزامن مع استمرار تنفيذ أحكام الإعدام الآخذة بالتزايد خلال العامين الماضيين.
الكاتب والحقوقي السعودي عادل السعيد، قال إن هذه الإفراجات المتتالية تبعث ببصيص أمل للعائلات التي لديها أقارب في السجون السياسية، خاصة أن بعض المفرج عنهم كان يقضي أحكامًا تتجاوز العشرين عامًا.
وتابع "لكن في المقابل، تستمر السعودية في تنفيذ الإعدامات ذات الطابع السياسي بوتيرة متصاعدة، إلى جانب مواصلة سياسة تكميم الأفواه".
وأضاف في حديث لـ"عربي21" حول مآلات الإفراجات المتتالية وما إن كان هدفها تبييض السجون: "يصعب الجزم بمسار السعودية، خاصة في ظل تبنيها سياسة الغموض وعدم الإفصاح عن نواياها".
وقال السعيد إن ما يجري فتح بابا واسعا للتساؤلات، لا يمكن لأحد الإجابة عليه بشكل يقيني، ومن أبرز تلك التساؤلات: "هل هناك دفعات أخرى من المعتقلين السياسيين سيشملها الإفراج؟ ولماذا تم الإفراج عن هؤلاء تحديدًا؟ وهل جاء الإفراج في إطار عفو شامل، أم نتيجة لتعديلات في الأحكام القضائية؟ والأهم هل نحن أمام تحول حقيقي في نهج السعودية تجاه المعتقلين السياسيين، أم إن هذه الإفراجات مجرد خطوة محسوبة دون تغيير جذري في سياسات القمع والاعتقال؟".
وكانت تقارير حقوقية تحدثت عن أن السعودية أعدمت 330 شخصا في 2024، في أعلى حصيلة منذ عقود، رغم وعود ولي عهد السعودية محمد بن سلمان بإلغاء الإعدام عام 2022، باستثناء القصاص.