قضايا وآراء

لماذا يدافع السيسي كثيرا عن نفسه؟

"كان مسلسل الاختيار دليلا قويا على أن السيسي مصرّ على إعادة حكاية التاريخ بسرديته التي تبرئه من انقلابه العسكري"- عربي21
منذ استلام السيسي حكم مصر، في حزيران/ يونيو عام 2014، حول السُلطة السياسية، تدريجيا، إلى سلطوية شمولية تتحكم في كل ما يخص حياة المصريين، أفعالهم وأقوالهم، وحتى تمثلاتهم المظهرية، أي الجسدية في الفضاءات العامة والافتراضية. هذا تجلّى في أحاديثه الدائمة، كما في تقنين التشريعات وفرض الضرائب وغير ذلك من ممارسات سُلطوية.

لكن السيسي أيضا، لم يصبح حاكما شموليا فحسب، بل حوّل السياسة كلّها، وإداراتها، متمثلة في شخصه فقط. أي شخصَن السُلطوية، حسب وصف الباحثة إريكا فرانتز، فتدَرّج من كونه رئيسا يحاول استرضاء الشعب المصري بالوعود، كما كان يفعل، إلى كونه زعيما لا يأبه بآراء الجماهير، حتى وصل به الحال إلى حكمة الأنبياء، "ففهمناها سليمان"، كما قال وكرر أكثر من مرّة.

السيسي أيضا، لم يصبح حاكما شموليا فحسب، بل حوّل السياسة كلّها، وإداراتها، متمثلة في شخصه فقط. أي شخصَن السُلطوية، حسب وصف الباحثة إريكا فرانتز، فتدَرّج من كونه رئيسا يحاول استرضاء الشعب المصري بالوعود، كما كان يفعل، إلى كونه زعيما لا يأبه بآراء الجماهير

هذه الشخصنة تمثّلت، بشكل جاد، في خصومته مع المعارضين الذي كان التقى بهم بشكل شخصي، أو حتى دارت أحاديث عامة على لسانهم حول شخصه، حينما كان رئيسا للمخابرات أو وزيرا للدفاع قبل أن يصبح رئيسا للجمهورية. مثلا، لا ينسى السيسي حين كان وزيرا للدفاع لقاءاته مع مسؤولي الإخوان المسلمين، أبرزهم القيادي خيرت الشاطر. إذ جسد السيسي لقاءه معه دراميا في أحد مشاهد مسلسل الاختيار، الجزء الثالث، الذي ظهر فيه السيسي بنفسه (الممثل المصري ياسر جلال).

بطبيعة الحال، كان المسلسل بإخراج وإشراف السيسي نفسه، تحديدا في المشاهد التي ظهر فيها، ومنها مشهد المُشادّة الكلامية بينه وبين خيرت الشاطر، حين قال له الأول إن جيش مصر مستعد لحمايتها من أي إرهاب داخلي أو خارجي.

حين شارف المُسلسل على الانتهاء، اجتمع السيسي في حفل إفطار الأسرة المصرية، في أيار/ مايو عام 2022، وتحدّث عن الواقعة الحقيقية التي صوّرها المُسلسل، وحكى كيف هدده الشاطر بتدمير مصر، وكيف دافع السيسي عنها، كما رأينا في المسلسل. هنا يحكي السيسي من طرفه فحسب، إذ الطرف الآخر مغيّب في سجونه منذ تموز/ يوليو 2013. هذا أيضا ما حدث مع السياسي حازم صلاح أبو إسماعيل، إذ هو، وبشكل صريح وعلني، قد حذّر القوى السياسية وعلى رأسها الإخوان المُسلمين، من السيسي، بل ووصفه بـ"الممثل العاطفي"، حين كان وزيرا للدفاع، وقال إنّه يستجلب الناس ليعوّلوا على انقلاب الجيش، فلم ينس له السيسي حديثه، وكان أول المعتقلين بعد الانقلاب.

كما انتقم السيسي بشكل مباشر من السياسيين المصريين عصام سُلطان وعبد المنعم أبو الفتوح، إذ تحدَّث الأول عن السيسي بعد انقلابه، قائلا: "الآن عندنا قائد للانقلاب العسكري، وقائد للثورة المضادة، اسمه عبد الفتاح السيسي"، أما الثاني، فقد نوى الترشّح للرئاسة، وأجرى حوارا تلفزيونيا على قناة الجزيرة، وتحدث عن فشل السيسي في إدارة مصر، على كافة المستويات، فضلا عن انتقاده للقمع الأمني وتجفيف السياسة، هذا قبل عودته من لندن واعتقالِه فور وصوله مصر، والحكم عليه بعد ذلك بالسجن لمدة 15 عاما.


يعاني الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من عقدة الذنب، ليس بمعناها الأخلاقي، لكن بمعناها النفسي، ما يجعله دائما يردد تبريراته عن نفسه والمسارات التي سلكها، كنوع من ميكانيزم دفاع، يحاول من خلاله تكرار ما يُمليه هو على نفسه، لأنه لم يسأله أحد ولم يُطالَب بالدفاع عن نفسه! حتى يصل إلى مرحلة الإنكار أو إلى أن يُصدّق نفسه حول أن كل ما ارتكبه من بشائِع في حق المصريين، كانت من أجل إنقاذ مصر وشعبها

السمة الأُخرى من طبائع حكم السيسي الشخصَانية هي الدفاع "الذاتي"، وهي سمة نفسية بامتياز، إذ لم يفوت السيسي عاما، منذ حكمه، إلَّا وكرر أكثر من مرة أنّه بريء من كل جرائم قمعه الموثَّقة، سواء القتل الجماعي، أو الاعتقال، أو الإخفاء القسري والتعذيب وغير ذلك من انتهاكات بحق المصريين. مؤخرا، وفي أقل من شهر، تحدث السيسي مرّتين أن يده غير "متعاصة بالدماء"، وأنّه لم يأخذ أموالا من أحد، وأن الله هو من سيحاسبه على فترة حكمه لمصر. هذا بالإضافة إلى أن معظم خطابات السيسي يعود بها إلى الماضي، فينتقد ثورة يناير، وأهل الشر، ويمجّد ذاته، بما أنها أنقذت مصر من الضياع والإرهاب وغير ذلك من مؤامرات يؤلّفها ويُكررها.

كان مسلسل الاختيار دليلا قويا على أن السيسي مصرّ على إعادة حكاية التاريخ بسرديته التي تبرئه من انقلابه العسكري، ومن جرائمه بحق الشعب المصري، وفشله في إدارة البلاد سياسيا واقتصاديا وأمنيا. إذ حاولت الأجزاء الثلاثة من المسلسل، لا سيما الجزء الثالث، بث سردية الاستثناء التي عاشتها البلاد بعد ثورة 25 يناير (2011)، وصولا إلى ذروتها ما بعد تموز/ يوليو 2013، وكيف حاربت الدولة، ومُنقذها، أهل الإرهاب والشرّ متمثلين في جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم من الجماعات، لا سيما تنظيم الدولة في سيناء.

يعاني الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من عقدة الذنب، ليس بمعناها الأخلاقي، لكن بمعناها النفسي، ما يجعله دائما يردد تبريراته عن نفسه والمسارات التي سلكها، كنوع من ميكانيزم دفاع، يحاول من خلاله تكرار ما يُمليه هو على نفسه، لأنه لم يسأله أحد ولم يُطالَب بالدفاع عن نفسه! حتى يصل إلى مرحلة الإنكار أو إلى أن يُصدّق نفسه حول أن كل ما ارتكبه من بشائِع في حق المصريين، كانت من أجل إنقاذ مصر وشعبها، ويؤكد على أن الله مُطّلع على نواياه وأعماله، وهو، وحده ولا شريك له، من سيحاسبه يوم القيامة. أما المصريون فليس لهم سوى السمع والطاعة، لأنه العارف بأمور البلاد والعباد، وأنه اختيار ربَّاني.