ملفات وتقارير

ما أسباب الصمت المصري على ممارسات الاحتلال بمحور "صلاح الدين"؟

بدء إنشاء مواقع عسكرية من الإسمنت المسلح في محور "فيلادلفيا"- الأناضول
منذ سيطرة قوات الاحتلال الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من "معبر رفح البري"، واحتلالها محور صلاح الدين أو "محور فيلادلفيا"، في أيار/ مايو الماضي، تزايدت مخاوف المصريين من أن يقوم الاحتلال بخطوات أخطر لتغيير الواقع على الأرض إلى ما قبل انسحابه من غزة عام 2005، وتثبيت وجوده بالمخالفة للاتفاقيات المبرمة، خاصة مع رفضه لأي تفاهمات مطروحة، وإفساده المفاوضات الجارية برعاية أمريكية مصرية قطرية.

وفي الاثنين الماضي، أعلنت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، عن بدء إنشاء مواقع عسكرية من الإسمنت المسلح في محور "فيلادلفيا"، الواقع في المنطقة الفاصلة بين قطاع غزة ومصر، مؤكدة أنه سيتم تزويد المرافق التي يتم تشييدها في المحور بالكهرباء والإنترنت، وذلك في خطوة نحو تثبيت وجود الاحتلال الإسرائيلي بشكل دائم في المحور، وفق عدد من المراقبين.

وفرض جيش الاحتلال الإسرائيلي ما وصف بـ"سيطرة عملياتية" على المحور الاستراتيجي والشريط الحدودي الذي لا يتجاوز عرضه مئات الأمتار، ويمتد بطول 14.5 كيلومتر من البحر المتوسط حتى معبر كرم أبو سالم على الأراضي الفلسطينية، بين شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة، ما تسبّب في أزمة سياسية بين الجانبين، قد تكون للمرة الأولى في عهد رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي (2014- 2030).

ومنذ طوفان الأقصى 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يشن الاحتلال الإسرائيلي حرب إبادة دموية على قطاع غزة، خلفت أكثر من 144 ألف شهيد وجريح فلسطيني، فيما أصبح المحور مسار خلاف بين مصر والاحتلال، خاصة مع إعلان رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مرارا، عن رغبته في السيطرة على "فيلادلفيا"، والحفاظ على وجود عسكري بالمنطقة الحدودية.

وقال نتنياهو بتاريخ 2 أيلول/ سبتمبر الماضي، إن "المحور هو شريان الحياة لحركة المقاومة الفلسطينية". التي تطالب هي ومصر، بالانسحاب الكامل لجيش الاحتلال الإسرائيلي قبل عقد أي اتفاق لوقف الحرب، وهو التوجه الذي أعلنت دعمه عدد من الدول العربية، بينها: السعودية والإمارات، وأيضا تركيا، في 3 أيلول/ سبتمبر الماضي.

إلى ذلك، لم يستجب نتنياهو لتلك المطالبات، لأغراض سياسية، وهو ما كشف عنه في آب/ أغسطس الماضي، أحد قادة ألوية الاحتياط بجيش الاحتلال، يتسحاك بريك، لـ"القناة الثانية" العبرية، بقوله إن "نتنياهو يخرّب المفاوضات عندما يتمسك بفكرة البقاء عسكريا في المحور".

ومنذ أيار/ مايو الماضي، تشهد العلاقات بين مصر ودولة الاحتلال الإسرائيلي توترا متصاعدا، فإلى جانب أزمة محور فيلادلفيا، جاء مقتل جندي مصري بعد تبادل إطلاق نار مع قوة إسرائيلية عند الشريط الحدودي بمنطقة رفح.

ووفقا لمراقبين فإن مصر لم تتخذ أيا من الأوراق السياسية والدبلوماسية التي تملكها للضغط على الاحتلال الإسرائيلي، مثل تخفيض عدد البعثة المصرية في تل أبيب، أو سحب السفير المصري، أو إيقاف أي تعاون يتعلق بمعبر رفح.

"محور الصراع"
محور فيلادلفيا، أو صلاح الدين، وفق اتفاقية المعابر لعام 2005، كملحق لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، بين القاهرة وتل أبيب، يعد منطقة عازلة لا يُسمح في جانبيها الشرقي الفلسطيني والغربي المصري إلا بمرور دوريات للحراسة ومنع التهريب والتسلل عبر الحدود والكشف عن الأنفاق.

ونفى مصدر مصري رفيع المستوى لقناة "القاهرة الإخبارية"، 29 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، صحة ما تداولته وسائل الإعلام العبرية حول موافقة مصر على بقاء الاحتلال الإسرائيلي في المحور، مشددا على تمسك مصر بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من معبر رفح ومحور فيلادلفيا.

كذلك، كشفت صحف ومواقع عبرية أن اللقاءات المخابراتية المصرية الإسرائيلية لم تنجح في حل الأزمة. بينها موقع "واللا" العبري، الذي كشف بأن حضور رئيس الشاباك رونين بار، إلى القاهرة، 13 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ولقاء رئيس المخابرات المصري المقال بعدها بثلاثة أيام، عباس كامل، بشأن التعامل مع حركة حماس، والقضايا الخلافية بعد استيلاء دولة الاحتلال الإسرائيلي على معبر رفح وممر فيلادلفيا، لم يحقق أي نتائج، مبرزا أن: "الجانبين لم يتوصلا لأي اختراقات في تلك الملفات".

إثر ذلك، فإن رئيس النظام المصري، كان قد اقترح بتاريخ 27 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وقفا لإطلاق النار لمدة يومين، وتبادل 4 رهائن مع أسرى بالسجون الإسرائيلية، وخلال 10 أيام يجري التفاوض على استكمال الإجراءات بالقطاع، وصولا لإيقاف كامل لإطلاق النار، وإدخال المساعدات، وهي المبادرة التي لم تلق قبول حكومة نتنياهو.

وفي 31 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، التقى رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وليام بيرنز، في القاهرة، السيسي، ورئيس مخابراته الجديد، حسن رشاد والمعين في 16 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، لبحث ملفات الحرب وقطاع غزة وبينها أزمة المحور الاستراتيجي، لينشر الإعلام العبري، بعدها بأيام، خبر الإنشاءات الإسرائيلية في "فيلادلفيا".

جيش الاحتلال الإسرائيلي وفقا لخططه الجديدة؛ قرّر توسيع منطقة محور فيلادلفيا، على حساب أراضي الفلسطينيين في أحياء "السلام"، و"البرازيل"، و"يبني الزعاربة"، و"تل السلطان"، بمدينة رفح الحدودية مع مصر، ليصبح المحور بعرض نحو 2 كيلومتر، مع القيام بإنشاءات خرسانية ترسم علامات استمراره بالمنطقة، مستقبلا، بحسب مراقبين.

واستعان جيش الاحتلال الإسرائيلي، بشركات مدنية إسرائيلية لتنفيذ خططه، التي كان قد بدأها 26 آب/ أغسطس الماضي، برصف وتحديث الطريق من شاطئ رفح على البحر المتوسط حتى معبر كرم أبوسالم، ما تبعه مؤخرا إنشاء مجموعة من أبراج مراقبة خرسانية على طول الحدود بين سيناء وقطاع غزة.

"الخطأ المنهجي"
وفي إجابته على التساؤل: هل دفع صمت مصر على انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، تل أبيب للتحول من مجرد فرض السيطرة العسكرية المؤقتة على محور "فيلادلفيا" إلى محاولة تغيير الواقع وتثبيت الوجود، ومخالفة الاتفاقيات، ورفض التفاهمات وإفساد المفاوضات؟، قال السياسي المصري، عمرو عادل، إن "الخطأ المنهجي أننا نفترض أن النظام المصري يعادي الكيان الصهيوني".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري، المعارض، أن "الحقيقة أنهم شركاء استراتيجيون في حصار فلسطين، وتدمير المقاومة التي يتفق الطرفان على خطورتها، على وجودهما، سواء النظام المصري أو الكيان".

وأضاف: "نتفق أن بقاء النظام المصري، والأردني، والكثير من الأنظمة العربية الآن؛ مرتبط ببقاء الكيان الصهيوني، وربما نتفق أيضا أن اتفاقية (كامب ديفيد 1978) اللعينة كان هدفها حماية الكيان، وتأمين منطقة عازلة له عن أكبر تجمع معاد وهو الشعب المصري".

وأكد أنه "إذا لم تحقق الإجراءات الغرض من تأمين الكيان فلتتغير، والطرفان الكيان الصهيوني والنظام، هدفهما واحد؛ فلا مانع من تغيير الإجراءات لتحقيق الهدف".

وخلص عادل، للقول إن: "الحديث عن الأمن القومي لمصر وشعبها يصبح أشبه بالكوميديا السوداء، في ظل النظام الحاكم الحالي، الذي أصبح وسيلة لتآكل مصر من أطرافها وليس فقط الحدود الشرقية".

"أربعة اعتبارات"
وفي قراءته لتحرك الاحتلال الإسرائيلي الجديد في "فيلادلفيا"، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عصام عبد الشافي: "الحديث عن إعادة التغيير في وضع محور فيلادلفيا مرتبط بما تمتلكه إسرائيل الآن من امتحان استراتيجي مع النظام القائم في مصر".

مدير "المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية"، أكّد في حديثه لـ"عربي21"، أنه "هو الذي سمح لها بأن تعبث بالاتفاقيات الثنائية، سواء معاهدة السلام 1979 أو اتفاقية المعابر 2005".

وأضاف: "بالتالي؛ فإن الحديث الآن عن تموضع إسرائيل بمحور فيلادلفيا أو صلاح الدين، والحديث أيضا عن إعادة تغيير هيكلية المكان، يرتبط بعدة اعتبارات، أولها ما حققته إسرائيل من وجهة نظرها من نجاح عسكري خلال الفترة الممتدة من طوفان الأقصى حتى اليوم".

الأكاديمي المصري، لفت ثانيا، إلى "العلاقات بينها وبين النظام المصري، والذي يُعتبر شريكا استراتيجيا لها في كل السياسات وفي كل الممارسات منذ انقلاب منتصف العام 2013، حتى الآن".

وبيّن أنّ: "الأمر الثالث، هو الدعم الذي يحظى به الكيان من جانب الإدارة الأمريكية والإدارات الغربية، كما أن النظام في مصر حريص على أن يرضي تلك الأطراف في ظل المصالح الاستراتيجية بينه وبين عدد من الدول الأوروبية من ناحية، وبينه وبين الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية ثانية، حرصا على كم المساعدات التي يحصل عليها".

وأشار إلى أن "الأمر الآخر يتمثل في الحديث عن فكرة ربط التفاهمات، التي لا قيمة لها من المنظور الإسرائيلي، لأنه في الأخير نتحدث عن تفاهمات مرتبطة بشكل أساسي بطبيعة المرحلة، لكن وفقا للسياقات السياسية التي تتحرك فيها إسرائيل، إذا وجدت فرصة أن تتخطاها".

وأردف بأن: "الهدف الرئيسي منها، هو: كسب المزيد من الوقت وأن هذه التفاهمات يمكن أن تعطيها حرية حركة أكبر؛ وذلك في الأساس يقود إلى السياق السياسي الذي تتحرك فيه".

ويعتقد عبد الشافي، أن "الكيان الصهيوني يسعى لفرض السيطرة بالكامل على قطاع غزة؛ ولكنه يتحرك جزئيا على مرحلتين، فرض السيطرة على محور شمال غزة، هذا من ناحية، وفرض السيطرة على محور نتساريم، وفرض السيطرة على محور صلاح الدين، بحيث يؤمن السيطرة على القطاع من الجنوب والوسط والشمال".

وختم حديثه متوقعا فرض واقع جديد مع فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة 4 سنوات قادمة، قائلا: "سيكون هناك حديث آخر بفرض السيطرة على الضفة الغربية دون التزام بتفاهمات ومعاهدات، وفي إطار دعم كامل من النظام في مصر".

"تواطؤ لا صمت"
من جانبه، قال الباحث الفلسطيني في الشؤون الإسرائيلية، صلاح الدين العواودة، إن: "الموضوع ليس مجرد صمت وإنما تواطؤ وتعاون".

الباحث بمركز "رؤية للتنمية السياسية"، بإسطنبول، أضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن "مصر طرف في الحرب إلى جانب إسرائيل؛ في الحصار والتجويع والاستخبارات، إضافة إلى التعاون مع الاحتلال في صد هجمات اليمن وضبط الحدود".

ولفت إلى أنه "حسب كثير من المصادر، ورغم خلاف مصر مع الاحتلال على ما بعد الحرب؛ إلا أن مصر دعمت إسرائيل في حربها، وقدمت لها مقترحات ونصائح، ومنها ما قاله السيسي، في حديث للإعلام، 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، عندما اقترح (نقل الغزيين إلى صحراء النقب لحين الانتهاء من العمليات العسكرية)، ثم القضاء على المقاومة".

وأشار العواودة، إلى "ما زعمه الصحفي الأمريكي، بوب وودورد، في كتاب (الحرب) الصادر منتصف الشهر الماضي، من أن رئيس مخابراته السابق عباس كامل، نصحهم (إسرائيل) بألا يدخلوا بريا والاكتفاء بالاغتيال من الجو".

ويتهم نشطاء مصريون وعرب، حكومة السيسي، بدعم الاحتلال الإسرائيلي، في موجة اتهامات تتصاعد، وآخرها اتهامهم السلطات المحلية بالسماح باستقبال سفينة الأسلحة المتجهة لدولة الاحتلال الإسرائيلي "إم في كاثرين"،  بتاريخ 28 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وتفريغ شحنتها العسكرية على رصيف عسكري بميناء الإسكندرية على البحر المتوسط.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع