ملفات وتقارير

مهرجان "الجونة" يرفع شعار "سينما من أجل الإنسانية" ويتجاهل العدوان على غزة ولبنان

فعاليات المهرجان لم تشهد ظهور أي تعاطف مع فلسطين ولبنان- فيسبوك
انطلقت فعاليات الدورة السابعة لمهرجان، الجونة السينمائي، في المنتجع المصري على البحر الأحمر، الذي يستمر حتى مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وسط انتقادات لعقد المهرجان الأكثر انفتاحا في عروضه وضيوفه وفنانيه وملابسه المثيرة كونه مهرجانا خاصا وليس حكوميا، في ظل أجواء الحرب على قطاع غزة، ولبنان، التي يشارك فنانوها بالحضور والعروض بالمهرجان.

تلك الانتقادات انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يقلل من حدتها إعلان إدارة المهرجان، عن تنظيم برنامج خاص للأفلام الفلسطينية تحت عنوان "نافذة على فلسطين"، والذي يستقبل 6 أفلام بين وثائقية وروائية قصيرة وطويلة، ما اعتبره البعض الآخر لفتة من المهرجان وفرصة للفنانين الفلسطينيين واللبنانيين ومؤيدى القضية العربية الأولى، لعرض أعمالهم الفنية عن المقاومة والاحتلال.

"شعار المهرجان"
كما أن الانتقادات للمهرجان لم تتوقف منذ حفل الافتتاح رغم أنه حمل شعار "سينما من أجل الإنسانية"، كون فعاليات المهرجان لم تشهد ظهور أي تعاطف داخل أروقته وأحداثه وندواته من قبل المنظمين أو المتحدثين أو الفنانين.

لكن المدير التنفيذي لمهرجان الجونة عمرو منسي، الذي قال لموقع "الشرق"، إن "السينما كانت دائما مرآة تعكس القضايا الإنسانية التي تمس حياتنا. في المهرجان، نؤمن بأن الفن ليس مجرد تسلية، بل هو صوت لدعم الشعوب في أوقات المحن، وأداة لتسليط الضوء على القضايا التي تلامس القلب والعقل".

وأضاف: "أحيي الشعب اللبناني. واثق بقدرته على تجاوز المحنة والعودة أقوى"، إلا أن منسي، لم يذكر أزمة قطاع غزة ولم يتطرق بحفل الافتتاح الخميس الماضي، للقضية، كما أن أيا من الضيوف والمكرمين لم يعبر ولم يعلن أي دعم برفع علم أو شعار، بحسب متابعين.


ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ترتكب الآلة العسكرية الإسرائيلية أبشع المجازر التي وصفها مراقبون بـ"حرب إبادة دموية"، والتي امتدت إلى جنوب لبنان، وأودت بحياة أكثر من 43 ألف فلسطيني في غزة، وسط حصار لنحو 2.3 مليون فلسطيني في القطاع في ظل ظروف إنسانية قاتلة مع ما تفرضه إسرائيل من حصار.

"لا حرج"
وأثار أحد منظمي المهرجان الناقد الفني المصري طارق الشناوي الجدل بحديثه عن عدم الحرج من إقامة المهرجان في ظل العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان.

وقال في حديث تليفزيوني: "الدورة الحالية مفيش حرج، الدورة الماضية كانوا (إدارة المهرجان) مكسوفين، أنا لا، هم كانوا بيعملوها وهم مكسوفين وغيروا السجادة الحمراء إلى رملية، وكنت تحس أنك لست في مهرجان، كانوا خايفين، وكان في أفلام مهمة".

المهرجان الذي دشنته عائلة ساويرس الأغنى في مصر والشرق الأوسط وأفريقيا عام 2017، تشهد نسخته السابعة عرض 83 فيلما من 48 دولة، يتنافس 21 منها من 13 دولة عربية و9 دول غربية على برنامج "سيني جونة"، الذي يقدم جوائز تصل قيمتها إلى 360 ألف دولار، فيما تترأس الممثلة الهندية نانديتا داس لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة.

"كسر المقاطعة"
وفي سياق الانتقادات، عاب البعض على المهرجان، ضم منتجات "بيبسي كولا"، و"نسكافيه"، الكيانات الداعمة بشكل مباشر لجرائم الحرب والإبادة الجماعية بمواجهة أطفال ونساء غزة ولبنان، إلى رعاية الدورة الحالية، بينما يتخذ المهرجان شعار "سينما من أجل الإنسانية".



"حضر المصري وغاب الفلسطيني"
التراث الغنائي الفلسطيني لم يكن حاضرا في افتتاح مهرجان "الجونة"، رغم انتشاره بشكل لافت في جميع أنحاء العالم وخاصة الأغنية السويدية "Leve Palestina"، وذلك رغم أن الحفل شهد غناء مجموعة من أشهر أغاني السينما المصرية.

 

"تعاطف عالمي وغياب عربي"
ولفت متابعون إلى التعاطف الكبير من صناع السينما العالمية إنسانيا مع فلسطين وأطفال غزة في مناسبات فنية دولية عديدة، وغياب ذلك عن مهرجان "الجونة".

ووقع أكثر من 2000 فنان بريطاني؛ بينهم تيلدا سوينتون، وتشارلز دانس، وبيتر مولان، وستيف كوغان، وميريام مارغوليس، رسالة انتقدوا فيها "إسرائيل"، مؤكدين أنها "حولت غزة أنقاضا، وشبح الموت يخيم على المنطقة".

واتهمت الممثلة الأمريكية أنجلينا جولي، قادة العام بالتواطؤ، قائلة إن غزة تحولت إلى "مقبرة جماعية"، وقال الأميركي جون كيوزاك: "لا شيء يمكن أن يبرر الوحشية التي تفرضها إسرائيل"، كما أعلنت الأمريكية سوزان ساراندون، تضامنها مع الفلسطينيين، وقالت سيلينا جوميز، إن قلبها ينكسر لرؤية كل هذا الرعب والكراهية والعنف والإرهاب، وتلقت عارضة الأزياء الشهيرة بيلا حديد تهديدات بالقتل لموقفها من غزة.

وأعلنت المغنية الأمريكية ليدي غاغا، والممثلة الأمريكية روبين ريانا فينتي، وعارضة الأزياء البريطانية نعومي كامبل، والمغني الكندي جاستن بيب، دعمهم لأطفال غزة.

كما حيا  الممثل الأرجنتيني الشهير ، نورمان بريسكي غزة أثناء تسلمه مارتن فييرو السينمائي، الأسبوع الماضي.

وقال بريسكي : "غزة، غزة، غزة، غزة لن تُهزم أبدا، لا يهم إذا صفقت لي أكثر أو أقل، لكنني أشعر بذلك في دمي، أنا أدافع عن شعب غزة الذي يقتل".


" أين تلك الإنسانية؟"
وعن حجم تناقض مهرجان "الجونة" مع قضية فلسطين ولبنان، وعدم إعلان المهرجان والفنانين المشاركين فيه دعمهم لهما على غرار العديد من الفنانين الأجانب، قال الكاتب الصحفي المصري أسامة الألفي: "أولا مهرجان الجونة ليس مهرجانا سينمائيا، بقدر ما هو مهرجان دعائي، يروج لبيزنس آل ساويرس".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف نائب رئيس تحرير صحيفة "الأهرام" سابقا: "ولهذا لا عجب أن يصفه الناس بمهرجان العري، فالأجساد العارية تكاد تمثل شعارا غير مكتوب له، ومنها تنبثق الهالة التي تحيط به".

وتابع: "هل ترى إنسانية في مهرجان مثل هذا تستباح فيه المحرمات من عري وخمر وقبلات بين الجنسين بلا حياء؟".

وأضاف: "أين الإنسانية وراعي المهرجان أنفسهم، لا يحفلون بسوء الأحوال المعيشية لوطنهم ومواطنيهم، ويستثمرون أرباحهم التي كسبوها من كد المواطن البسيط خارج البلاد، من أجل أرباحا أكثر".

وتساءل: "هل حالت إنسانية هؤلاء دون استغلالهم لإنسان وطنهم؟ فكيف إذا تطالبهم بمراعاة البعد الإنساني في التعامل مع ظروف لبنان وفلسطين؟".

وكان رجل الأعمال نجيب ساويرس قد انتقد عملية "طوفان الأقصى" واتهم المقاومة الفلسطينية بخطف الأطفال واغتصاب إسرائيليات.

"وسط يثير الأسى والقرف"
ومضى الألفي، يقول: "هذا عن المنظمين، فماذا عمن يشاركون من الفنانين والفنانات، هل سمعت بأحد منهم أو منهن رفع صوته منددا بجرائم الاحتلال؟ هل سمعت بإحداهن أو أحدهم تبرع بجنيه لمساعدة جوعى غزة؟".

وأكد أنهم "صمتوا جميعا؛ في وقت تبارى فيه نجوم كبار مثل أنجلينا جولي بالتنديد بالمجازر والتبرع لغوث الضحايا، وبعث 60 فنانا هوليووديا، بينهم الكوميدي جون ستيوارت، والممثل الحائز على جائزة الأوسكار خواكين فينيكس، وسوزان ساراندون، وكريستين ستيوارت، وكوينتا برونسون، ورامي يوسف، وريز أحمد، وماهر شالا علي، وآخرين، برسالة  للرئيس الأمريكي جون بايدن، يطالبونه بالعمل على وقف إطلاق النار في غزة".

وختم بالقول إن "ما يحدث داخل الوسط الفني العربي لا يثير فقط الأسى، وإنما أيضًا القرف، فهؤلاء أناس حققوا الشهرة والمال، من كد المواطنين العرب البسطاء، لكنهم عندما حان وقت رد الدين، أظهروا نذالة لا حدود لها".

"هبوط وتدنٍّ.. وأموال الترفيه"
من جانبها أعربت الناقدة الفنية إيمان نبيل عن أسفها من "مواقف الفنانين المصريين والعرب، عند مقارنتها بمواقف ممثلين عالميين قد يؤثر تعاطفهم مع غزة على عملهم في هوليود موطن صناعة السينما التي تسيطر عليه الأموال الداعمة للاحتلال".

وأضافت في حديثها لـ"عربي21": "يبدو للأسف أن الممثلين العرب والمصريين لا يريدون صداعا لرؤوسهم، ويسيرون وفقا لما تقتضيه الحالة العامة لدى الحكومات".

وترى أن "هذا يعد انعكاسا لحالة الهبوط الفني والتي طالت أيضا كل المجالات، فمنذ عقود لا غناء جيدا ولا دراما مقدرة، ولا أفلام جادة ملتزمة".


وتابعت: "ناهيك عن أن مهرجان الجونة موجود في منتجع سياحي ومصيف على البحر، ما يعني أن الفنانين والحضور لا مجال لديهم للتفكير في غزة أو لبنان، ولن يتركوا مشاهد القتل والدماء والدمار تخرجهم من حالة النشوة والرخاء الموجود في المنتجع".

ولفتت إلى جانب آخر، موضحة أن "جميع الفنانين أصبحوا مرتبطين اليوم بشكل كبير بما تقدمه هيئة الترفيه من إنتاج فني درامي سينمائي مسرحي غنائي ترفيهي، ويفضلون الحفاظ على مصدر رزقهم الكبير الجديد، مع راعي الفن والترفيه الجديد، متخوفين من أن أي موقف قد يجعلهم رهن الحساب والاستبعاد".

وأشارت إلى أنه من "المحزن أنه حتى الفنانين اللبنانيين لم يكن لديهم موقفا في المهرجان بينما بلدهم يدمر"، ملمحة إلى أنه "تاريخيا كان الفنانون في أول الصفوف لدعم المقاومة الفلسطينية، بل إنه اختفى أيضا الفنانين أصحاب التوجهات القومية والعروبية والناصرية".

وختمت بالقول: "كل تدن اقتصادي يقابله تدن أخلاقي وفني، وأضف لكل هذا التبعية والتشتت في الولاءات، كما أن المواقف الوطنية كانت سابقا أضعف الإيمان، ولكن انتهى أضعف الإيمان الآن، وأصبح التجاهل على عينك ياتاجر".