بدموعٍ نبيلة، عبّرت النائبة الديمقراطية التقدمية ألكساندريا كورتيز عن غضبها؛ بعد إقرار مجلس النواب الأمريكي بأغلبية ساحقة تمويل نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي «القبة الحديدية»، مع تصويت ثمانية نواب ديمقراطيين وجمهوري واحد ضد القرار، ذلك بعد أن تم رفضه في إطار الموازنة الفيدرالية العامة، ليعاد طرحه كمشروع آخر، وبحيث يتم دفع مليار دولار من الميزانية السنوية لوزارة الدفاع الأمريكية، وليس من الموازنة الفيدرالية العامة في تحايل دستوري واضح وفاضح.
التعثر الأولي المؤقت للمصادقة على تمويل ودعم مخزون القبة الحديدية في مجلس النواب بأغلبيتهم الديمقراطية، يعكس حقيقة التجاذبات الداخلية الأمريكية من ناحية، ويعزز الحديث المتكرر عن تراجع الإجماع الأمريكي حول العلاقة الاستراتيجية مع إسرائيل وضرورة توفير مقومات الدعم المالي والأمني لها، ولم يعد هذا الإجماع أمرا مسلما به كما كان الحال خلال معظم الرئاسات الأمريكية، الجمهورية والديمقراطية، بل بدأ الحديث يتعزز حول أن إسرائيل باتت بدرجة أو بأخرى، محل خلاف في إطار الطبقة السياسية الأمريكية، وحتى لدى الجمهور اليهودي في الولايات المتحدة، مع أن هذا الأمر يظهر بوضوح أكثر لدى الحزب الديمقراطي، الأمر الذي يشير إلى تآكل الإجماع الأمريكي التقليدي حول إسرائيل.
تقدر أوساط إسرائيلية بأن العلاقة المتغطرسة مع إدارة أوباما ثم مع إدارة بايدن، من قبل رئيس الحكومة السابق نتنياهو، هي التي عززت هذا المتغير السلبي في علاقة الحزب الديمقراطي بإسرائيل، وهو الرأي نفسه الذي عكسه رئيس الحكومة الحالي ووزير خارجيته في تفسير تعثر مصادقة الحزب الديمقراطي على القرار، عند إشارتهما إلى أن نتنياهو يتحمّل مسؤولية هذا التراجع، وفي اعتقادنا أن الأمر أبعد من ذلك، وأبعد من علاقة شخصية بين نتنياهو وأوباما وبايدن، وأن نتنياهو يتحمّل مسؤولية جزئية عن الأمر، ذلك أن هناك متغيرات ذاتية خاصة حدثت في الحزب الديمقراطي نفسه بنتائج الانتخابات التشريعية خلال السنوات القليلة الماضية، التي أدت إلى بروز قيادات شابة جديدة ومن أعراق مختلفة، ليست محكومة بالخطاب التقليدي الشعبوي الذي كان سائدا منذ قيام الدولة العبرية، هؤلاء نجحوا في تشكيل تكتل يضم قرابة 90 نائبا ليبراليا في الغالب، هذا التكتل يتوافق حول جملة من القضايا الداخلية والخارجية، ومن بين هذه القضايا الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، مع أن هناك تباينا بهذا القدر أو ذاك داخل إطار هذا التكتل، وهذا يؤثر بشكل واضح على طبيعة القرارات التي يتخذها مجلس النواب الأمريكي تجاه العديد من القضايا والمسائل التي تعرض على التصويت.
بنظر هذا التكتل، لم تعد إسرائيل دولة صغيرة محاطة بالأعداء، ولا الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط كما روّجت وساهم اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة في هذا الترويج الابتزازي، بل إن إسرائيل دولة تحتل شعبا آخر وتمعن في شن الحروب عليه ولا تلتزم بالقرارات الدولية، ولم تعد هذه الدولة فقيرة وضعيفة، وذلك بفضل دافع الضرائب الأمريكي، بينما تبلغ ميزانيتها السنوية تريليون ونصف التريليون من الشواكل، يذهب 80 مليارا منها للتسلح وشنّ الحروب، فهل مثل هذه الدولة بحاجة إلى صدقة من دولة أخرى؟!
وبطبيعة الحال، فإن عدم تمرير مشروع دعم القبة الحديدية في مرحلته الأولى، ورغم تمريره لاحقا، قد أثار موجة من التساؤلات لدى الأوساط الإسرائيليّة، وعادت للحديث مجددا عن الحرب الإسرائيليّة الأخيرة على قطاع غزّة، فقد تم إطلاق 4400 قذيفة صاروخية من القطاع، تصدت القبة الحديدية لـ1700 منها، بينما وصلت 180 قذيفة صاروخية إلى مناطق مأهولة، الأمر الذي يعكس من وجهة نظر إسرائيلية أولا: أهمية التزود الدائم بمقذوفات متطورة للقبة الحديدية التي أثبتت فاعليتها حسب إسرائيل، وثانيا: ضرورة تعويض ما فقدته إسرائيل من هذه المقذوفات خلال الحرب الأخيرة، ولكي تعوض إسرائيل ذلك فإن الأمر بحاجة إلى ستة أشهر للتزوّد بعدد كاف منها، لذلك فإن الدعم الأمريكي مطلوب وضروري لكي تتم إقامة خطوط إنتاج جديدة، تمكّن القدرات العسكرية والأمنية من الحصول على ما يكفي في فترة أقل، كما برزت تساؤلات من نوع آخر، فإذا كان هذا هو الحال فيما يتعلق بأسلحة دفاعية، فكيف سيكون الأمر إذا طلبت إسرائيل أسلحة هجومية للعمل ضد جبهات أخرى كإيران وسوريا ولبنان؟
لكن ماذا عن المواجهة مع الصين؟ في تسريبات إعلامية أن إدارة بايدن دفعت قدما بإقرار المصادقة على القرار، مقابل تراجع إسرائيل عن تفاهماتها وتعاقداتها الفنية والتقنية العالية مع الصين، وذلك في سياق الحرب المفتوحة بين واشنطن وبكين!
(الأيام الفلسطينية)