صحافة دولية

FP: جماعة الإخوان لا تزال غير إرهابية وحظرها سيعزز قمع أنظمة المنطقة

الأكاديمي قال إن الجماعة غير مرتبطة بتنظيم واحد رغم تشابه الفكرة العامة في كل بلد- جيتي
الأكاديمي قال إن الجماعة غير مرتبطة بتنظيم واحد رغم تشابه الفكرة العامة في كل بلد- جيتي
شارك الخبر
قال مارك لينتش، الأستاذ بجامعة جورج واشنطن ومدير ‏مشروع عن الشرق الأوسط إن جماعة الإخوان المسلمين ليست "جماعة ‏إرهابية" ولكن حظرها سيعزز القمع في الشرق الأوسط والولايات ‏المتحدة.

وأشار في مقال بمجلة فورين بوليسي إلى الأمر التنفيذي الصادر عن الإدارة الأمريكية ‏في 24 تشرين الثاني/نوفمبر لبدء النظر بتصنيف عدد من  فروع ‏الإخوان كمنظمات إرهابية. ولم يحمل الأمر التنفيذي أي إشارة أو ‏منطق لتبرير التصنيف.

ولا يتعدى الأمر وفق قوله، سوى تصريحات نارية ‏أطلقتها القيادات المصرية والأردنية بعد هجمات 7 ‏تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ودور ثانوي لعبته الجماعة الإسلامية ‏في لبنان في هجمات الصواريخ ضد إسرائيل. ‏

اظهار ألبوم ليست



وكما يشير التبرير الضعيف الذي قدمته الإدارة، فلا يوجد ببساطة ‏أي دليل جديد موثوق يقترح أن الإخوان هم منظمة إرهابية. ويقول ‏إن محاولة دفع الولايات المتحدة على تصنيف جماعة الإخوان ‏المسلمين منظمة إرهابية هي فكرة سيئة لها تاريخ طويل يعود إلى ‏أحداث 11 أيلول/سبتمبر على الأقل. وقد دفعت بها مرارا ‏جماعات يمينية في الولايات المتحدة، وحلفاء مناهضون للإخوان ‏في الشرق الأوسط، بما في ذلك الإمارات ومصر ‏والاحتلال، ورفضت الفكرة.‏

وكما أدرك الرئيس السابق جورج دبليو بوش، وغيره، فإن هذا ‏التصنيف لن يكون غير دقيق فحسب، بل سيقوض حقوق الإنسان ‏والديمقراطية في جميع أنحاء الشرق الأوسط‎.‎‏ ومع ذلك، لا تبالي ‏إدارة ترامب بالحقيقة ولا بالديمقراطية، وقد طردت العديد من ‏الكفاءات في الخدمة المدنية كان بمقدورهم تقديم تحليلات مستنيرة‎.‎

ولهذا يقول لينتش أن الإدارة  تستعد الآن لاتخاذ هذه الخطوة في ‏وقت ستتضاءل فيه أهمية الجماعة في المنطقة، وتزداد أضرار ‏الحظر في الداخل الأمريكي. ففي الشرق الأوسط، أمضى حلفاء ‏أمريكا أكثر من عقد من الزمن في إطلاق العنان لقوة أجهزتهم ‏الأمنية غير المقيدة ضد جماعة الإخوان المسلمين وجميع قوى ‏المجتمع المدني أو المعارضة الأخرى.

ونتيجةً لذلك، تضاءلت ‏شعبية جماعة الإخوان المسلمين بشكل كبير، ولم يعد داعموها ‏الإقليميون الرئيسيون، مثل قطر وتركيا، يهتمون بالدفاع عنها كما ‏في السابق. أما في أمريكا، فهناك ما يدعو إلى الخوف من أن ‏تستخدم إدارة ترامب تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة ‏إرهابية كأداة لاستهداف خصومها السياسيين. وستكون النتيجة ‏تصعيدا لحملة قمعٍ خطيرة بالفعل ضد المهاجرين ومنظمات ‏المجتمع المدني ذات الميول اليسارية والمعارضة السياسية ‏الداخلية‎.‎

‏وأشار لينتش إلى أن  جماعة الإخوان المسلمين ظلت ولوقت ‏طويل هدفا لنظريات المؤامرة منذ أحداث 11 أيلول/سبتمبر ‏‏2001، لا سيما بين دوائر اليمين المتطرف التي تهيمن على إدارة ‏ترامب الحالية. لذا، من المهم التمييز بين الخرافات والحقائق‎.‎

‏ وأكد لينتش أنه لا وجود لجماعة الإخوان المسلمين العالمية ‏الموحدة أو "التنظيم العالمي للإخوان المسلمين"، وهو ما أقر به ‏حتى الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس ترامب، والذي حدد ‏فروعا بعينها للجماعة بدلا من تسمية عالمية شاملة. ‏

وأضاف "ظهرت جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928، ‏وانتشرت بسرعة في المنطقة والعالم. ويشترك كل فرع وطني في ‏التزامات تنظيمية وفكرية عامة، إلا أن كل فرع تطور بناء على ‏الظروف المحلية، ولم يتلق أي منها أوامره من مكتب مركزي في ‏القاهرة أو أوروبا أو أي مكان آخر".

وهناك أوجه تشابه بين ‏هذه الفروع، لكنها لا تخضع لقيادة وسيطرة مركزية. وقد أنكرت ‏جماعات إسلامية رئيسية، مثل حركة النهضة التونسية، انتماءها ‏لجماعة الإخوان، رغم اتباعها استراتيجيات تنظيمية ‏وفكرية مماثلة‎.‎‏ وتشترك فروع الإخوان في مختلف البلدان في ‏مرجعيات فكرية، مثل حسن البنا وسيد قطب، المعاصرة، ‏لكن كل فرع من فروع الجماعة في كل دولة أنتج قادته السياسيين ‏ومرشديه الدينيين. وعلى مستوى المنطقة، سعت فروع الجماعة ‏في أغلب الأحيان إلى تعزيز المجتمعات الدينية وتبني سياسات ‏اجتماعية أكثر محافظة.

وبمقارنات الوضع الأمريكي، يرى لينتش أن الإخوان المسلمين، ‏كانوا قبل ثورات الربيع العربي عام 2011، أقرب في نظرتهم ‏للإنجيليين الأمريكيين أكثر من قربهم لتنظيم القاعدة. فقد كانت ‏حركةً واسعة النطاق، تهدف إلى بناء مجتمع أكثر تدينا من خلال ‏التبشير وتقديم الخدمات الاجتماعية والانخراط في منافسة سياسية ‏شرسة. وقد حافظت معظم منظمات الإخوان على شبكة من ‏الخدمات الاجتماعية والجمعيات الخيرية، وعملت علنا حتى في ‏البلدان التي كانت فيها غير قانونية من الناحية الفنية.

وكانت كوادر ‏الإخوان في الغالب من المهنيين المدنيين من الطبقة المتوسطة ‏وليس من الشباب المهمشين والفقراء الذين انجذبوا نحو الجماعات ‏ الأكثر عنفا أو المنظمات السلفية الأكثر تشددا. وقد ‏شاركت منظمات الإخوان باستمرار في الانتخابات كلما أتيحت لها ‏الفرصة، وفازت باستمرار‎.‎‏

وعندما فازوا، واجه الإخوان اتهامات ‏بأن التزامهم بالديمقراطية كان مجرد وسيلة لتحقيق مكاسب ‏شخصية: "صوت واحد لكل شخص، مرة واحدة". وسواء كان ‏ذلك عادلا أم لا، لم تمنح الجماعة فرصة لدحض هذا الاتهام. في ‏مصر، فاز الإخوان المسلمون في انتخابات ما بعد عام 2011، ‏لكن أُطيح بهم بانقلاب عسكري قاده الجنرال عبد الفتاح السيسي ‏عام 2013. وفي تونس، فازت حركة النهضة في انتخابات ما بعد ‏عام 2011، لكن جرمت بعد عقد من الزمن على يد الرئيس ‏الشعبوي العلماني قيس سعيد‎.‎‏

ويرى لينتش أن الطبيعة المعقدة لجماعة الإخوان المسلمين ‏تمظهرت من خلال النقاش السياسي الأمريكي النامي. ففي ‏تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من الألفية الجديدة، ركز ‏النقاد على حماس والعراق، بالإضافة إلى انتماء ‏شخصيات بارزة في تنظيم القاعدة، مثل عبد الله عزام إلى جماعة الإخوان المسلمين.

ومع ذلك يجسد نهج إدارة بوش تجاه جماعة الإخوان المسلمين هذه ‏التناقضات. فقد دعا العديد من المتشددين آنذاك إلى استهداف ‏الجماعة، زاعمين أنها تبدو معتدلة ظاهريا، لكنها في الواقع لا تبعد ‏إلا خطوة عن التطرف.

في المقابل، فضل آخرون، بمن فيهم ‏بعض المحافظين الجدد البارزين، دمج الجماعة ضمن الانفتاحات ‏الديمقراطية، على أمل تهدئة التنظيم وترسيخ الممارسات ‏الديمقراطية في المجتمعات العربية. لهذا السبب، دعم أعضاء ‏بارزون في الإدارة الأمريكية مشاركة جماعة الإخوان المسلمين ‏في الانتخابات المصرية عام 2005، وانضمام حماس إلى ‏الانتخابات الفلسطينية عام 2006.

‏ وأشار الكاتب إلى أن مخاوف محددة في كل دولة إقليمية دعتها ‏إلى تبني هذه الحملة ضد الجماعة. وجاءت حملة السعودية على ‏جماعة الإخوان في إطار هجوم ولي العهد السعودي ‏الأمير محمد بن سلمان الخاطف على سلطة المؤسسة الدينية ‏ في المملكة. وكان التداخل بين الفكر السلفي وسياسات ‏الإخوان المحرك الرئيسي للصحوة السعودية، وهي حركة شعبية ‏متعاطفة مع الجماعة، تضم شخصيات بارزة على مواقع التواصل ‏الاجتماعي مثل سلمان العودة، الذي استغل منصته لانتقاد ‏السياسات السعودية داخليًا وخارجيًا. ويقبع معظم قادتها اليوم في ‏السجون أو في المقابر، رغم عدم وجود أي صلة لهم بالإرهاب‎.‎‏ ‏

وبالمثل، تحرك الأردن ضد جماعة الإخوان المسلمين، التي ‏تحولت من ركيزة أساسية لدعم النظام الملكي إلى معارضته ‏السياسية المنظمة الرئيسية. وفي مواجهة أزمة سياسية داخلية ‏متصاعدة وضغوط متزايدة من داعميها الماليين في الخليج، اتخذ ‏الأردن خطوات غير مسبوقة لتفكيك الجماعة، فدعم قيادة بديلة، ‏وصادر أصولها المالية، وجرمها في نهاية المطاف‎.‎

‎و‎بلغت الحملة الإقليمية ضد جماعة الإخوان المسلمين ذروتها ‏عام 2017 عندما فرضت الإمارات والسعودية حصارا على قطر ‏وطالبتا الدوحة بإنهاء دعمها الإقليمي للجماعة. وامتد الضغط إلى ‏واشنطن، حيث مارست مجموعة من مراكز الأبحاث وشركات ‏العلاقات العامة ضغوطا على إدارة ترامب الأولى لإعلان ‏الإخوان المسلمين منظمة إرهابية.

اظهار ألبوم ليست



وبينما استمتع أنصار ترامب ‏بنظريات المؤامرة المعادية للمسلمين، تصدى لها العقلاء آنذاك‎.‎‏ ‏وعندما تولى الرئيس السابق جو بايدن منصبه عام 2021، أنهت ‏الإمارات والسعودية بهدوء مقاطعة قطر، وأصلحتا العلاقات مع ‏تركيا، وخففتا من حدة الحملة الإقليمية المناهضة للإخوان ‏المسلمين.

لكن الضرر كان قد وقع. فالإخوان المسلمون اليوم ‏ليسوا سوى ظل لما كانوا عليه. في معظم أنحاء المنطقة، جردوا ‏قسرا من الخدمات الاجتماعية والحضور الشعبي اللذين كانا أساس ‏قوتهم السياسية. وتضررت سمعتهم بشدة جراء حملات الدعاية ‏المتواصلة. ونتيجة لذلك، لم تعد تمثل قوة سياسية مهمة على ‏الرغم من أن الأنظمة القلقة بشأن جولة أخرى من الاحتجاجات لا ‏تزال تخشى عودتها للظهور.‏

وقال لينتش بالنسبة لنظريات المؤامرة اليمينية المتطرفة، ‏تشكل جماعة الإخوان هدفا غامضا وغير محدد المعالم، ‏يشمل منظمات إسلامية أمريكية مثل مجلس العلاقات الأمريكية ‏الإسلامية (كير)، ومؤسسات التعليم العالي ومراكز دراسات ‏الشرق الأوسط، ومنظمات غير حكومية، وحتى الطلاب اليهود ‏المتظاهرين ضد الإبادة الجماعية‎.‎‏

وقد يرسي تصنيف ترامب ‏لجماعة الإخوان أساسا قانونيا للتدقيق في تمويل هذه ‏المنظمات وتراخيصها وعضويتها. كما قد يصبح أساسا لمزيد من ‏التدقيق المشدد من قبل وزارة الخارجية الأمريكية لمُقدمي طلبات ‏التأشيرة، فضلا عن مضايقات وترحيل من قِبل إدارة الهجرة ‏والجمارك. وفي النهاية فتصنيف جماعة الإخوان المسلمين لا ‏يتعلق بمواجهة تهديد أمني، بل هو تصعيد آخر نحو الاستبداد في ‏الشرق الأوسط والولايات المتحدة على حد سواء‎.‎
التعليقات (0)

خبر عاجل