بين القرار الأممي والتحديث المرتقب.. هل دخل الحكم الذاتي المغربي مرحلة الحسم؟
الرباط - عربي21- سعيدة مليح13-Nov-2509:07 AM
0
شارك
اعتمد مجلس الأمن القرار عقب تصويت 11 بلدا لصالحه من بين الدول الـ15 الأعضاء - جيتي
لم يكن قرار مجلس الأمن الأخير بخصوص الصحراء المغربية مجرّد تمديد تقني لولاية "بعثة المينورسو" كما اعتادت الدبلوماسية الأممية منذ سنوات، بل خُطوة حملت ملامح تحوّل في مقاربة المجتمع الدولي للنزاع. فالقرار رقم 2797، الصادر أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 2025، أيّد صراحة المبادرة المغربية للحكم الذاتي باعتبارها: "الأساس الوحيد والواقعي للحل السياسي"، وذلك في صياغة غير مسبوقة منذ تقديم الرباط لمبادرتها سنة 2007.
واعتمد مجلس الأمن، القرار، عقب تصويت 11 بلدا لصالحه من بين الدول الـ15 الأعضاء، وامتناع روسيا والصين وباكستان، وعدم مشاركة الجزائر في التصويت.
اظهار أخبار متعلقة
في هذا التقرير، تبرز "عربي21" ملامح التحوّل الذي أعاد ترتيب الأوراق داخل أروقة الأمم المتحدة، وفتح نقاشا مستجدّا حول معنى "تحيين" المبادرة المغربية، والحدود الجديدة للعلاقة بين السيادة، التنمية، والواقعية السياسية.
المبادرة.. في سياق جديد
لم يتأخر العاهل المغربي، الملك المغربي محمد السادس في التقاط دلالة القرار الأممي، حيث أعلن في خطابه بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، أنّ: المغرب سيعمل على تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي، لتقديمها بصيغتها المحدثة إلى الأمم المتحدة "بوصفها المرجع الوحيد للتفاوض".
ودعا الملك المغربي، الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، إلى: "حوار أخوي صادق لتجاوز الخلافات، وبناء علاقات جديدة تقوم على الاستقرار"، مؤكدا التزام بلاده بالعمل لإحياء الاتحاد المغاربي على أساس الاحترام المتبادل والتعاون والتكامل بين دوله.
في سياق متصل، سبق أن أشار المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إلى أنّ فريقه يعمل على إنجاز اتفاق بين البلدين في الفترة المقبلة، متوقعا "التوصل إلى اتفاق سلام خلال 60 يوما"، وأنّ: "حل هذا الملف سيكون بوابة لمصالحة أوسع في المنطقة المغاربية".
وأبرز مضامين المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي اطّلعت عليها "عربي21"، هي: "التركيز على أنّ الحل النهائي للنزاع لا يمكن أن يكون إلا سياسيا متوافقا عليه، يضع حدا للجمود الطويل ويتيح إرساء مصالحة شاملة بين أبناء المنطقة".
وأكدت المبادرة، أيضا: "التزام المغرب بالعمل بروح الانفتاح وبناء الثقة، والانخراط في مفاوضات جدية وبحسن نية تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يضمن مقاربة سلمية ومقبولة لدى جميع الأطراف. وبهذه الرؤية، تعتبر المبادرة أن حل النزاع لا يقتصر على الجوانب السياسية والإدارية فحسب، بل يشمل أيضا إعادة بناء الثقة والمصالحة بين السكان والجهات الرسمية".
اقترحت المبادرة، في السياق ذاته: "منح سكان الأقاليم الصحراوية صلاحيات واسعة لإدارة شؤونهم المحلية، عبر هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية تمارس سلطاتها داخل الجهة في مختلف المجالات، بما يضمن إدارة تشاركية لشؤون السكان المحليين (الأمن والشرطة الجهوية، التخطيط الاقتصادي وتشجيع الاستثمار والتجارة والسياحة، البنية التحتية والنقل والطاقة والماء..)".
وفيما يخص السلطة القضائية، نصت المبادرة، وفقا لما اطّلعت عليه "عربي21": على: "استحداث محاكم جهوية مستقلة تصدر أحكامها باسم الملك، إلى جانب محكمة عليا جهوية تختص بالنظر في تأويل القوانين المحلية، وذلك دون المساس باختصاصات المجلس الأعلى للقضاء (أعلى هيئة قضائية في المغرب) والمحكمة الدستورية للمملكة (تختص بالنظر في مدى موافقة القوانين للدستور)".
ماذا يقول الدستور المغربي؟
بحسب الباحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية، مريم بليل، فإنّ: "الدستور المغربي لسنة 2011 لم يدرج صراحة ما يتعلق بنظام الحكم الذاتي، ولكن عموما واستنادا إلى الفصل الأول الذي ينص على أن التنظيم الترابي للمملكة لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة".
وأبرزت بليل، في حديثها لـ"عربي21" أنّ: "هذا المبدأ يمكن أن يشمل صيغة متقدمة من الحكم الذاتي ما دامت لا تمس بالوحدة الوطنية والترابية ولا بشكل الحكم الملكي ولا بالدين الإسلامي".
إلى ذلك، استدركت الباحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية بالقول: "يحدد الفصل 172 والفصل 173 من الدستور طريقتين لمراجعة الدستور: اقتراح من الملك. اقتراح من رئيس الحكومة أو من البرلمان (بمبادرة من ثلثي أعضاء أحد المجلسين على الأقل). ويعرض أي مشروع أو مقترح مراجعة على الاستفتاء الشعبي".
من الجمود إلى التموقع.. ما الذي حصل؟
منذ أكثر من عقد، ظلّت قرارات مجلس الأمن تكتفي بالإشارة إلى المبادرة المغربية بوصفها "جادة وذات مصداقية"، غير أنّ القرار الأخير قد تجاوز الحياد اللغوي إلى: توصيف سياسي حاسم.
ويرى الأستاذ الباحث في العلاقات الدولية، حسن بلوان، أنّ: "المغرب حقّق نجاحا دبلوماسيا غير مسبوق في ملف الوحدة الترابية بعد أن حاز صك الشرعية الدولية من خلال قرار مجلس الأمن التاريخي 2797 والذي اعتمد مخطط الحكم الذاتي كخيار وحيد للتفاوض ضمن السيادة المغربية".
وأوضح بلوان في حديثه لـ"عربي21": "انتقل المغرب بعد قرار مجلس الأمن من معركة الدفاع عن الموقف أمام المنتظم الدولي إلى مرحلة بناء النموذج داخل الوطن الواحد، ما يستدعي تحيين مبادرة الحكم الذاتي وتفصيلها كما جاء في خطاب الملك محمد السادس في 31 أكتوبر الماضي، إضافة إلى تكييف الترسانة القانونية المغربية مع هذا المستجد الحسّاس والدقيق الذي يقبل عليه المغرب بدءا من الدستور المغربي، مرورا بالقوانين التنظيمية ذات الصلة، وصولا إلى بناء مؤسسات التدبير الحكماتية".
اظهار أخبار متعلقة
وبيّن الباحث في العلاقات الدولية، أنّ: "تغيير الدستور على خصوصية الأقاليم الجنوبية التي سيطبق فيها الحكم الذاتي، بات أولوية قصوى تتفرّع عنه مجموعة من القوانين المفصلة للتنزيل الأمثل لمخطط الحكم الذاتي".
إلى ذلك، استدرك المتحدث نفسه بأنّه: "من السابق لأوانه الحديث عن تعديلات وآليات دستورية وتنظيمية جديدة ما لم: ينتهي المغرب من الصيغة المحينة للحكم الذاتي ومعرفة تفاصيله السياسية والمؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. مع انخراط الجزائر والبوليساريو في مفاوضات حقيقية تساهم في بلورة شكل وتفاصيل هذا المخطط تحت رعاية الأمم المتحدة".
الجزائر والبوليساريو.. في مواجهة ضغط الواقعية
في المقابل، يجد من باتوا يوصفوا بكونهم "خصوم المغرب"، أنفسهم، أمام معادلة جديدة. فبينما اعتادت الجزائر التمسّك بخطاب "حق تقرير المصير"، باتت اليوم تواجه واقعا دبلوماسيا مختلفا؛ حيث لم تصوّت على القرار الأخير ولم تستخدم كذلك خطاب الرفض المعتاد، وذلك في إشارة إلى تحوّل تكتيكي أو تراجع محسوب.
أما جبهة البوليساريو، فإنّها قد وصفت القرار الأممي بكونه: "انحياز سافر"، غير أنّها لم تجد صدى واسعا لموقفها حتى بين حلفائها التقليديين. ويرى عدد من المحللين السياسيين، أنّ: "التحول في الموقف الدولي قد جعل البوليساريو في عزلة تفاوضية، عقب أن تحوّل شعار الاستفتاء إلى مطلب رمزي أكثر منه خيارا عمليا".
إلى ذلك، يبدو أن الرّهان المغربي خلال المرحلة المقبلة هو تحويل الدعم الأممي إلى مسار مؤسساتي داخلي. فـ"تحيين" المبادرة قد يشمل أيضا إدراجها في القانون التنظيمي للجهوية المتقدمة، مع ربطها بمشاريع اللامركزية الاقتصادية والإدارية.
ووفقا لعدد من التقارير الإعلامية، المتفرٍّقة، فإنّ: "المغرب على مدار السنوات الماضية، كان يمارس جدّيا، جزءا من مضامين الحكم الذاتي في الجنوب، عبر الاستثمار في البنية التحتية والطاقة وكذلك من خلال الربط الإفريقي، فيما يودّ الآن منحها صبغة قانونية ودستورية واضحة المعالم".
وبحسب المصادر ذاتها، فإنّ: "مدينتي العيون والداخلة، على سبيل المثال، باتت نموذجين مصغرين لما يمكن أن يكون عليه الحكم الذاتي في صورته التطبيقية؛ فمن خلال آليات الجهوية المتقدمة تجسّدت مبادئ المشاركة المحلية للسكان، وربط القرار بالتنمية الملموسة".
وكان الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية الكاملة على الصحراء محطة مفصلية في هذا المسار، وهو ما أشار إليه الملك في الخطاب ذاته: "ونعتز بالقرار السيادي للولايات المتحدة الأمريكية..".
وترى الباحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية، مريم بليل، في حديثها لـ"عربي21" أنّه: "انطلاقا من تنفيذ قرار مجلس الأمن الذي يؤكد على خيار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية التامة، يتوجب: سحب قضية الصحراء المغربية من اختصاصات اللجنة الرابعة في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وإدراج نظام الحكم الذاتي في الصياغة الدستورية والهيكلة المؤسسية".
وفي أول الاجتماعات المخصّصة لموضوع تحيين وتفصيل مخطط الحكم الذاتي، ترأس ثلاثة من مستشاري الملك محمد السادس، أول أمس الاثنين، لقاء مع زعماء الأحزاب السياسية الممثلة بمجلسي البرلمان؛ تنفيذا لمضامين الخطاب الملكي عقب صدور القرار التاريخي الأخير لمجلس الأمن، إذ تمت دعوة الأحزاب لتقديم تصورات ومقترحات بخصوص تحيين وتفصيل المبادرة وفقا للشرعية الدولية.
مرحلة ما بعد القرار.. أيّ ملامح؟
ما بعد القرار الأممي ليس كما قبله. فالمبادرة المغربية التي طُرحت قبل 18 عاما باتت اليوم مرجعية دولية معترفا بها، غير أنّ الرّهان الحقيقي أصبح يكمن في الانتقال من الدعم السياسي إلى تجسيد مؤسسات الحكم الذاتي فعليا على الأرض.
وفي هذا السياق، يرى الأستاذ الباحث في العلاقات الدولية، حسن بلوان، أنّ: "الحديث عن مرحلة انتقالية ضرورة ملحّة لتهيئة الظروف السياسية والقانونية والنفسية لتنزيل هذا المخطط، خاصة وأن الخطاب الملكي الأخير توجّه مباشرة إلى المغاربة الصحراويين المحتجزين في تندوف للانخراط في المبادرة، وبناء النموذج المغربي المشترك في إطار وحدة الأرض والوطن".
اظهار أخبار متعلقة
وأكّد بلوان، في ختام حديثه لـ"عربي21" أنّ: "الكرة الآن في الملعب الجزائري بعد وساطات معلنة تقوم بها مجموعة من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي اقتنعت أنّ مفتاح حل مشكل الصحراء وتنزيل الحكم الذاتي يوجد في قصر المرادية وليس في مخيمات الرابوني بتندوف".
هكذا، يتحول "تحيين المبادرة المغربية" من مجرد تحديث سياسي إلى تحوّل في فلسفة إدارة النزاع، ومن صراع سيادة إلى شراكة تنموية داخل الإطار الوطني. إذ أنّ السيادة في المفهوم المغربي الجديد ليست هي: السيطرة الجغرافية، بل: القدرة على تحويل الأرض إلى فضاء للتنمية والاستقرار.
وبذلك، يبدو أن القرار الأممي الأخير لم يُغلق ملف الصحراء بقدر ما فتح أمامه أفقا جديدا؛ يجعل من الواقعية السياسية مفتاحا للسيادة الحديثة، ومن مبادرة الحكم الذاتي مشروعا سياسيا متجددا يختبر ذكاء الدبلوماسية المغربية، وذلك في أصعب ملفات المنطقة.