الآن تداعى زعماء العرب والمسلمين إلى قمة طارئة في الدوحة، لبحث تداعيات العربدة الصهيونية في المنطقة، فليس لنا إلا أن نبارك اجتماعهم، حتى لو تأخر كثيرا عن آجاله، وكانت النتائج السابقة لقمم القادة مخيبة لآمال الشعوب.
ينبغي، بداية، أن نسجل عتابا شديدا مُوجّهًا لزعماء الأنظمة العربية والإسلامية، وجامعتهم ومؤتمرهم، عن تقاعسهم عن نصرة أهل
غزة طيلة عامين من الإبادة الجماعية التي لا حدود لها، فقد تجاوزت كل القوانين والأعراف والبشاعة الإجرامية.
لماذا لم ينتفض هؤلاء الزعماء بكل ما يملكون من الوسائل المتاحة لهم لأجل كبح الغطرسة الصهيونية ضد الفلسطينيين؟ وتوفير الحد الأدنى من الحماية لشعب يُباد عن بكرة أبيه خارج كل مبادئ القانون الدولي الإنساني، ضمن مخطط مكشوف للتهجير القسري وتوسيع دائرة الاستيطان لتحقيق مشروع “إسرائيل الكبرى” كما يحلم بها التلموديون ومعهم المحافظون الجدد الصهيو-مسيحيون.
هل حُقّ لهم التفرج على المأساة الإنسانية حتى يمتد عدوان الكيان الصهيوني إلى إحدى العواصم العربية، ليلتئم شملهم ويرتفع صوتهم بالصراخ في مواجهة جرائم
الاحتلال الإسرائيلي؟
إنّ هذا الوضع الشاذّ يشكل انطباعًا سيئًا، ولو كان مغلوطًا، لدى الشعوب العربية والإسلامية، بأنّ دماء أشقائنا الفلسطينيين رخيصة أمام سيادة الأقطار الوطنية المرسومة بموجب نتائج سايكس-بيكو!
نغلق قوس اللوم مُتعالين على جراحنا الغائرة، لنعود إلى الحدث المرتقب في الدوحة، أين يجتمع رؤساء وملوك وأمراء الدول العربية والإسلامية وممثلوهم لتدارس السبل الممكنة في لجم العدوان الصهيوني حتى لا يتوسع أكثر، بعدما أشعل الحرب في كامل المنطقة، وجعلها مفتوحة على كل السيناريوهات.
إنّ المطلوب عمليًّا، وقد أبان الصهاينة عن كل نواياهم وأوراقهم، هو قرارات جادة بصبغة تنفيذية لا تقبل التلكّؤ، يمكن أن تردع الكيان الإسرائيلي وترغم حلفاءه الأمريكيين على مراجعة حساباتهم الخاطئة بخصوص التحيز الكامل ضد مصالح الأمة العربية والإسلامية، ولولا الدعم العسكري والدبلوماسي الأمريكي المباشر، لما تجرّأ الاحتلال على كل تلك الممارسات الجنونية ضد الجميع، من دون أي خوف أو حساب لردود الفعل الإقليمية والدولية.
لذلك، رجاء لا تزكموا أنوفنا بأسطوانة الشجب والإدانات، ولا تصدعوا رؤوسنا بالخطب الرنانة ولكنها جوفاء من كل فعل ذي قيمة ولا توجعوا قلوبنا المكلومة بالحديث عن خيارات دبلوماسية مشلولة، بالحديث المجترّ عن التوجه إلى أجهزة الأمم المتحدة لمحاسبة “إسرائيل” عن جرائمها، لأنكم تعلمون يقينًا، أنها، في غياب مبادرات رادعة منكم، ستظل كيانًا مدلّلاً فوق القانون الدولي بحماية الفيتو الأمريكي.
لا مجلس الأمن ولا الجمعية العامة للأمم المتحدة ولا “محكمة لاهاي” ستقتص للفلسطينيين والعرب والمسلمين من الإسرائيليين
لا مجلس الأمن ولا الجمعية العامة للأمم المتحدة ولا “محكمة لاهاي” الدولية ستقتص للفلسطينيين والعرب والمسلمين من الإسرائيليين، فضلا على أن تحقق لهم مشروع الدولة المستقلة على حدودها التاريخية ولا حتى فوق ما تبقى لنا من جيوب الاحتلال الاستيطاني.
طبعًا ليست هذه دعوة لإهمال إحراج الاحتلال الصهيوني ومحاصرته بالإجراءات الدبلوماسية أمام الرأي العام الدولي، لكن المراهنة عليها هي من قبيل الضحك على الذقون وتخدير الوعي الجمعي للأمة بتوظيف أوراق محترقة في صدّ عدوان وجودي على كيانها المادّي والحضاري.
وعليه، فإنّ المطلوب فعليًّا وعاجلاً، إذ لا بديل عنه في ردع الجموح الصهيوني، هو إصدار قرار فوري وإلزامي بقطع الأنظمة المطبعة للعلاقات مع “إسرائيل” وإغلاق سفاراتها ومكاتبها في كل العواصم العربية والإسلامية، بعد طرد كل أعوانها الدبلوماسيين.
ويستلزم التنفيذ الحقيقي لهذا القرار الجماعي كذلك منع كل أشكال التطبيع السياسي والاقتصادي بتجميد كافة اتفاقيات السلام الوهمي، وإعلان تعليق المبادرة العربية 2002 (السلام مقابل التطبيع)، ناهيك عن قطع العلاقات التجارية الرسمية والشعبية.
كما توجب الإرادة السياسية الجادة في ملاحقة الكيان الإسرائيلي إجبار الدول المعنية بإلغاء الاتفاقيات الثنائية مع العدو الإسرائيلي مهما كان شكلها وطبيعتها، وعلى رأسها كل أشكال التنسيق الأمني والاستخباراتي.
وفي حال الامتثال لهذه المطالب الشعبية في المنطقة، يمكن التوجه للمرحلة الموالية بتشكيل “لجنة رئاسية عليا مشتركة” لمتابعة تنفيذ مخرجات
القمة الطارئة، وتفعيل أوراق الضغوط الفعلية لوقف العدوان على غزة، بمنع الطيران المدني الصهيوني من المجال الجوي، ولمَ لا استخدام ورقة النفط والغاز ضد الغرب في ظل الوضع الطاقوي الدولي القائم؟ بما أن القواعد الأمريكية والبريطانية في الخليج العربي لم تعد ضمانة لحماية الدول المتعاقدة، زيادة على مطالبة المحكمة الجنائية بتسليم الإسرائيليين المتورطين لمحاكمتهم على جرائم الحرب.
ستلاحظون أننا لا نقترح على قادة دولنا العربية والإسلامية التدخل العسكري في فلسطين حتى لا نكلفهم ما لا يطيقون، وفق تصريحات رئيس عربي، يخشى على بلاده من الخراب.
بل كل ما نحلم به هو خطوات جدّ ممكنة لو تصدق إرادة هؤلاء القادة في مجاراة تطلعات شعوبهم واستشعار مسؤولياتهم الأخلاقية أمام التاريخ، فماذا عساهم فاعلون؟
الشروق الجزائرية