مقالات مختارة

هل من جديد في الأمن القومي؟

تحسين يقين
الأناضول
الأناضول
ليس لدى دولة الاحتلال دول عربية أبرمت معها اتفاقية أو أخرى لم تفعل، فكل العرب سواء، «والعربي الجيد هو العربي الميت (المستسلم)». لذلك فإنها حينما عقدت أول اتفاقية سلام مع الشقيقة مصر، فإنها لم تنفك تفعل كل ما يعني الحرب لا السلام، وتلك قصة طويلة حاولت فيها دولة الاحتلال والولايات المتحدة تحجيم دور مصر وتقليل قوتها العسكرية والاقتصادية. فهي لم تثق بدولة عقدت معها اتفاقيات، فحربها استمرت، لأنها ليست بصدد تلبية الاستحقاقات المطلوبة وهي تنفيذ قرارَيّ مجلس الأمن 242 و338، وهو الحد الأدنى الذي يمكن من خلاله الوصول لحلّ دائم.

هل تختلف الغزوة الصهيونية على قطر عن غزواتها وحلفائها على بلادنا؟

وهل كانت الدول العربية تحديداً بحاجة لهذه الغزوة حتى تتحرك لمحاولة فعل ما، سياسياً ودبلوماسياً؟

الكلام موجع، ولكن لعل وعسى! والأهم هل سنفعل؟

تأتي الغزوة الأخيرة في سياق ما تفعله دولة الاحتلال منذ عقود، إذا لا شيء يدعو للعجب، أليست هي من حاولت اغتيال خالد مشعل في الأردن الشقيق؟ ولعل ما في السر أكثر منه في العلن.

مرّت عقود صار الحديث فيها عن الوحدة العربية ضرباً من الأوهام الرومانسية، وكان ما كان من تجزئة سلوك الحرب وسلوك طرق التسويات السياسية، وصولاً إلى تحقيق هدف قديم جديد وهو ضرب أي قوة تظهر هنا، وكان ما كان ويكون من شلّ قدرات معظم الجيوش العربية، وهي ماضية نحو شلّها جميعاً.

باختصار لن تهنأ دولة الاحتلال إلا إذا بقيت وحدها لتبيض وتصفر، مستلهمين المثل العربي: خلالك الجو فبيضي واصفري!

وهي إنما تريد موت العروبة تمام، حتى تستفرد بفلسطين، ثم لتنفذ على مهل مخططها الخبيث للتحكم بمحيط فلسطين ومحيط محيطها. وليس في هذا اكتشاف، بل أصبح الحديث علناً بوقاحة غير متوقعة. إنه الغرور الذي نعرفه واختبرناه، وهو غرور لا يريد السلام بل الاستسلام، وهذا ما لا يتفق مع حركة التاريخ.

صحيح أن دولة الاحتلال قصفت عدة دول، آخرها الشقيقة قطر، إلا أن أعينها على مكان آخر، لعله الذي ما زال يؤرقها منذ ما قبل قيامها، وليس فقط الحرب الأخيرة معها في السادس من أكتوبر 1973.

السؤال الآن بعد أن اخترقت الولايات المتحدة ومعها دول غربية، وإسرائيل، معظم منظومات الأمن العربي، هل الساسة العرب قادرون على فعل ما يحفظ ماء وجوههم ويشرعن وجودهم السياسي أمام شعوبهم؟

هل أصبح هذا الاختراق قدراً يجعلنا مستسلمين تماماً أم أن هناك مجالات للمناورة واستعادة الثقة والمبادرة؟

لو تأملنا في أمننا العربي على امتداد عصر ما بعد الاستقلال، سنجد أنه لم يكن محصناً، لكنه كان يمتلك بعض الحدّ الأدنى، لا بسبب السلاح لكن بسبب الإرادات الشعبية الناجمة عن الثورات. وقد ظهر ذلك خلال الاشتباكات أكان ذلك مع الاحتلال الإسرائيلي أو آخرين، إيران مثالاً خلال الحرب مع العراق، باستثناء حرب أكتوبر 1973. ثم كان ما كان من فرقة استمرت، أدخلت دوائر الاستعمار بلادنا، وصولاً إلى تسليحنا بسلاح مقابل استلاب سيادتنا وثرواتنا، وللمفارقة لم يحمنا هذا السلاح، لأن المتحكم فيه بائعه لا نحن، وبائعه ليس صديق عدونا بل حليفه.

لقد تمت برمجة «الربيع العربي» وخلق «الدواعش»، لا من أجل الديمقراطية، فهذا آخر همّ العدو وحلفائه، ولكن للقضاء على الجيوش وتفكيكها في بلادنا، خاصة في الشرق العربي، وليس في هذا اكتشاف، فهل سيكون لتحرك العالم العربي اليوم بعد قصف قطر الشقيقة أثر؟

قبل العرب بما حدث مع بعضهم بعضاً، دون تذكر المثل العربي الشهير، «أكلت يوم أكل الثور الأبيض»، فصارت ثقة العرب بالأجنبي أكثر من العربي.

لا تطيق دولة الاحتلال وجود أي قوة عربية حقيقية، لذلك فليس غريباً أن تتجه أنظار الاحتلال إلى مصر، التي ما زال جيشها بخير، وهي في حيرة في البحث عن طرق للنيل منه.

مفارقات كثيرة في بلادنا، كلما تجمعنا تفرقنا، حتى صارت مؤتمرات القمة لا تثير الانتباه.
مفارقة أخرى، إنه في الوقت الذي كما قلنا عقدت اتفاقية سلام مصر، فإنها حاربتها دون دخان حرب، وهذا أكثر صعوبة، وصولاً إلى وقاحة طلب تهجير شعبنا إلى مصر.

للأسف تأخرنا كثيراً، لأننا كنا نحن والغريب على أخينا وابن عمنا بدلاً من «أنا واخوي ع ابن عمي وانا وابن عمي ع الغريب»!

وحتى نتحدث ما نفيد به عن مستقبل الأمن العربي، هناك بعض ما يمكن فعله، بدءاً بمصر الشقيقة الكبرى، ثم المملكة العربية السعودية.

ربما البدء بإعادة الأمور إلى أصولها يفيدنا، حين حدث في فترة معينة نوع من التعاون العربي وصولاً لحرب أكتوبر التي لم تهزم جيش الاحتلال تماماً لكنها كشفت أنه قابل للهزيمة.

الإرادة سرّ، وفعل التعاون أيضاً سرّ، والتسليح أسرار، في ظل الاختراق الأمني غير المحدود لبلادنا، ولكن إن نوينا سنجد طرقاً للتعاون من أجل القوة التي تخلق التوازن هنا، والتي وحدها ستجبر دولة الاحتلال على تطبيق القرارات الدولية.

في مناورات النجم الساطع الأخيرة، لم تكن الولايات المتحدة في أريحية، فهي من جهة تعرف معنى وجود مصر القويّ في ضمان أمن البحر الأبيض والبحر الأحمر، بما في ذلك قناة السويس، وأفريقيا، ومن جهة أخرى لا تريد لمصر ما تريده مصر لنفسها.
لم تطمئن مصر للاحتلال ولا الاحتلال اطمأن لها يوماً

أما بالنسبة لديون مصر، التي تشكل قلقاً لها، فكان بالإمكان أن تسددها الدول العربية الشقيقة، لأنها لو فعلت لوفرت عليها أضعاف ما تم استلابه منها، تحت وهم الخطر الإيراني؛ فقد كان بإمكان الدول العربية مجتمعة التعامل مع إيران بطريقة تضمن حسن الجوار.

لم تطمئن مصر للاحتلال ولا الاحتلال اطمأن لها يوماً، لسبب أن مصر العميقة تعرف أن فلسطين تشكل عصب أمنها القومي، ولا شك أن دولة الاحتلال تراقب منذ عقود الرأي العام الرسمي والشعبي أكثر، وهي تراها عدوة أكثر من أي شيء آخر. ويأتي ذلك أيضاً في سياق ضمان تفوقها في المنطقة، وهي متحسسة من إيران وتركيا ومصر.

وهنا يحضر دور مصر بالبدء في ترميم الأمن العربي، لكن بوجود العرب معاً، ويمكن الاستمرار بذلك إذا أصبحت فعلاً لدينا إستراتيجية واحدة، فلا ندع (الغريب) يستفرد بأي دولة، ويخوفنا من بعضنا بعضاً، باثاً الفرقة بيننا، وللأسف لا يقوم الإعلام العربي بما يلزم لوقف الفتن الإعلامية المزعجة، التي لن يقطف ثمارها إلا الاحتلال، فما فائدة وما هي أخلاقية الطعن الجاهل في بعضنا بعضاً؟

ليس لدينا الكثير لنقوله، لكن لدى بلادنا القليل لتفعله، ثم ليزداد الفعل. فليست بلاد العرب وجيوشها المتبقية ومقدراتها الاقتصادية مستهدفة فقط، بل إن الحرب لم تقف يوماً عليها.

الأيام الفلسطينية
التعليقات (0)

خبر عاجل