سياسة دولية

هل يرسم الاعتداء الروسي على سيادة بولندا حدودا جديدة للصراع؟

المسيّرات تنذر باختبار الناتو الأصعب منذ عقود- الأناضول
المسيّرات تنذر باختبار الناتو الأصعب منذ عقود- الأناضول
تتصاعد الأزمة الدبلوماسية بين روسيا وأوروبا مع اتساع رقعة المواجهة، بعد اللقاء الذي جمع الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا دون تحقيق انجاز يذكر، وجاءت حادثة إسقاط بولندا 19 طائرة مسيّرة روسية داخل أجوائها لتضيف طبقة جديدة من التوتر، ولتفتح الباب أمام تساؤلات حول احتمالية انتقال الصراع من داخل الأراضي الأوكرانية إلى حدود حلف الناتو نفسه.

وأثارت التطورات الأخيرة جملة من التساؤلات حول مستقبل الحرب واتجاهاتها، أبرزها ما إذا كانت روسيا تسعى عمدا إلى اختبار جاهزية الناتو عبر استهداف بولندا، وما إذا كان الحلف مستعدا للانتقال من سياسة الردع إلى الانخراط المباشر، كما برز سؤال حول قدرة أوروبا على توحيد دفاعها الجوي في مواجهة تهديدات متزايدة، إضافة إلى جدوى العقوبات الاقتصادية التي لوّح بها القادة الغربيون، وإمكانية أن تفتح هذه الحوادث الباب أمام توسع الحرب خارج الأراضي الأوكرانية إلى نطاق أوسع.

وأعلنت بولندا، في 10 أيلول/سبتمبر 2025، عن إسقاط 19 طائرة مسيّرة روسية اخترقت مجالها الجوي خلال هجوم جوي على أوكرانيا، في أول استخدام فعلي للنار من قبل عضو في حلف شمال الأطلسي منذ اندلاع الحرب.

واعتبر رئيس الوزراء دونالد توسك الحادث "أقرب ما يكون إلى نزاع مفتوح منذ الحرب العالمية الثانية"، مشددا على أن الخطوة تثير تساؤلات حول احتمال توسع الصراع، وتحولاته على الصعيد العسكري والدبلوماسي، ومستقبل الدعم الأوروبي لأوكرانيا.

أكدت بولندا أن الهجوم "لم يكن خطأ تقنيا"، موضحة أن مسارات بعض المسيّرات كانت متجهة نحو مطار ريزسوف، مركز رئيسي لنقل الأسلحة إلى أوكرانيا. وقال وزير الخارجية رادوسلاف سيكورسكي إن بلاده تطالب الولايات المتحدة بإظهار تضامن واضح، واصفا ما حدث بأنه رسالة لاستخدام "الحرب الهجينة" واختبار لردود فعل الحلفاء.

وشاركت مقاتلات "إف-16" و"إف-35" بولندية وهولندية في إسقاط ثلاث مسيّرات من أصل 19 دخلت المجال الجوي البولندي، في وقت نفت روسيا مسؤوليتها عن الحادث.

وأدى ذلك إلى تفعيل المادة الرابعة من ميثاق الناتو، التي تتيح استدعاء الحلف للتشاور عند تعرض أحد أعضائه لتهديد مباشر.

وخلال جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي، نفى المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا تورط بلاده، واتهم وارسو بـ"إلقاء اللوم على موسكو دون أدلة".

وقال وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي، الجمعة، الذي يتواجد في كييف خلال بث تلفزيوني بولندي: "لدينا علاقات دبلوماسية مع روسيا، لكنها تقتصر على تبادل الاستدعاءات وتسليم مذكرات الاحتجاج، في الدبلوماسية، تحافظ على قنوات الاتصال ليس فقط مع الأصدقاء، ولكن أيضا مع المنافسين والخصوم. لذلك لا أرى حتى الآن أسبابا لقطع العلاقات".

وأشار سيكورسكي إلى أن بولندا فرضت حظرا على مغادرة  الدبلوماسيين الروس لمنطقة عملهم.

وقال المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف إنه لا يعرف أي طلبات اتصال وردت إلى الكرملين من القيادة البولندية، مشيرا إلى أن قيادة الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو يتهمان روسيا يوميا بالاستفزازات دون تقديم أدلة.

الموقف الأوروبي والأوكراني
أعلن حلف شمال الأطلسي إطلاق عملية "الحارس الشرقي" بمشاركة دول عدة بينها فرنسا وألمانيا والدنمارك والمملكة المتحدة، لتعزيز حماية الحدود الشرقية. وأكد الأمين العام مارك روته أن الانتهاكات "مقلقة للغاية"، مشيرا إلى أن الحلف سيعزز دفاعاته بشكل أوسع.

من جانبه، دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى بناء "درع جوي أوروبي مشترك"، وحذر من احتمال استخدام روسيا وبيلاروسيا تدريباتهما العسكرية المقبلة كغطاء لشن استفزازات جديدة. فيما أعلن قادة أوروبيون، منهم رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، عن إرسال قوات وأصول جوية لدعم العملية الأمنية.

وبدورها، تعهدت الولايات المتحدة بالدفاع عن "كل شبر" من أراضي الناتو. وأكد القائد الأعلى لقوات الحلفاء في أوروبا، الجنرال أليكسوس غرينكوفيتش، أن الرد السريع يثبت التزام الحلفاء بحماية بولندا وجميع الأعضاء.

هل يؤشّر الحادث إلى توسّع الحرب؟
قال محللون لصحيفة "الغارديان" إن "إسقاط بولندا لمسيّرات روسية يمثل تطورا خطيرا، وقد يكون بداية انتقال النزاع من حرب داخل أوكرانيا إلى نزاع يشمل حدود الناتو".

وأوضحت "واشنطن بوست" أن تفعيل المادة الرابعة يضع تهديد أمن أي عضو على طاولة التشاور العاجل، مؤكدة أن الخطوة تعكس مستوى الخطر غير المسبوق على حدود الحلف.
ما الأثر المحتمل على صلابة الدفاع الأوروبي؟

ورجّح مسؤولون أوروبيون أن الحادث سيسرّع خطوات توحيد الدفاع الجوي داخل الاتحاد الأوروبي، خصوصا لدى الدول المجاورة لأوكرانيا، كما أعلنت ألمانيا تمديد مهمات الشرطة الجوية فوق بولندا، فيما دفعت فرنسا بمقاتلات "رافال" لتعزيز الغطاء الجوي.

وتأتي التطورات بالتزامن مع أكبر هجوم روسي جوي على أوكرانيا منذ بداية الحرب، إضافة إلى مناورات عسكرية روسية-بيلاروسية قريبة من الحدود البولندية، ما يعكس انتقال التصعيد إلى مرحلة جديدة قد تتجاوز الحدود الأوكرانية.

السيناريوهات المحتملة
قالت وكالة "رويترز" أن الحادثة قد تقود إلى تصعيد عسكري مضبوط من جانب الناتو، عبر تعزيز الانتشار على الحدود الشرقية وتكثيف الدوريات الجوية، دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة مع روسيا.

وأشارت الوكالة إلى أن إطلاق عملية "الحارس الشرقي" بمشاركة فرنسا وألمانيا وبريطانيا والدنمارك يعكس خيار الحلف في رفع الجاهزية الدفاعية كرسالة ردع لا كخطوة هجومية مفتوحة.

وذكرت واشنطن بوست أن أوروبا قد تتجه نحو تسريع تكامل أنظمة الدفاع الجوي، استجابة لدعوات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لبناء "درع جوي أوروبي مشترك".

وأوضحت الصحيفة أن الحادثة شكّلت دافعاً إضافياً لإعادة تقييم القدرات الدفاعية الأوروبية، خصوصاً لدى الدول القريبة من أوكرانيا والتي ترى نفسها في مرمى التهديدات الروسية.

كما نقلت "رويترز" عن دبلوماسيين أوروبيين أن السيناريو الثالث يرتبط بالمسار الدبلوماسي والقانوني، إذ أدانت دول غربية عدة خرق الأجواء البولندية واتهمت موسكو بانتهاك القانون الدولي. وأكدت الوكالة أن توسيع العقوبات لتشمل قطاعات إضافية من الاقتصاد الروسي يبقى مطروحاً بقوة، في وقت يراهن فيه الحلفاء على الضغط السياسي والاقتصادي كوسيلة لاحتواء التصعيد دون الوصول إلى صدام شامل.

وختمت رويترز بالإشارة إلى أن جميع الخيارات ما زالت مطروحة أمام الناتو، من التصعيد العسكري المحدود إلى العقوبات الأوسع، لكن المرجّح وفق دبلوماسيين أوروبيين هو الجمع بين تعزيز الوجود الدفاعي على الحدود الشرقية واستمرار الضغط السياسي والاقتصادي على موسكو.

وفي السياق نفسه، رأت واشنطن بوست أن الحادثة أبرزت هشاشة الوضع الأمني في أوروبا الشرقية، ما يجعل أي خطوة قادمة مرتبطة بمدى قدرة الحلفاء على الحفاظ على توازن بين الردع العسكري وتفادي الانزلاق إلى مواجهة شاملة.
التعليقات (0)