بورتريه

بيدرو سانشيز حين يغرد خارج السرب الأوروبي (بورتريه)

يبدي سانشيز مواقف ناقدة للاتحاد الأوروبي فهو يعتبر رد فعل أوروبا تجاه الحرب على غزة فاشلا- عربي21
يبدي سانشيز مواقف ناقدة للاتحاد الأوروبي فهو يعتبر رد فعل أوروبا تجاه الحرب على غزة فاشلا- عربي21
كان من القادة الغربيين القلائل الذين وصفوا جرائم الاحتلال في غزة بـ"الإبادة الجماعية".
وصل به الأمر أن قال "كما تعلمون، لا تملك إسبانيا قنابل نووية، ولا حاملات طائرات، ولا احتياطيات نفطية ضخمة. لا نستطيع وحدنا وقف الهجوم الإسرائيلي. لكن هذا لا يعني أننا سنتوقف عن المحاولة".

لم تكن هذه الكلمات بيانا عسكريا صاغه جنرال عربي تعرف البطحاء وطأته، وإنما نطق بها سياسي غربي أوروبي اشتراكي معتدل رغم أن معارضيه يصفونه بأنه "يساري متطرف وخطير".
ولد بيدرو سانشيز في عام 1972 بمدريد لأب اقتصادي ورجل أعمال وأم محامية وعاملة عامة في دائرة الضمان الاجتماعي.

تخرج من مدرسة "راميرو دي مايزتو" حيث لعب كرة السلة مع فريق "إستوديانتيس كانتيرا" وهو ناد محترف له صلات مع المدرسة، ووصل معه إلى فريق ما دون 21 عاما.

التحق في عام 1990 بجامعة "كومبلوتينسي" بمدريد لدراسة الاقتصاد وعلوم الأعمال.

كما نال شهادة في السياسة والاقتصاد في عام 1998 من جامعة "بروكسل الحرة" وشهادة في قيادة الأعمال من كلية الأعمال في جامعة "نافارا"، ونال درجة الدكتوراه في الفلسفة في إدارة الأعمال والاقتصاد عام من جامعة "كاميلو خوسيه سيلا" وحملت أطروحة الدكتوراه الخاصة به عنوان " الدبلوماسية الاقتصادية الأوروبية الجديدة".

التحق بالعمل السياسي بانضمامه في عام 1993 إلى صفوف حزب "العمال الاشتراكي" بعد فوز فيليبي غونزاليز في الانتخابات البرلمانية في ذلك العام.

اظهار أخبار متعلقة


وعمل قبل ذلك مساعد برلماني في البرلمان الأوروبي، ورئيس موظفي الممثل الأعلى للأمم المتحدة في البوسنة خلال حرب كوسوفو، وكان أيضا بروفيسورا في الاقتصاد.

ترشح في عام 2003 لانتخابات مجلس مدينة مدريد ضمن قائمة حزب "العمال الاشتراكي" ولم يصبح سانشيز عضوا في مجلس المدينة إلا بعد مرور عام، حين استقال اثنان من أعضاء المجلس الاشتراكي.

وسرعان ما أصبح واحدا من المكونات الأساسية لفريق زعيم المعارضة ترينيداد خيمينيز. وبقي عضوا في مجلس مدينة مدريد، ممثلا عن حزب في الفترة ما بين عامي 2004 و2009، حيث انتخب فيما بعد عضوا في البرلمان الأسباني وبقي حتى عام 2014 حين تولى قيادة "العمال الاشتراكي" ثم أصبح زعيما للمعارضة.

قاد سانشيز الحزب خلال الانتخابات العامة غير الحاسمة لعامي 2015 و2016، إلا أنه استقال من منصب رئيس الحزب بعد فترة وجيزة من الانتخابات إثر خلافات عامة مع السلطة التنفيذية للحزب، ورغم ذلك فقد أعاد الحزب انتخابه زعيما له في عام 2017.

وسيدعو في العالم التالي إلى تصويت لحجب الثقة عن رئيس الوزراء ماريانو راخوي، لينجح في تمرير القانون بعد الفوز بتأييد أحزاب المعارضة اليسارية وأيضا تأييد مختلف الأحزاب القومية والإقليمية.

أدى سانشيز فيما بعد اليمين الدستورية كرئيس للوزراء، وتابع طريقه لقيادة "العمال الاشتراكي" ليحصل على 38 مقعدا في الانتخابات العامة التي جرت في عام 2019، وكان ذلك أول انتصار وطني للحزب منذ عام 2008 ليشكل حكومة ائتلاف مع حزب "أونيداس بوديموس" اليساري.

وعلى وقع الحرب الوحشية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ نحو عامين، اتخذت حكومته بضغط من أحزاب اليسار المشاركة في حكومته موقفا نقديا لجرائم الاحتلال في القطاع، وتطور الموقف، مع تصاعد هذه الجرائم بطريقة لم يعد العالم يستطيع التعايش معها، إلى أن وصل إلى الموقف الحالي.

فقبل يومين، صرح سانشيز إن بلاده "لا تملك قنابل نووية أو حاملات طائرات لإيقاف الهجوم الإسرائيلي بمفردها" مضيفا "استمرار الهجوم الإسرائيلي على غزة إبادة جماعية"، وقال "لدينا أهداف تستحق القتال من أجلها، حتى لو لم نستطع وحدنا تحقيق النصر".

هذه المصارحة العلنية أثارت هياجا وضجيجا وصراخا في تل أبيب فقد سارع رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى الكتابة على منصة "أكس" باللغة الإنكليزية، معتبرا أن تصريح سانشيز "تهديد بإبادة جماعية واضح للدولة اليهودية الوحيدة في العالم". ووصف كلام سانشيز بأنه "خطير وغير مسبوق"، مدعيا أنه "يعكس توجها عدائيا ضد إسرائيل". 

ويأتي التوتر الجديد بين تل أبيب ومدريد على خلفية انتقادات متكررة وجهتها حكومة سانشيز لحرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، ودعواتها المتواصلة لوقف إطلاق النار وفرض عقوبات على دولة الاحتلال.
وأعلن سانشيز، فرض حظر على الأسلحة، ومنع السفن التي تحمل وقودا للجيش الإسرائيلي من الرسو في موانئ بلاده، ومنع الطائرات التي تحمل معدات دفاعية إلى الاحتلال من استخدام المجال الجوي الإسباني.

اظهار أخبار متعلقة


كما سيتم أيضا، وفق سانشيز، منع جميع المتورطين بشكل مباشر في الإبادة الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب في قطاع غزة من دخول إسبانيا، وحظر استيراد المنتجات القادمة من الأراضي الفلسطينية المغتصبة.

وردا على القرارات الإسبانية، فرضت حكومة الاحتلال عقوبات على وزيرتين إسبانيتين، لتأكيدهما ارتكاب تل أبيب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وهما نائبة رئيس الوزراء وزيرة العمل يولاندا دياز، ووزيرة الشباب والأطفال سيرا ريغو، حيث سيتم منعهما من دخول تل أبيب. كما شن وزير الخارجية الإسرائيلي هجوما شديدا على الحكومة الإسبانية، قائلا إنها "تقود خطا عدائيا معاديا لإسرائيل بخطاب يقطر كراهية"، وتشن "هجوما متواصلا معاديا للسامية"، وفق زعمه.

يبدو سانشيز، وكأنه يقود سربا من السياسيين الأوربيين الذين أخذوا يتحدثون بصوت مرتفع عن غطرسة نتنياهو وعن جرائم ترتكب يستخدم فيها التجويع كسلاح.

ويبدي سانشيز مواقف ناقدة للاتحاد الأوروبي فهو يعتبر رد فعل أوروبا تجاه الحرب على غزة " فاشلا " و"يخاطر بتقويض مصداقيتها العالمية". بحسبه.

ولا يظهر سانشيز إعجابه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب فقد أشار إلى أن "الحقيقة الأكثر صدمة التي نواجهها هي أن المهندس الرئيسي للنظام العالمي، وهي أميركا بعد الحرب العالمية الثانية، تعمل على إضعاف هذا النظام العالمي، وهذا أمر لن يعتبر إيجابيا بالنسبة للمجتمع الأميركي أو بقية العالم - خاصة الدول الغربية". بحسب قوله.

سانشيز يخوض معركته على عدة جبهات مفتوحة، فهو مقبل على انتخابات برلمانية حاسمة في ظل هجوم المعارضة الإسبانية على حكومته واستدعاء القضاء زوجة سانشيز في إطار تحقيق باختلاس أموال.

وهذا التحقيق واحدا من عدة قضايا فساد تورطت فيها الدائرة المقربة من سانشيز، والتي دفعت المعارضة إلى المطالبة باستقالته.

لكن سانشيز يراهن على تجاوز حكومته لهذه العاصفة بدعم من حلفائه في اليسار، وبناء على موقفه الأخلاقي جدا من جرائم الحرب في قطاع غزة والتي لا تغيب أبدا عن أي تصريحات إعلامية له.
التعليقات (0)