أثار خبر
وفاة رئيس محكمة
جنايات القاهرة الأسبق، المستشار
شعبان الشامي، حالة من الجدل
الواسع في
مصر، خاصة أنه يعد أحد أبرز القضاة الذين ارتبطت أسماؤهم بإصدار أحكام
إعدام جماعية في قضايا سياسية منذ عام 2013، وهو العام الذي شهد انقلابا عسكريا
قاده عبد الفتاح السيسي على الرئيس المنتخب محمد مرسي.
وتوفي الشامي
عن عمر ناهز 72 عامًا، بعد صراع مع المرض، لكن اللافت أن جنازته، التي شيعت في أحد
مساجد القاهرة، غاب عنها أي تمثيل رسمي بارز من الدولة أو السلطة القضائية، في
مشهد عكس -بحسب مراقبين- تراجع الدور العلني لبعض رموز القضاء بعد انتهاء موجة
القمع الكبرى في السنوات التي تلت الانقلاب.
وقد تولى
الشامي رئاسة محكمة جنايات القاهرة التي نظرت في هاتين القضيتين، وأصدر أحكامًا
بالإعدام على الرئيس الراحل محمد مرسي وعدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين.
تُعتبر هذه
الأحكام من أبرز القضايا التي أثارت جدلاً واسعًا في مصر، حيث وُصفت من قبل منظمات
حقوقية بأنها تفتقر إلى معايير المحاكمة العادلة، واعتمدت على اعترافات مشكوك في
صحتها.
قاضي
الإعدامات.. أداة للنظام؟
اشتهر
المستشار شعبان الشامي في الأوساط الإعلامية والحقوقية بلقب "قاضي
الإعدامات"، نظرًا لتوليه رئاسة الدائرة التي أصدرت أحكامًا بالإعدام ضد
قيادات بارزة من جماعة الإخوان المسلمين، وفي مقدمتهم الرئيس الراحل محمد مرسي، في
ما عُرف بقضية "اقتحام السجون".
وأصدر المستشار
شعبان الشامي نحو 122 حكمًا بالإعدام في قضايا سياسية بارزة، من بينها قضيتي
"التخابر مع حماس" و"الهروب من سجن وادي النطرون".
في 16 حزيران
/ يونيو 2015، أصدر الشامي حكمًا بالإعدام بحق مرسي وقيادات أخرى مثل محمد بديع،
رشاد البيومي، سعد الكتاتني، عصام العريان، ومحمد البلتاجي، ضمن قضية أثارت
استهجانًا حقوقيًا واسعًا، محليًا ودوليًا.
وعلى الرغم
من أن محكمة النقض ألغت لاحقًا بعض هذه الأحكام، إلا أن دور الشامي بقي موضع
انتقاد لكونه، برأي منظمات حقوقية، استخدم منصة القضاء لترسيخ سياسات القمع.
اظهار أخبار متعلقة
وفي قضية
"التخابر مع حماس"، أصدر الشامي حكمًا بإحالة أوراق 16 متهمًا إلى
المفتي، من بينهم مرسي وقيادات أخرى، بتهمة التخابر مع جهات أجنبية، أما في قضية
"الهروب من سجن وادي النطرون"، فقد حكم بإعدام مرسي وخمسة آخرين
حضورياً، و94 متهمًا غيابيًا، من بينهم الداعية الراحل يوسف القرضاوي ووزير
الإعلام الأسبق صلاح عبد المقصود.
جنازة بلا
رموز
خلال تشييع
جثمان القاضي الراحل، غابت رموز القضاء والسلطة التنفيذية، وهو ما فسره بعض
المحللين بأنه تعبير عن نهاية مرحلة، كان فيها القضاء إحدى الأدوات الفاعلة في قمع
المعارضين، خاصة الإسلاميين.
وقد فسر هذا
الغياب بأن دور الشامي قد انتهي من المشهد السياسي بعد أن خدم النظام وقدم ما يريد
من خلال أحكام الإعدامات على المعارضين للنظام بعد الانقلاب العسكري، وأيضًا على
أنه محاولة لإبعاد السلطة الحالية نفسها عن سجل الانتهاكات التي باتت محل إدانة
متزايدة من المجتمع الدولي.
أرقام مرعبة:
أحكام الإعدام السياسية منذ 2013
بحسب بيانات
موثقة من "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان" ومركز "الشهاب لحقوق
الإنسان"، فإن الفترة من 2013 إلى 2025 شهدت صدور ما لا يقل عن 1565 حكمًا
بالإعدام في قضايا ذات طابع سياسي.
وأشار التقارير
أنه تم تنفيذ 97 حكمًا منها حتى نهاية 2021، فيما ينتظر 81 شخصًا تنفيذ الأحكام
الصادرة بحقهم في سجون النظام المصري، وهذه الأرقام لا تشمل الأحكام الجنائية
العامة، بل تنحصر في تلك المتعلقة بالمواقف السياسية والمعارضة.
أبرز قضاة
الإعدامات
لم يكن شعبان
الشامي وحده في صدارة من أصدروا أحكامًا بالإعدام على خلفية سياسية، فقد ضمت
القائمة عددًا من القضاة الذين عُرفوا بمواقفهم المتشددة، وغالبًا ما رافقت
أحكامهم انتقادات حول غياب العدالة ومعايير المحاكمة النزيهة.
وضمت قائمة
القضاة بأبرز القضاة وعدد أحكام الإعدام التي أصدروها وفق ما وثقته تقارير حقوقية،
حيث شارك المستشار شعبان الشامي عدد من القضاة الذين باتوا يعرفون في وسائل
الإعلام الحقوقية بـ"قضاة المقصلة"، نظرًا لتوسعهم في إصدار أحكام
الإعدام، لا سيما في القضايا ذات الطابع السياسي.
يأتي في
مقدمة هؤلاء القاضي محمد ناجي شحاتة، الذي يُعتبر الأكثر شهرة وجدلاً، حيث أصدر ما
لا يقل عن 263 حكمًا بالإعدام، في قضايا مثل "خلية الماريوت"
و"أحداث مجلس الوزراء" و"أحداث مغاغة".
وقد ارتبط
اسمه بمواقف إعلامية شديدة الانحياز ضد المعارضين، مما دفع منظمات دولية إلى
التشكيك في حياده، حيث قضى في قضية "مذبحة كرداسة بإعدام 183 متهمًا في شباط
/ فبراير 2015.
كما ضمت
القائمة المستشار سعيد يوسف صبري، رئيس محكمة جنايات المنيا والذي أصدر حكماً
بإعدام 528 متهماً من أنصار الإخوان المسلمين في مصر لتورطهم في أعمال عنف عقب فضّ
اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة بمحافظتي القاهرة والجيزة، أنه لم يغادر
منزله منذ صدور الحكم في 24 مارس الماضي وحتى الآن بسبب التهديدات التي تلقاها من
جانب أنصار الإخوان.
واشتهر صبري
في الأوساط القضائية بأحكامه السريعة والقاسية والمبالغ فيها، حيث أصدر حكما بسجن
متهم بـ30 عاما لسرقته "عباءة حريمي" من أحد المحلات التجارية، كما أصدر
حكما بسجن عاطل 15 عاما لاتهامه "بمعاكسة" طالبة ثانوية، لكن أحكامه
القاسية لم تجد طريقها إلى مدير أمن بني سويف ورفاقه المتهمين بقتل متظاهري ثورة
25 يناير في بني سويف، بعد أن قضى ببراءتهم من جميع التهم بعد عامين ونصف من
المحاكمة.
أما القاضي
سعيد صبري، فاشتهر برئاسته لمحكمة جنايات الجيزة التي نظرت في قضية فض اعتصام
"كرداسة"، وأصدر خلالها نحو 220 حكمًا بالإعدام، كان من بينها أحكام
جماعية طالت متهمين غيابيًا، وهو ما أثار انتقادات واسعة آنذاك.
اظهار أخبار متعلقة
وأصدر القاضي
محمد شيرين فهمي، والمعروف بلقب "قاضي الإعدامات الهادئ"، أصدر هو الآخر
عشرات الأحكام بالإعدام في قضايا مثل "أنصار بيت المقدس" و"التخابر
مع حماس"، بعد قبول الطعن فيها أُعيدت المحاكمة أمام محكمة جنايات القاهرة
برئاسته .
ورغم طابعه
الهادئ في الجلسات، إلا أن قراراته اتسمت بالشدة، ووصفتها منظمات حقوقية بأنها ذات
دوافع سياسية.
ومن القضاة
الذين برزت أسماؤهم كذلك، القاضي حسن فريد، والذي تولى النظر في قضايا بارزة مثل
"عرب شركس" و"أجناد مصر"، وأصدر خلالها ما يزيد عن 50 حكمًا
بالإعدام، بينها أحكام تم تنفيذها رغم اعتراضات حقوقية قوية تتعلق بحدوث تعذيب
وانتهاكات لحقوق المتهمين.
أما القاضي
حسين قنديل، فرغم أن عدد الأحكام التي أصدرها لم يُحصر بدقة، إلا أنه ترأس عددًا
من الدوائر التي نظرت في قضايا سياسية، وأصدر خلالها أكثر من 10 أحكام بالإعدام في
قضايا أجمعت منظمات حقوقية على افتقارها لمعايير المحاكمة العادلة.
منظمات حقوقية: مصر الأولى عربيًا في الإعدامات
هؤلاء القضاة
-وفق تقارير حقوقية موثقة من الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، والمركز العربي
للعدالة، ومنظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية- لعبوا دورًا حاسمًا
في ترسيخ حالة القمع القضائي في مصر، حيث تحولت منصات العدالة إلى ساحات لمعاقبة
الخصوم السياسيين، بدلًا من أن تكون حصنًا لحماية الحقوق والحريات.
وفق تقارير
صادرة عن "منظمة العفو الدولية"
(Amnesty International) و"المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، تصدرت مصر
قائمة الدول العربية من حيث عدد أحكام الإعدام المنفذة خلال السنوات الماضية.
وأشارت
"العفو الدولية" في تقريرها السنوي لعام 2022 إلى أن مصر نفذت ثاني أعلى
عدد من الإعدامات في العالم بعد إيران، واحتلت المرتبة الأولى عربيًا.