اكتمل وصول الكرادلة الناخبين الـ133 إلى روما، استعدادًا لانطلاق المجمع البابوي لاختيار خليفة للبابا فرنسيس. حيث، يجتمع ممثلو 70 دولة في كونكلاف هو الأكثر تنوعًا في تاريخ
الفاتيكان. ومع تصاعد الترقب وتزايد الرهانات، تترقب الأنظار الدخان الأبيض من كنيسة سيستينا لإعلان الزعيم الروحي الجديد لـ1.4 مليار كاثوليكي حول العالم.
وسيجتمع الكرادلة الناخبون أي الذين تقل أعمارهم عن 80 عاما بدءا من الأربعاء في كنيسة سيستينا وسيواصلون عمليات التصويت سرا حتى يحصل أحدهم على أغلبية الثلثين.
وفي مؤشّر إلى اقتراب المجمّع البابوي، وضع عمّال صباح الإثنين ستارا أحمر على شرفة بازيليك القدّيس بطرس التي سيطل
البابا الجديد منها للمرة الأولى.
"مرشد"
وكما هو الحال منذ بداية فترة ما يعرف بشغور الكرسي الرسولي ("سيدي فاكانتي") إثر وفاة
البابا فرنسيس، اجتمع الكرادلة الناخبون وغير الناخبين الإثنين في "جلسات عامة" مغلقة يحدّدون خلالها مواصفات البابا المقبل وأولويّات حبريته.
ووصفوا البابا المقبل صباحا بأنه "شخصية يجب أن تكون حاضرة، وقريبة، وقادرة على العمل كجسر ومرشد" لـ "الإنسانية المضطربة".
واعتبروا أنه سيتعين في المستقبل على هذا "الراعي القريب من حياة الناس" أن يواجه العديد من التحديات بينها الأزمة البيئية والحروب و"انقسامات العالم"، ولكن أيضا "الانقسامات الداخلية للكنيسة"، طارحين صورة تحاكي صفات البابا الراحل.
اظهار أخبار متعلقة
وكان فرنسيس بابا "ثوريا" بالنسبة للبعض وقد شهدت حبريته الممتدّة على 12 سنة شعبية كبيرة لكنّها لقيت أيضا معارضة داخلية قويّة.
وعيّن البابا الأرجنتيني اليسوعي الذي أطلق ورشة إصلاحية كبيرة في المؤسسة الكنسية حوالي 80 % من الكرادلة المخوّلين بالتصويت، خصوصا من البلدان المهمّشة من الكنيسة أو البعيدة عن أوروبا.
ونتيجة لذلك، يعدّ المجمّع البابوي هذا (كونكلاف) الأكثر تمثيلا لدول العالم في تاريخ الفاتيكان مع 70 دولة تمثّل القارات الخمس ومن أكثر المجمّعات انفتاحا.
ومن بين الكرادلة الأوفر حظّا لتولّي رئاسة الكنيسة الكاثوليكية والأكثر أهلا لها، الإيطالي بييترو بارولين ومواطنه بييرباتيستا بيتسابالا والمالطي ماريو غريش والفيليبيني لويس أنطونيو تاغلي ورئيس أساقفة مرسيليا الفرنسي جان-مارك أفلين. وقد احتفل عدد منهم هذا الأحد بالقدّاس الإلهي في الكنيسة التي عيّنت لهم وقت تسميتهم وسط متابعة واسعة من الصحافة.
"مفاجأة"
لكن كما كان الحال مع انتخاب رئيس أساقفة بوينوس أيرس خورخي بيرغوليو سنة 2013، قد تحدث أيضا هذه المرّة "مفاجأة"، بحسب ما قال ماركو بوليتي الخبير الإيطالي في شؤون الفاتيكان لوكالة فرانس برس، مشيرا إلى أنه "الكونكلاف الأكثر إثارة للاهتمام في السنوات الخمسين الأخيرة".
وتسري مقولة شائعة في روما مفادها "من يدخل بابا إلى الكونكلاف يخرج منه كاردينالا".
ومنذ عدّة أيّام، تجري التحضيرات على قدم وساق في الفاتيكان خصوصا مع إعادة تنظيم كنيسة سيستينا التي ستحتضن المراسم الانتخابية المهيبة الموروثة من القرون الوسطى بعد ظهر الأربعاء وسط اللوحات الجدارية الفريدة للفنان الإيطالي ميكيل أنجيلو وأشهرها "يوم الحساب".
والاثنين، دعي الموظفون المحيطون بالكرادلة أثناء المجمع البابوي من عمال النظافة والطهاة والأطباء وغيرهم إلى قسم اليمين متعهدين بالحفاظ على السرية تحت طائلة الحرمان الكنسي.
وفي الأيّام المقبلة، يجري الكرادلة المنقطعون عن العالم الخارجي أربع دورات تصويت في اليوم، اثنتان منها صباحا واثنتان بعد الظهر في اقتراع سرّي تحرق أوراقه لاحقا في موقد.
وعيون العالم ستكون شاخصة على المدخنة المعدنية للكابيلا التي سينبعث منها بعد كلّ جولتي اقتراع دخان أبيض في حال انتخاب البابا وأسود في حال عدم بلوغ أغلبية الثلثين (89 صوتا).
وفي ساحة القدّيس بطرس، كشف بعض المحتشدين عن آمالاهم وتوقّعاتهم لمراسلي وكالة فرانس برس.
اظهار أخبار متعلقة
وقالت فاليريا سيريني، وهي إيطالية في الثلاثين: "آمل أن تنتخب شخصية بروحية فرنسيس في ما يخصّ حقوق الإنسان والأقلّيات والمثليين والبيئة"، مع التشديد على أن "الجنسية لا تهمّ. فقد رسم فرنسيس خطّا جديدا ولا بدّ من أن يستمر أحدهم على هذا النهج".
وتمنّى الشاب الموزمبيقي ليونيل ريبييرو (21 عاما) أن "يكون البابا أفريقيا... إنه لأمر رائع وعادل".
أما السبعينية الألمانية ماريتس غرويتر، فأملت أن يحذو البابا العتيد "حذو فرنسيس كي يكون للنساء صوت في الكنيسة"، مشدّدة على ضرورة أن "يذهب البابا المقبل أبعد من ذلك بكثير".
"إعادة اللحمة"
من العنف الجنسي إلى قلّة الإقبال على العمل الكهنوتي، كثيرة هي التحدّيات التي تنتظر البابا العتيد في عالم تعصف به نزاعات كبيرة ويشهد تصاعدا للحكومات الشعبوية وتطوّرا للذكاء الاصطناعي وأزمة بيئية.
وهذا المجمّع الانتخابي الذي يتابعه أكثر من خمسة آلاف صحافي يثير اهتماما يتخطّى بحدوده الأوساط الدينية، كما يظهر من المراهنات الواسعة على اسم البابا الجديد التي بلغت ملايين اليوروهات والإقبال الكثيف على الألعاب الإلكترونية أو مشاهدة فيلم عن الكونكلاف صدر في العام 2024.
وبما إن أوروبا باتت "هرمة ومنهكة"، فمن "الطبيعي" أن يكون البابا المقبل من "أفريقيا أو آسيا"، على ما قال الكاردينال السويدي أندرس أربوريليوس في مقابلة الأحد لصحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية.
وبالنسبة إلى الكاردينال جان-بول فيسكو رئيس أساقفة الجزائر، لا يكمن الشرخ "بين الجنوب والشمال أو بين من هو قريب أو من هو بعيد" بل بالأحرى بين "من يعتبرون أنه من الضروري إعادة تأطير الأمور ومن يدعون إلى مواصلة الورشة" الإصلاحية.
اظهار أخبار متعلقة
والكندية ميشلينا لافوراتوري هي أيضا من هذا الرأي. وقالت السبعينية الأحد خلال زيارتها الفاتيكان: "أحبّ الكنيسة التقليدية وآمل أن يحافظ البابا على التقاليد المعتمدة منذ ألفي عام وألا يبدّلها".
وفي ظلّ الانقسام الشديد الذي تشهده الكنيسة، "يمكن القول على سبيل التبسيط إن الخيار هو بين بابا يكبح وآخر يتقدّم ببطء. فالجميع يعلم أنه لن يكون هناك فرنسيس ثان"، على ما قال ماركو بوليتي.
ولا بدّ في ظل هذا الانقسام من أن يكون البابا شخصية "توافقية" قادرة على "إعادة اللحمة" بين التيّارات المختلفة، وفق بوليتي.