كتب

ما هي قصة تهجير الموريسكيين ومسلمي إسبانيا؟ قراءة في كتاب

لم تكتف السلطات في إسبانيا بما فعله أجدادهم الأوائل من جرائم إبادة وتهجير قصري بحق مسلمي الأندلس" الموريسكيين"، الذين تعرضوا للتعذيب والطرد بعد سقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس عام 1492م..
لم تكتف السلطات في إسبانيا بما فعله أجدادهم الأوائل من جرائم إبادة وتهجير قصري بحق مسلمي الأندلس" الموريسكيين"، الذين تعرضوا للتعذيب والطرد بعد سقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس عام 1492م..
الكتاب: مأساة أقلية "شعب الموريسكيين"
المؤلفون: عبد اللطيف عبد الغني مشرف، صباح الدين الزعيم، خضر عيد سرحان
الناشر : دار البشير للثقافة والعلوم، الطبعة الأولى ، 2024م
عدد الصفحات: 176


سقطت دولة الإسلام في الأندلس مثل تساقط أوراق الخريف، فكان فصل الخروج من الأندلس والطرد لشعب بأكمله من موطنه بطريقة تعسفية من قبل الإسبان، وتحول شعب الأندلس إلى أقلية مهجورة بعد أن كانوا أًصحاب حضارة، وكلمة، وقوة لا يستهان بها في أراضي إسبانيا، والبرتغال، وأصبح شعب الموريسكيين كما أطلق عليهم بحق مأساة حقيقة، مازالت خبايا ما جرى معهم حبيسة الأدراج، والوثائق غير المعلنة، وتحولوا إلى أقلية بعد أن كانوا مجتمعا يفخر بإنجازاته واقتصاده القوي، قبل صدور قرار الطرد 1609 م.

كان المسلمون في إسبانيا طوال ما يقرب من قرنين من الزمان قبل سقوط دولة الإسلام في غرناطة عام 1492م، ينقسمون إلى قسمين، القسم الأول: يعيش في مملكة غرناطة المستقلة العربية اللسان في عهد بني نصر، والقسم الثاني: يعيش في كنف ممالك مسيحية شتى يطلق عليهم المدجنون، إذ كانت المدن والحواضر الأندلسية تقاوم حتى اجتياحها، يطرد سكانها كما حدث في مالقة 1487م.

ما أصعب أن يترك الإنسان وطنه وماله وذكرياته عنوة، أن يسلب منه ذاته وتاريخه، أن يبصر إلى مستقبله، ومستقبل أولاده يجد مجهولا، بل الأصعب من كل هذا أن تجد نفسك بلا وطن، بعد أن كنت تمتلك الحضارة والتاريخ والثروة والأرض والوطن، تجد نفسك مشردا دون وطن أو هوية تحمل معاني الانتماء، مآسي عديدة عاشتها الشعوب الإٍسلامية، أشدها مأساة الموريسكيين، بل وأصعبها، التي تفاقمت على مدار عقود ماضية دون التفاتة من المنظمات الدولية والإنسانية التي نادت بحرية الإنسان ومعتقداته، وحذرت من انتهاك حقوقه الخاصة والعامة في دول أوروبا.

صفحات منسية:

على أهمية قضايا الموريسكيين؛ إلا أنها تعتبر من القضايا المنسية في المدرسة التاريخية العربية التي لم تهتم بها إلا نادراً، بل إن الموضوع تعرض لشبه إهمال مع أنه حظي باهتمام الإسبان بشكل عام، وبعض المؤرخين في المغرب يقول الكتاب: "مع أن قصص الموريسكيين هي من القصص، التي حدثت بالفعل منذ أواخر القرن  الخامس عشر الميلادي، واكتملت نهايتها مع النصف الأول من القرن السابع عشر، فمن المثير أنها تكررت مع بعض الاختلافات في سبتة ومليلية، وأبخازيا، وفلسطين، وجامو، وكشمير وبلاد العالمين العربي والإسلامي حيث ضاعت مناطق شاسعة من الأراضي، وهاجرت ملايين البشر من أوطانها لأسباب عديدة" (ص12).

الموريسكيون، هم الأندلسيون المبعدون من بقايا الأمة الأندلسية المغلوبة، الذين عاشوا تحت الحكم الإسباني؛ بعد إجبارهم على اعتناق المسيحية زهاء قرن من الزمن؛ منذ أن أصدر الملك فيليب الثالث عام 1609 م قراراً، بطردهم من إسبانيا بعد محاولات متعددة، ويائسة لإخراجهم من دينهم، واعتناق المسيحية، لكن دون جدوى، الأمر الذي اضطرهم إلى مغادرة أراضيهم، والاتجاه نحو الجنوب، حيث استقروا بأنحاء مختلفة من إسبانيا، والبرتغال، وشمال إفريقيا، ومصر وإسطنبول، ووصل بعضهم إلى فرنسا، والقارة الأمريكية.
إن الموريسكيين هم المسلمون الذين أجبروا على اعتناق المسيحية بعد سقوط الأندلس عام 1492م، ومع أن الإسبان قصدوا بمصطلح الموريسكيين تصغير شأن هذه الفئة المسلمة داخل أراضيهم، فإن مصطلح الموريسكي استقر خلال القرنين السادس عشر، والسابع عشر الميلاديين وأصبح المعتاد لهم، مع أن الموريسكيين في نظر الإسبان هم في الأصل مسلمين، وإن أصبحوا مسيحيين جدداً، من هنا يستخدم المصطلح على أولئك الذين طردوا من إسبانيا، وعلى أحفادهم.

كانت حياة هؤلاء الموريسكيين في إسبانيا في مجال لتجارب كل أنواع الظلم، والإرهاب الفكري، والجسدي، والنفسي بالتحديد قصتهم من سقوط غرناطة عام 1492م، وكيف سقطت وكيف تغيرت حياة هذه الفئة المسلمة، بعد سقوط آخر ممالك الإسلام في إسبانيا، وكيف تغير بهم الحال بعد أن كانوا هم الفئة الغالبة في ظل دولة الإسلام في الأندلس، إلى أن أصبحوا بالتدريج فئة مهدر حقها، وأقلية ليس لها أي حقوق تحت مظلة الحكم الكاثوليكي الإسباني، حيث عاش هؤلاء أحلك فترات الظلم في حياتهم من قبل الإسبان بعد أن أهدرت كرامتهم، ووقع عليهم الظلم في المال والولد، وكان الظلم الأكبر في إجبارهم التخلي عن دينهم الإسلامي، فهاجروا إلى المغرب، وتونس، والجزائر، وتركيا، والبلقان، ومصر، وليبيا، وبعض الدول الأوروبية فرنسا وإيطاليا (ص13).

مأساة أزمة مصطلح الموريسكي والمدجن:

المدجنون المسلمون الذين عاشوا في حماية الممالك المسيحية في إسبانيا، بعد إن اشتدت حركة الاسترداد في شبه الجزيرة الإيبيرية منذ عام 1085م، والمدجنون هو مصطلح مشتق من دجن أي قام خاضعاً، شاع هذا المصطلح في الكتابات العربية، واحتلت حالة المدجنين حيزاً لا بأس به من اهتمام كتب النوازل، ولم تكن وضعية المدجنين سيئة حتى بعد سقوط طليطلة، لكن وضعهم تدهور بعد معركة الزلاقة عام 1086م، وما تلاها من صراع مرير بين المسلمين في الأندلس، والممالك النصرانية، ففقد المدجنون حقوقهم وضماناتهم، واجتهد رجال الدين النصارى في التأليب عليهم، فتعرضوا لمختلف الأذى والاضطهاد، وكان عليهم أداء ضريبة)     Cenas reales )عن محلاتهم السكنية(ص18).

الموريسكيون، هم الأندلسيون المبعدون من بقايا الأمة الأندلسية المغلوبة، الذين عاشوا تحت الحكم الإسباني؛ بعد إجبارهم على اعتناق المسيحية زهاء قرن من الزمن؛ منذ أن أصدر الملك فيليب الثالث عام 1609 م قراراً، بطردهم من إسبانيا بعد محاولات متعددة، ويائسة لإخراجهم من دينهم، واعتناق المسيحية، لكن دون جدوى، الأمر الذي اضطرهم إلى مغادرة أراضيهم، والاتجاه نحو الجنوب، حيث استقروا بأنحاء مختلفة من إسبانيا، والبرتغال، وشمال إفريقيا، ومصر وإسطنبول، ووصل بعضهم إلى فرنسا، والقارة الأمريكية.

يقول الكُتاب: "كلمة الموريسكوس" تصغير لكلمةMoros) )، اللقب الذي أطلقه الإسبان على جميع المسلمين الذين كانوا يحكمون الأندلس، ثم غلبوا على أمرهم؛ فصغر اسمهم على سبيل التهوين من شأنهم"، يضيف الكُتاب على الرغم من شيوع اللقب، وعده مصطلحاً تاريخياً متداولاً، فإن القبول به نوع من الإجحاف في حق العناصر الأندلسية، وإقرار بوضاعتهم التي يعتقد من أطلق عليهم هذا اللقب، بما يحويه من تحقير لهم، وانتقاص من قدرهم، إذ أنهم ما عرفوا بذلك؛ إلا بعد أن اضطهدوا بصفتهم مسلمين أصاغر أذلاء، وما الحرص على استعماله للدلالة عليهم إلا في المؤلفات المسيحية(ص19).

عرف الكُتاب الموريسكيين بصفتهم مسلمو الممالك الأيبيرية قشتالة، وأراغون، ونابارا، الذين أجبروا على اعتناق المسيحية في أوائل القرن السادس عشر، وبهذا يمكن تمييزهم عن المدجنين من الأندلسيين، الذين كان بمقدورهم ممارسة شعائر الإسلام في الأراضي المسيحية قبل التعميد الإجباري في القرن السادس عشر، أما المدجنون هم أبناء الأندلسيون أو المسلمين ممن كانوا يعيشون تحت الحكم المسيحي في شبه جزيرة أيبيريا.

نحو المأساة:

إن مصير الأندلس كان يهتز في يد القدر، منذ ظهور دول الطوائف، وغلب عليها الخلاف والتفرق، انحدرت إلى معترك الحرب الأهلية، التي فسحت لعدوها الخطر مجال التفوق عليها والضرب والتفريق بينها، واستطاع بعض ذوي النظر الثاقب من رجالات الأندلس حتى في ذلك العصر الذي كان الإسلام يسيطر فيه على معظم أنحاء شبه الجزيرة الإسبانية، أن يستشف ما وراء هذا التفرق من خطر داهم.

يقول ابن حيان مؤرخ الأندلس" نشأ من الناس هالع يعللون أنفسهم بالباطل، من أول الدلائل على فرط جهلهم، اغترارهم بزمانهم، وبعدهم عن طاعة خالقهم، ورفضهم وصية نبيهم وغفلتهم عن سد ثغرتهم حتى أطل عدوهم الساعي؛ لإطفاء نورهم يتبجح دورهم، ويستقري بسائط بقاعهم، يقطع كل يوم طرفاً، ويبيد أمة" (ص25).

لم يكن هذا التنديد من جانب المؤرخ الأندلسي بتواكل أهل الأندلس، وتخاذلهم من نصرة دينهم وإخوانهم؛ إلا أحد أشكال التعبير عن الحقيقة في عصر الطوائف، وظهرت دلالات ذلك منذ أن سقطت طليطلة أول قاعدة إسلامية كبيرة في يد الفونسو السادس ملك قشتالة عام1085م، إذ اتضح أن الأندلس أضحت على وشك الفناء، وأن دولة الإسلام في إسبانيا ستطوى وتختم حياتها المجيدة في شبه الجزيرة الأندلسية.

مأساة.. نهاية حضارة

سقطت غرناطة بعد حصار خانق دام تسعة أشهر، دب بعده الضعف في أوصال دولة الإسلام في الأندلس، وسرى الوهن في أطرافها، وعمل العدو القشتالي ما بوسعه لإزالة الوجود الإسلامي من الأندلس، وأصبحت حواضر الأندلس الكبرى أسيرة في قبضتهم بسقوط قرطبة وبلنسية، وأشبيلية، وبطليوس، اللواتي كانت تموج علماً وثقافة وحضارة، ولم تتبقى سوى غرناطة التي حملت راية الإسلام لأكثر من قرنين من الزمان، وتقيم حضارة زاهية، وحياة ثقافية حتى فرض عليها حصارا شديداً، وأتلف المسيحيان فرديناند الخامس وزوجته ايزبيلا، الزروع المحيطة بالمدينة، وقطعا كل اتصال لها بعالم الخارجي لتقسط أخر معاقل الإسلام في الأندلس عام 1491م (ص29).

مأساة ضياع الحلم.. الكثير يشاهد

ساهمت أوضاع المسلمين في بقية العالم الإسلامي في زيادة تدهور وضعية مسلمي الأندلس، وكان مسلمو الأندلس كلما اشتد بهم الأمر استنجدوا بملوك المغرب، لا سيما ملوك بني مرين الذين عبروا الأندلس لإغاثة أهلها، ووصلت جيوش السلطان المريني أبو يوسف المنصور ليس فقط إلى طليطلة وقرطبة بل إلى مدريد، وهي قريبة من أخر معقل وصل إليه الإسلام في الأندلس، إلا أنهم لم يتمكنوا من تحقيق انتصارات ساحقة لإنقاذ غرناطة من السقوط، بعد تهاوت أن الحواضر الأندلسية أمام ضربات الإسبان (ص34).

إن مصير الأندلس كان يهتز في يد القدر، منذ ظهور دول الطوائف، وغلب عليها الخلاف والتفرق، انحدرت إلى معترك الحرب الأهلية، التي فسحت لعدوها الخطر مجال التفوق عليها والضرب والتفريق بينها، واستطاع بعض ذوي النظر الثاقب من رجالات الأندلس حتى في ذلك العصر الذي كان الإسلام يسيطر فيه على معظم أنحاء شبه الجزيرة الإسبانية، أن يستشف ما وراء هذا التفرق من خطر داهم.
تبخر الحلم وتقاعس الكبار بمواقفهم السلبية سواء من المماليك في مصر والشام، والعثمانيين حيال تدهور أحوال الأندلس، فلم تكن أوضاع الأندلس لها أدنى تأثير على العلاقات الودية التي كانت تربط المماليك بإسبانيا؛ ففي2 يناير عام 1477م طلب فرناندو من البابا، أن يأذن له ببيع القمح للسلطان قايتباي في مصر، وضرب بذلك عصفورين بحجر واحد، فقد تمكن عن طريق ثمن هذا القمح من الاستمرار في حربه ضد مسلمي الأندلس، كما اعتقد أنه بذلك يقوى مركز المماليك ضد الأتراك العثمانيين الذين كان ظهورهم خطراً على دول أوروبا (ص4).

"اتجه الأندلسيون شرقاً إلى دولة المماليك بمصر، التي كانت على دراية بأوضاعهم، على أن أهل الأندلس لم يحاولوا الحصول على دعم عسكري، بل كان همهم الوحيد هو توسط المماليك دبلوماسياً لدى الإسبان، والتهديد بمعاملة المسيحيين في بيت المقدس الخاضع لهم بنفس المعاملة التي يعامل بها الإسبان المسلمين في الأندلس"، لكن ذلك التهديد لم يحدث وبقى أهل الأندلس يواجهون مصيرهم لوحدهم دون مغيث! (ص41).

نتيجة لزيادة الاتصالات بين الأندلسيين، وقوى إسلامية، ولتفادي حدوث أي تعاون بين الجانبين قامت إسبانيا من جهتها بإرسال مبعوثها الخاص "بدرو مارتر" للحيلولة دون إلحاق أي أذى بالمسيحيين، وحاول هذا المبعوث إضفاء طابع الشرعية على الأعمال التي تقوم بها إسبانيا في حق الموريسكيين بإعطاء مبررات واهية من قبيل، أن للإسبان الحق في استعادة أرضهم التي كانت ذات يوم مسيحية بيد القوط، أو القول بأن الموريسكيين اختاروا التنصير بمحض إرادتهم فاستطاع بذلك اقناع المماليك بعدم جعل المسيحيين بالمشرق رهائن لمسلمي إسبانيا" (ص42).

مأساة محاكم التفتيش، واجبار الأندلسيين على التنصير:

لم يحاول الإسبان تحويل أهل الأندلس عن دينهم بالقوة، بل كانوا يأملون أن ينتهي بهم المطاف إلى المسيحية، بعد صدور قرار التعميد الإجباري ضد الأندلسيين "الموريسكيين" عام 1502م، وأًصبحت محاكم التفتيش تتابع الموريسكيين بصرامة ففي وصية فرديناند لشارل الخامس نجده يأمره" بضرورة اختيار المحققين أكفاء، ومخلصين للكاثوليكية، وتضيق الخناق على طائفة محمد"،  لقد أوضح النص السابق كل حجة على من يدعي أن دواوين محاكم التفتيش لم تبلغ حملاتها درجة اللاإنسانية(ص77).

صنفت الأعمال المرتكبة من طرف الموريسكيين، والمعاقب عليها من قبل دواوين محاكم التفتيش إلى قيام المسلم بالوضوء، والطهارة، والصلاة، وصوم رمضان، والاحتفال بيوم الجمعة، عدم شرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، ختان الأطفال، ومنع تعلم اللغة العربية: يقول المؤرخ الغربي بيرنر:"  في عام 1526م وصلت الأمور أبعد من ذلك، فقد تقرر تنصير جميع مسلمي مملكة أرغون، دون إعطاء أي تفسير، وبعد هذا التاريخ رسمياً لن يكون هناك وجود للمسلمين في إسبانيا"، قصد من ذلك عدم استطاعة المسلمين إعلان دينهم كديانة مصرح بها، ومنعهم من إقامة شعائره، فأصبح جريمة أن يكون مسلماً، ويختلف الكُتاب في ذلك؛ بأن الحقيقة مختلفة تماماً، فقد ظل الأندلسيون المنصرون مسلمين، كما كانوا يمارسون شعائرهم الدينية، كما أن الملكيين كانا يدركان تماماً أن المتنصرين الجدد لن يصبحوا أبداً مسيحيين، إلا أنهم كانوا يأملون أن يصبح أولاد المسلمين وأحفادهم كذلك !!( ص80).

قرر مجلس قشتالة عام 1566م، تطبيق التدابير التي كانت تقررت عام 1526م، وبقيت حبراً على ورق؛ ليتم منع الموريسكيين، منذ ذلك التاريخ الحديث باللغة العربية، أو الاحتفال بالأعياد التقليدية، واستخدام الحمامات العمومية، وارتداء ملابس خاصة، كما منعت النساء من ارتداء الحجاب (ص81).

مأساة أقلية بين التنصير والحفاظ على العقيدة والهوية


ناقضت عملية التنصير معاهدة تسليم غرناطة، التي نصت على احترام عاداتهم، وشعائرهم الدينية، ففي 20 أكتوبر عام 1525م، خير فيليب الثاني كل المدجنين في مملكة بلنسية بين تغيير دينهم أو مغادرة الأراضي الإسبانية في تاريخ أقصاه 8 نوفمبر من العام نفسه، ودعا في مرسوم لحضور جميع المورسيكيين بلنسية، كباقي الطوائف الأخرى، للخطب المسيحية، وارتداء أهلة من القماش الأزرق مرئية على قبعاتهم، وترك العمل في الأعياد المسيحية، وعدم الاحتفال بالأعياد الإسلامية، حتى عمليات الطرد النهائي بين عامي 1609-1614م، كانت المؤسسات المسيحية تراقب تصرفات الموريسكيين الدينية بإحكام، وشملت أي اختلاف يمكن تفسيره، على أنه دليل على الإسلام، من المأكولات والمشروبات  إلى طريقة الاحتفال بالأعياد.

"تمسك الأندلسيين بإسلامهم رغم تعرضهم للأذى في أنفسهم، وأموالهم، لقد كانوا يعمدون أبناءهم تنفيذاً للقانون، وعندما كانوا يعودون إلى منازلهم كانوا يزيلون كل العلامات المقدسة بالماء الساخن"، كان مصدر كل تلك المواجهات الخلط بين التنصير الإجباري، والتعميد غير الشرعي الذي قبله المسلمون؛ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في مجتمع إسباني يسيطر عليه المسيحيون؛ ولذلك اعتبرهم المسيحيون مسيحيين غير متدينين، بينما كانوا يعتبرون أنفسهم مسلمين بقلوبهم، ولا يربطهم بالعقيدة المسيحية إلا بالشكل الخارجي، وأنهم يفعلون ذلك؛ لكي يستطيعوا الحياة في ذلك المجتمع الذي يضطهد المسيحيين غير المتدينين، ولا يسمح بوجود غير المسيحيين.

يعد الاطلاع والتمعن في النكبة الأندلسية وتهجير الموريسكيين بوابة لفهم نكبات وتغريبات مماثلة عاشتها شعوب مسلمة، ونسخ مكررة من مأساة الأندلسيين، وطردهم من بلادهم التي شاهدنا مثيلاتها في الهند، والقوقاز، وبورما، وفلسطين وغيرها من مكامن الوجع في الجسد الإسلامي وتاريخه الطويل (ص119).

لم تكتف السلطات في إسبانيا بما فعله أجدادهم الأوائل من جرائم إبادة وتهجير قصري بحق مسلمي الأندلس" الموريسكيين"، الذين تعرضوا للتعذيب والطرد بعد سقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس عام 1492م، فعادت لتفتح الجرح الغائر مرة أخرى بسن تشريعات وقوانين من شأنها أن تزيد من مآسي أحفاد المسلمين الأندلسيين بشكل كبير، حيث صادق البرلمان الإسباني مؤخراً على تعديل للقانون المدني الإسباني، مكن أحفاد ضحايا التهجير القسري من اليهود السفارديم من الحصول على الجنسية الإسبانية مستثنياً غيرهم من ملايين الموريسكيين المسلمين الذين تحملوا نفس الألم، وعاشوا ويلات تلك المأساة، ذلك فقط لأنهم مسلمين" فالقوة تحرك القرارات الدولية، والضعف يجعل الشعب أقلية حتى على أرضه وطنه، فتسلب خيراته وهويته ويشكك في عقيدته عندما يفقد قوتها وقوة قراره السياسي، وهذا ما حدث مع الموريسكيين سابقا ويتكرر اليوم في واقعنا الحاضر" (ص172).
التعليقات (0)