كتاب عربي 21

أكذوبة التواجد العسكري المصري في الصومال

أسامة جاويش
"اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين أعلن عنها السيسي خلال لقائه بالرئيس الصومالي"- الأناضول
"اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين أعلن عنها السيسي خلال لقائه بالرئيس الصومالي"- الأناضول
في السابع والعشرين من آب/ أغسطس الماضي نشرت عدة مواقع صحفية صومالية مقطعا مصورا يظهر وصول طائرتين عسكريتين مصريتين من طراز C-130 إلى مطار مقديشيو، لإيصال مساعدات ومعدات عسكرية إلى جمهورية الصومال.

بعد ذلك نشرت عدة منصات مثل أفريكان إنسايدر ووكالة رويترز تقارير أكدت فيها صحة التقارير الصومالية، وأوضحت أنه بموجب اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين أعلن عنها السيسي خلال لقائه بالرئيس الصومالي قبل أسابيع، فإن مصر سترسل 10 آلاف جندي مصري إلى الصومال مقسمة إلى قسمين؛ القسم الأول تعداده 5 آلاف جندي وسيكون جزءا من مهمة قوات حفظ السلام التي ستحل محل القوة الموجودة حاليا، أما القسم الآخر فهو مكون من 5 آلاف جندي آخرين وسيكون في مهمة مستقلة بالتنسيق مع القوات الصومالية.

انتشر الخبر كالنار في الهشيم واحتفت به اللجان الإلكترونية المصرية بشكل واسع، وتم تداول مجموعة من الصور لجنود وضباط للقوات المسلحة المصرية وهم يحملون أطفالا قيل إنها التقطت في الصومال فور وصول القوات المصرية.

بدأت القنوات المصرية المقربة للسيسي تحتفي بالأخبار وتحدث الجميع عن أهمية التحرك المصري ودلالته ورسائله القوية وأهميته للعمق الأفريقي لمصر من ناحية، وإيصال رسالة ردع لإثيوبيا التي تتعنت في مسألة سد النهضة من ناحية أخرى.

السيسي لم يتحدث عن هذا الأمر، ولم يعرض على مجلس الدفاع والأمن القومي ولم يناقشه البرلمان أو يوافق عليه، بل ذهب الأمر لأبعد من ذلك بكثير، خبر إرسال قوات مصرية إلى الصومال لم تؤكده أو تنفيه أي وسيلة إعلام مصرية أو مصدر رسمي، ولم يعلق عليه أي مسؤول في الدولة المصرية إيجابا أو سلبا

خبر كهذا وتحرك كهذا لا يمكن أن يتم إلا بعد أخذ رأي مجلس الدفاع والأمن القومي وموافقة مجلس النواب المصري وفقا لنص المادة 152 من الدستور المصري، والتي نصت على أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولا يعلن الحرب ولا يرسل القوات المسلحة في مهام قتالية إلى خارج حدود الدولة إلا بعد أخذ رأي مجلس الدفاع الوطني وموافقة مجلس النواب بأغلبية ثلثي الأعضاء.

الحقيقة أن السيسي لم يتحدث عن هذا الأمر، ولم يعرض على مجلس الدفاع والأمن القومي ولم يناقشه البرلمان أو يوافق عليه، بل ذهب الأمر لأبعد من ذلك بكثير، خبر إرسال قوات مصرية إلى الصومال لم تؤكده أو تنفيه أي وسيلة إعلام مصرية أو مصدر رسمي، ولم يعلق عليه أي مسؤول في الدولة المصرية إيجابا أو سلبا، التعليق الوحيد كان لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي والذي أعلن عن استعداد مصر التام لإرسال البضائع والسلع اللازمة لتوفير احتياجات المواطن الصومالي الشقيق.

رد الفعل الإثيوبي على هذه الخطوة المعلنة صحفيا والمنشورة صوماليا والمتجاهلة تماما على الصعيد المصري؛ كان لافتا للنظر، حشدت إثيوبيا كل طاقتها السياسية والدبلوماسية والعسكرية أيضا للرد على ما أسمته محاولات العبث باستقرار البلاد.

خرج آبي أحمد بتصريحات نارية أن بلاده ستقوم بإذلال أي دولة تحاول تهديد أمن إثيوبيا وستجلب لها العار، ثم أرسلت إثيوبيا سفيرا لها في دولة أرض الصومال غير المعترف بها، واستقبله المسؤولون في أرض الصومال استقبال الفاتحين.

ثم كان التحرك الأكثر فعالية لإثيوبيا، وهو ما نشرت عنه صحيفة الغارديان الصومالية، حول انتشار الجيش الإثيوبي في مناطق صومالية والسيطرة على مطارات إقليم الجيدو لمنع وصول القوات المصرية إلى هناك.

الخبر نزل كالصاعقة، ألم تصل القوات المصرية إلى هناك بعد؟ وماذا عن 10 آلاف جندي مصري، ألم يذهبوا إلى هناك؟ ماذا عن اللجان الإلكترونية التي أكدت لنا عظمة القيادة السياسية وحكمتها العسكرية وتحركاتها الاستراتيجية؟ ماذا نفعل الآن؟ ألا يوجد مسؤول مصري واحد يخبرنا بأصل الحكاية؟

الرد جاء سريعا ولكنه على لسان وزير الدولة الصومالية للشؤون الخارجية في مقابلة تلفزيونية، حيث أكد الرجل أنه لا وجود لأي قوات مصرية على الأراضي الصومالية حتى الآن، وأن كل ما وصل إليهم من مصر كانت بعض المعدات والمساعدات العسكرية وفي انتظار المزيد.

إن صحت كل تلك الأنباء فإننا على موعد جديد مع فشل آخر لسيئ الذكر عبد الفتاح سعيد خليل السيسي؛ وعد الصومال بالوقوف معها ثم تأخر في إرسال القوات، ترك الساحة لإثيوبيا كي تسبقه ميدانيا وعسكريا وتسيطر على مطارات تحول دون وصول قوات مصرية إلى المناطق المطلوبة، فقد ورقة ضغط جديدة على إثيوبيا بتواجد عسكري مصري بالقرب من سد النهضة.

الصومال أكبر من مصر، عبارة قالها الصحفي السعودي المقرب من ابن سلمان عبد العزيز الخميس في لقاء متلفز مع إعلامي سعودي آخر، تصريح الخميس وإن بدا صحيحا بشكل كبير في وصف حالة السيسي ونظامه وليس مصر كدولة، فإنه كاشف أيضا أن حلفاء السيسي في دول الخليج وتحديدا في السعودية والإمارات قد تخلوا عنه في أزمة إثيوبيا والصومال.

الخليج ربما تخلى عن السيسي في هذه الأزمة وربما يبتزه للحصول على مكاسب أكبر داخل مصر، ولكن الحقيقة الصادمة أن وجود قوات مصرية في الصومال ما هي إلا أكذوبة

تصريحات الخميس لم تتوقف عند هذا الحد وإنما ذهبت لأبعد من ذلك، فالرجل اتهم مصر بعدم المشاركة في حرب اليمن، وبعدم استطاعتها الدفاع عن نفسها أمام هجمات الحوثي في البحر الأحمر والتي أثرت على عائدات قناة السويس، ثم أوضح أن إثيوبيا أقوى من مصر في الأزمة الحالية وأن مصر لا تملك أي أوراق قوة.

لا يقدح صحفي سعودي في قضية كهذه من رأسه، ولذلك فتصريحات الخميس تطرح ألف علامة استفهام على الموقف السعودي الرسمي من دعم السيسي في هذه الأزمة. أضف إلى ذلك استقبال الإمارات لوزيرة الدفاع الإثيوبية بعد أيام من وصول الطائرات المصرية إلى مقديشيو، في تأكيد للدعم الإماراتي المستمر لإثيوبيا على الصعيدين العسكري والاقتصادي منذ سنوات.

الخليج ربما تخلى عن السيسي في هذه الأزمة وربما يبتزه للحصول على مكاسب أكبر داخل مصر، ولكن الحقيقة الصادمة أن وجود قوات مصرية في الصومال ما هي إلا أكذوبة.

x.com/osgaweesh
التعليقات (0)