كتاب عربي 21

مصر وإثيوبيا.. فليبق كل في مكانه!

سليم عزوز
قال السيسي: "محدش يجرب مصر"- الأناضول
قال السيسي: "محدش يجرب مصر"- الأناضول
هل هي الحرب؟!

اعتبر كثير من المحللين إرسال مصر لقوات ومعدات عسكرية إلى الصومال تمهيدا للحرب مع إثيوبيا، وفي منصات إعلامية رصينة كان التساؤل: هل يتحول الصومال إلى ساحة حرب بالوكالة؟ وهل اقتربت المواجهة مع إثيوبيا؟ وهو السؤال الذي أثاره موقع "بي بي سي"!

ويأتي هذا في وقت أرسلت فيه مصر شكوى لمجلس الأمن، عن تعنت الجانب الإثيوبي في ملف سد النهضة، الأمر الذي يعني أن صبر مصر قد نفد، وأن هذه المذكرة هي لإبراء الذمة، قبل اندلاع الحرب التي ستتخذ من الصومال ميدانا لها، لا سيما وأن إرسال القوات سبقه توقيع اتفاقية تعاون عسكري مشترك مع الصومال في كانون الثاني/ يناير الماضي.

وفي مؤتمر جمع بين السيسي ونظيره الصومالي، شدد الأول على رفض مصر المساس بسيادة الصومال، وأن بلاده لن تسمح بأي تهديدات لها، وقال عبارة مدهشة وهي "محدش يجرب مصر"، لينتقل بذلك إلى طرف في الصراع الدائر بين إثيوبيا والصومال، وإعلان إثيوبيا أنها بصدد إقامة قاعدة بحرية في إقليم أرض الصومال، الذي يؤكد الصومال أنه خاضع له، بينما تعد الإمارات هي الدولة الوحيدة التي تعترف باستقلاله، ولها قاعدة عسكرية فيه،
اللافت أن المحللين يقيّمون الأحوال وفقا للمقرر القديم للعلاقات الدولية، فاتهم أن النظر للسياسة الخارجية والداخلية في مصر يحتاج إلى نظرة مختلفة لأنها من خارج المقررات التقليدية، إنها ممارسات من خارج المنهج
فهل هذا يعني أن مصر في خلاف مع الدولة الراعية للانقلاب العسكري فيها، في هذا الملف، وأنه من المحتمل أن تنشب الحرب بين القوات الإماراتية في أرض الصومال والقوات المصرية في دولة الصومال؟!

السلطة في مصر ستشارك في قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال، الأمر الذي يعني أن الأمور ذهبت بعيدا، وأن نُذر الحرب تلوح في الأفق، ومن جانبها فقد أعلنت إثيوبيا أنها لن تقف خاملة، وأنها ستواجه أي تهديدات تتعرض لها، فهي الحرب إذن!

من خارج المنهج الدراسي:

اللافت أن المحللين يقيّمون الأحوال وفقا للمقرر القديم للعلاقات الدولية، فاتهم أن النظر للسياسة الخارجية والداخلية في مصر يحتاج إلى نظرة مختلفة لأنها من خارج المقررات التقليدية، إنها ممارسات من خارج المنهج!

لا شك أن إرسال قوات ومعدات عسكرية إلى الصومال، هو خطوة جديدة على هذا النظام، الذي يبدو أنه مستوعب تماما لأزمة الجيش المصري في اليمن، ولقد كان لعبد الناصر رصيد لدى الشعب المصري، دفعه للتسليم بصحة منهجه، ولأنه في جانب آخر لم يكن يعلم حقيقة الأوضاع هناك، لكن الإعلام في هذا الزمان قرّب البعيد. ثم إن المصريين فزعوا عندما علموا الحقيقة بنشر كتاب "عودة الروح" لتوفيق الحكيم عقب وفاة عبد الناصر، ومثلت الحرب خارج الحدود أزمة لدى الضمير الجمعي المصري، واجهت مبارك مع فكرة إرسال قوات للمشاركة في القرار الدولي بتحرير الكويت. والسيسي ليس عبد الناصر من حيث الشعبية والرصيد!

من العبث تصور أنه يمكن الإقدام على خطوة تجعله في مواجهة الإمارات، أو تجعل الجيش المصري في مواجهة القاعدة العسكرية الإماراتية والتعاون العسكري الإماراتي مع آبي أحمد، فهذه قوات لم تذهب للحرب

ولهذا فقد انطلق من الباب للطاقة يعطي تصريحا في الهواء لم يُطلب منه؛ بأن الجيش المصري لن يفصله عن الخليج سوى مسافة السكة، إن تعرض أمنه للخطر، وكان يعتبره "فض مجالس"، يجني ثماره دون أن تكون هناك حاجة لتنفيذه، لكن بعد قليل كانت عاصفة الحزم، فولى كأنه لم يتعهد بشيء!

وفي أزمة إرسال تركيا قواتها إلى ليبيا، حصل على موافقة البرلمان بإرسال قوات مصرية إلى الجارة بالجنب، وأكتب يومئذ أنه لن يفعل، ولم يفعل بالفعل، تماما عندما بدا الموقف الإثيوبي متعنتا في ملف سد النهضة، واستنزاف المناورات، فأعطى إشارة بأن التحرك العسكري للحفاظ على الأمن القومي المصري بين قوسين أو أدنى؛ بقوله: "العفي محدش يقدر ياكل لقمته". وحدث أن واصلت إثيوبيا الملء والبناء، دون رد مناسب، فمثل هذه التصريحات هي للاستهلاك المحلي في وقتها، وقد رأينا كيف أن إعلامه ولجانه أقاموا مهرجانا كبيرا لهذه التصريحات، فما يعنيهم هي اللحظة، وقد عاشوها!

وعندما يرسل قواته لتهدد إثيوبيا، فهل يعني هذا أنه خرج على تحالفات الإمارات؟!

لم تذهب للحرب:

إن من العبث تصور أنه يمكن الإقدام على خطوة تجعله في مواجهة الإمارات، أو تجعل الجيش المصري في مواجهة القاعدة العسكرية الإماراتية والتعاون العسكري الإماراتي مع آبي أحمد، فهذه قوات لم تذهب للحرب، فلن تنشب حرب وقد تكون لحسابات دولية وإقليمية ممثلة في الاتحاد الأفريقي، وهو الاتحاد الذي مثّل أزمة للجنرال لسحب الاعتراف بالانقلاب، قبل التنازلات التي قُدمت، والتدخل الدولي لحمله على التراجع عن هذا القرار، وباعتبار أن الرفض هو للانقلاب وليس لما أنتجه من آثار بعد ما سمي بالانتخابات الرئاسية، وليست قوات حفظ السلام في الصومال تستهدف الاشتباك مع إثيوبيا، العضو الفاعل في الاتحاد!

السلطة المصرية لم تستنفد كل الوسائل حتى تلوّح بالحرب من الصومال، فكيف هذا ولم تقدم على إلغاء اتفاقية المبادئ المكبلة لها عن اللجوء للتحكيم الدولي، والتي أعطت بمقتضاها إثيوبيا الحق في بناء السد بدون قيد أو شرط؟! فنحن أمام إجراءات تستهدف التأكيد على القوة في المواجهة، والاحتفاء بهذه الخطوة، ثم يبقى كل في مكانه

ومن جانب منه فإنه تطور في الموقف بعد العجز الواضح للعيان بعد الإعلان الأخير عن فشل المفاوضات مع إثيوبيا، وكان الطرف المصري يتحرك في السابق على جبهات مختلفة، فإذا فشلت المفاوضات الثلاثية، كان اللجوء للاتحاد الأفريقي، فإذا قرر عدم اختصاصه بالأمر، كان اللجوء لمجلس الأمن، فإذا قضى بعدم الاختصاص، ذهبوا مرة أخرى للاتحاد الأفريقي، ثم للبيت الأبيض، ثم بالعودة للمفاوضات، ثم لمجلس الأمن فالاتحاد الأفريقي فالمفاوضات!

ومع الإعلان عن نهاية الملء الأخير للسد بعد عدة شهور، وقد تم الإعلان عن فشل المفاوضات قبل عدة شهور، فإن إرسال القوات يعد تطورا للحالة كما تم الانتقال من تلقين آبي أحمد القسم بأنه لن يضر بمصالح مصر، إلى التهديد بتصريح "العفي..."، ويأتي إرسال شكوى لمجلس الأمن في نفس السياق القديم، لأن المجلس سبق له أن نظر شكوى سابقة وأعلن عدم اختصاصه بالنظر في الشكوى!

والسلطة المصرية لم تستنفد كل الوسائل حتى تلوّح بالحرب من الصومال، فكيف هذا ولم تقدم على إلغاء اتفاقية المبادئ المكبلة لها عن اللجوء للتحكيم الدولي، والتي أعطت بمقتضاها إثيوبيا الحق في بناء السد بدون قيد أو شرط؟!

فنحن أمام إجراءات تستهدف التأكيد على القوة في المواجهة، والاحتفاء بهذه الخطوة، ثم يبقى كل في مكانه، وكأنه لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس.. ولم يسمر بمصر سامر!

"ليس تحت القبة شيخ".

x.com/selimazouz1
التعليقات (0)