كتب

السلفية التكفيرية في تونس.. النشأة والطبيعة والمسار (3من4)

أنصار الشريعة في تونس.. صنفتها الحكومة التونسية والإدارة الأمريكية ضمن الجماعات الإرهابية- (الأناضول)
أنصار الشريعة في تونس.. صنفتها الحكومة التونسية والإدارة الأمريكية ضمن الجماعات الإرهابية- (الأناضول)

الكتاب: "السلفية التكفيرية العنيفة في تونس من شبكات الدعوة إلى تفجير العقول"
الكاتب: الدكتور عبد اللطيف الحناشي
الناشر: الدار التونسية للكتاب، الطبعة الأولى نوفمبر 2020،

(400 صفحة من القطع الكبير).

يواصل الكاتب والباحث التونسي توفيق المديني، عرض كتاب "السلفية التكفيرية العنفية في تونس.. من شبكات الدعوة إلى تفجير العقول"، للكاتب والمؤرخ التونسي الدكتور عبد اللطيف الحناشي.. ويركز في هذا الفصل على دواعي التطرف والانزواء ثم تجليات ذلك من خلال علاقة المتشددين مع المجتمع المدني..

تنظيم أنصار الشريعة نموذجًا للإرهاب التكفيري

في خريف عام 2012، أصبح اسم "جماعة أنصار الشريعة" مألوفاً تقريباً، وباتت وسائل الإعلام المرئية تتحدث عن الهجمات القاتلة التي يقوم بها "أنصار الشريعة" في بعض الأحيان، ضد السفارات الأمريكية في تونس وليبيا ومصر واليمن، باعتبار الولايات المتحدة الأمريكية متهمة في قضية الفيلم المسيء إلى الإسلام "براءة المسلمين". ويمثّل بروز ما يسمّى بـ"أنصار الشريعة" في أكثر من دولة عربية، في حقبة الثورات الديمقراطية العربية، طوراً جديداً من أطوار السلفية الجهادية ورهاناتها الاستراتيجية.

في تونس، ظهرت جماعة "أنصار الشريعة"، في آذار/ مارس 2011، بعد أن تم الإفراج عن مجموعة متنوعة من المساجين السياسيين وآخرين مدانين بتهم الإرهاب بعفو من الحكومة الانتقالية التونسية. وكان من بينهم سيف الله بن حسين المكنى بأبي عياض التونسي، المشارك سابقاً في تأسيس "الجماعة التونسية المقاتلة في أفغانستان" والتي ساعدت على تسهيل اغتيال أحمد شاه مسعود قبل يومين من هجمات 11 أيلول/ سبتمبر2001. ويلقب بشيخ الجهاديين في تونس، من مواليد عام 1970 وهو من تلاميذ السلفي الجهادي المعروف "أبي قتادة" الذي عاش في بريطانيا ثم سافر "للجهاد" في أفغانستان.

في عام 2000 نُصِّبَ أبو عياض أميراً على رأس "سرايا الدعوة والجهاد"، وهو هيكل مسلّح نظّمه مع مجموعة من العناصر السلفية التي كانت تعمل على إرساء نظام إسلامي في تونس، بعد أن التقى في قندهار الزعيم السابق للتنظيم أسامة بن لادن. وتنقل بين دول عدة، وبقي مطلوباً لسنوات من قبل حكومات عدة (تونس، بريطانيا، تركيا...) . وفي العام 2003 اعتقل "أبو عياض" في تركيا وتم تسليمه إلى تونس حيث حكم عليه بالسجن لفترات وصلت إلى 68 عاما بموجب "قانون مكافحة الإرهاب". وفي آذار/ مارس 2011 تم الإفراج عنه بموجب "عفو تشريعي عام" أصدرته السلطات بعد الإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي.

وعقب إطلاق سراحه من السجن نظم أبو عياض ما يُعتبر الآن المؤتمر السنوي الذي أسس "أنصار الشريعة في تونس" في أبريل 2011 حيث زاد حضور المؤتمر من بضع مئات في 2011 ليصل إلى عشرة آلاف شخص في 2012 ما أكد تزايد شعبية التنظيم. وبذلك، أصبح زعيم السلفية الجهادية أبو عياض (43 عاماً آنذاك)، واسمه الحقيقي هو سيف الله بن حسين، الأكثر شهرة من بين السلفيين الجهاديين، يتحدّى الدولة التونسية وأجهزتها الأمنية بعد الأحداث التي حصلت الجمعة 14 أيلول/ سبتمبر 2012، حين هاجم سلفيون السفارة الأمريكية في تونس العاصمة.

على الرغم من أن زعيم "تنظيم الشريعة" في تونس أبا عياض، بات مطلوباً من وزارة الداخلية على خلفية أحداث السفارة الأمريكية، فإن المحللين المهتمين بظاهرة السلفية الجهادية يبحثون عن خيوط القطيعة والتواصل بين تيار "أنصار الشريعة" وتنظيم "القاعدة" لاسييما أن الثاني يبحث عن تحويل شمال مالي إلى قاعدة خلفية للتمدد في بلدان المغرب العربي. ومع أن تنظيم "أنصار الشريعة" يؤكد باستمرار أن تونس ليست أرض جهاد، فإن الأوساط السياسية التونسية تتهم السلفيين الجهاديين في تونس بارتباطهم بتنظيم "القاعدة".

 

اغتيال بلعيد والبراهمي

فيما كان الشعب التونسي ينتظر إجراء تعديل حكومي في تونس، وإقرار مسودة الدستور قبيل إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، إيذاناً بانتهاء المرحلة الانتقالية، شهدت تونس أزمة سياسية وأمنية حادة باغتيال القائد السياسي و المناضل شكري بلعيد الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، يوم الأربعاء 6 فبراير 2013، وكذلك اغتيال النائب الناصري عن التيار الشعبي محمد البراهمي في 2يوم عيد الجمهورية 25 تموز/ يوليو 2013. وشكلت عمليات الاغتيال هذه، اغتيالاً للثورة التونسية، ولطموحات و آمال الشعب التونسي في تحقيق أهداف ثورته الديمقراطية، وجريمة دولة بامتياز،وهي سابقة خطيرة في تونس، إذ لأول مرة تشهد البلاد التونسية حالة من هذا الاغتيال السياسي لشخصيتين وطنيتين معارضتين تنتميان إلى اليسار القومي التونسي الراديكالي.

وضاعف من تأثير عملية الاغتيال أنها جاءت فيما تعيش البلاد على وقع توتّر حاد بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية في تونس خلال المرحلة الانتقالية، وتراجع الوضع الأمني، في ظل انتشار السلاح، وأعمال عنف نفذتها مجموعات سلفية متشددة، وذلك مع تزايد حدة الاستقطاب السياسي والإيديولوجي بين حركات الإسلام السياسي والتيارات العلمانية في البلاد.

المعارضة التونسية سواء منها اليسارية أو القومية لم تلجأ في تاريخها إلى ممارسة العنف في إطار صراعها السياسي طيلة العقود الأربعة الماضية ضد النظام البورقيبي، وضد نظام زين العابدين بن علي، بل كانت تلجأ إلى استخدام الوسائل النضالية السلمية، كالإضرابات الجماهيرية، والمظاهرات، والنضالات الديمقراطية. لهذا السبب كانت المعارضة التونسية بشقيها اليساري و القومي، منسجمة كلياً مع طبيعة المجتمع التونسي الذي يرفض ثقافة العنف، ويرفض أيضاً الأساليب العنفية لفض التناقضات السياسية بين الدولة والمجتمع .

وجاءت الثورة التونسية ذات الطابع السلمي التي أسقطت نظاماً أمنياً ديكتاتورياً لتؤكد هذه المقولة، وهي رفض المجتمع التونسي للعنف بكل أشكاله وصوره. غير أنه منذ أن استلمت الترويكا السلطة في تونس، بدأت مظاهر العنف السياسي تنتشر في تونس، لا سيما من جانب السلفيين الجهاديين. إضافة إلى العنف الذي تمارسه الجماعات السلفية الجهادية المرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي .

يقول العميد المختار بن نصر الناطق الرسمي باسم وزراة الدفاع سابقا والرئيس االسابق للجنة الوطنية  الوطنية لمكافحة الإرهاب، في مقدمة الكتاب، بأن الدكتور عبد اللطيف الحناشي رسم ملامح السلفية في تونس بدءاً بالمسار التاريخي انطلاقا من حقبة ما قبل احتلال البلاد التونسية وكيف تحول التيار السلفي بتونس من تيار إصلاحي متميز بفضل وجود مؤسسة جامع الزيتونة بعلمائها ومشايخها الى تيار تكفيري يعتمد العنف وذلك مرورا بمراحل التأسيس للجماعة الإسلامية منذ ثمانينيات القرن الماضي وكيفية تنظمها وهيكلتها وتجاربها القتالية المختلفة مع تحليل ممارسات العنف لديها انطلاقا من تسعينات القرن الماضي إثر عودة عناصرها من أفغانستان ورصد لمختلف عملياتها الإرهابية المتعددة ومحاكماتها ونشاطاتها خارج البلاد..

مع تفصيل لمختلف أنشطة السلفية التكفيرية العنيفة بعد الثورة التونسية انطلاقا من الجمعيات إلى الاندساس في الأجهزة الأمنية واختراقها، مع التأكيد على أنها كانت ترفض المشاركة في العمل السياسي إذ يتمثل هدفها الاستراتيجي في تحكيم الشريعة الإسلامية في تونس وإنشاء إمارة من خلال الانقلاب على الحكم وبين الكتاب هيكلة وأنشطة التنظيمات والكتائب ومخططاتها وجهات تمركزها في جرد مفصل، دقيق وشامل يبين مدى تغلغل وتمكن هذا الأخطبوط الذي انتشرت أذرعه وخلاياه في الجبال والأرياف والمدن والقري ومختلف الأحياء ؛وكيف يختار معسكراته وحواضنه حسب قواعد دقيقة جغرافية وطبيعية وبشرية وامنية في كل جهات البلاد، ومر للعمل الميداني العنيف وشرع في الاستقواء وإرباك الدولة.

ثم يذهب بنا الكتاب في تفصيل دقيق لتدرج الجماعات السلفية التكفيرية نحو العنف والإرهاب بعد أن أحكمت قبضتها وفرضت تواجدها وأمنت أماكن انتشارها مستعملة خطاب الخديعة، ومحاصرة الفضاء العام والسيطرة عليه، والإنطلاق في الاعتداءات على نشطاء المجتمع المدني والحرم الجامعي وعلى الرموز والفنانين والمبدعين وعلى بيوت العبادة والزوايا وضرب المؤسسات الأمنية والعسكرية وتكثيف الاعتداءات على الأملاك الخاصة وعلى سكان القرى الجبلية، بحيث أضحت الحرب شاملة مستهدفة كل مقومات المجتمع والدولة. 

وقد استعملت العناصر الإرهابية مختلف الوسائل والأساليب لتنفيذ أعمالها الإرهابية الإجرامية من الاغتيالات والعمليات الانتحارية والمواجهات المباشرة والهجومات المباغتة والكمائن وزرع الألغام وتفجير العبوات الناسفة والذبح وقطع الرؤوس ونصب الحواجز الأمنية الوهمية.

فكان لكل هذه الاعتداءات العديد من الضحايا من رجال القوات الأمنية والعسكرية والمدنيين مع تأثير بالغ على اقتصاد البلاد ومسارها السياسي، ونجد تفصيلا دقيقا لكل العمليات الإرهابية النوعية واستنتاجات لتداعياتها على الاقتصاد الوطني وعلى المواطنين مع جرد دقيق للعمل الميداني العسكري والأمني والجهد المبذول للوقوف في وجه المجموعات الارهابية وتفكيك عديد الخلايا الإرهابية واحباط مخططاتها .

ولا يغفل الكتاب عصب تلك التيارات التكفيرية وهو التمويل فيبين كيفية الحصول عليه مؤكدا على علاقة التهريب بالإرهاب كما يطرح التساؤل الصعب حول التونسيين المقاتلين في بؤر الصراع وما حقيقة الأرقام المتداولة حول حجمهم الحقيقي ، كما يحاول الإجابة على السؤال الذي شغل العديد من الباحثين حول أسباب ودوافع ذهاب الشباب التونسي للقتال بتلك الأعداد الكبيرة، فيرصد الآليات والأساليب والأدوار ومختلف العوامل النفسية والاجتماعية والسياسية التي أسهمت في ذلك.

 

إقرأ أيضا: السلفية التكفيرية في تونس.. النشأة والطبيعة والمسار (1من4)

 

إقرأ أيضا: السلفية التكفيرية في تونس.. النشأة والطبيعة والمسار (2من4)

التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم