كتاب عربي 21

شيزوفرينيا الحالة السنيّة من سوريا إلى العراق

1300x600
لا فروقات جوهرية بين سلوك سنة سوريا عن نظرائهم سنة العراق وإن كانت مأساة سنة سوريا مضاعفة حين يعيد التاريخ نفسه كملهاة بعد مأساة حيث كان من المفترض أن تتعلم المعارضة السنيّة السورية من أخطاء شقيقتها العراقية وتتجنب ذات المصائر والمآلات لكنها متلازمة الفـُصام السني التي تفقد اتصالها بالواقع وتفرق بين المتماثلات وتجمع بين المتناقضات ففي العراق أصبح الاحتلال الأمريكي صديقا للمعارضة السنيّة السياسية والمسلحة وتحولت إلى صحوات الفصائل والعشائر كبيادق في استراتيجية مكافحة التمرد لمواجهة أحد مكونات السنة الموسوم بالإرهاب وفي الحالة السورية بدأت المعارضة السنية السياسية والمسلحة تتعامل مع التدخل الروسي كصديق لمواجهة كيانات سنيّة موصوفة بالإرهاب.

مداخل شيزوفرينيا السنة في كلا الحالتين العراقية والسورية هي  المسألة الإيرانية الطائفية والمليشيات الشيعية، حيث وثقت المعارضات السنيّة في قوى إمبريالية احتلالية تحت ذريعة تخليصها من عدو إقليمي إيراني تعتبره أشد خطرا وأبعد أثرا، وبهذا فإن سنة سوريا على خطى سنة العراق سوف يتحولون إلى بيادق في تكتيكات مكافحة الإرهاب بانتظار وعود لن تأتي بالتخلص من إيران ومليشياتها وذلك بعد استنزافها بحروب سنيّة-سنيّة على وقع مسلمات الإرهاب السني، ومن مؤتمر لندن العراقي إلى مؤتمر أستانة السوري لا تتعدى أدوار السنة  عن كونها إكسسوارات دول ما بعد الاحتلالين.

إنها الشيزوفرينيا الجماعية السنية التي تعاني من اضطراب حاد يشوه طرائق التفكير والتصرف والتعبير عن المشاعر بالنظر إلى الواقع ورؤية الوقائع والعلاقات المتبادلة مع المحيط وفقدان التفريق أو/ التمييز بين الواقع وبين الخيال وصولا إلى تلاشي الصلة والارتباط بالواقع، حيث يرى الفصامي أن العالم المحيط به مركب من خليط كبير من الأفكار والمناظر والنغمات ويصبح السلوك المميز هو الغرابة والرعب.

مسارات عراق ما بعد الاحتلال هي ذاتها مسارات سوريا ما بعد التدخل الروسي، ففي الحالة العراقية جاء بناء دولة مليشيات شيعية موالية لإيران نتاجا للسياسات الكارثية الأمريكية كقوة احتلال والتي قامت على تفكيك الدولة والمجتمع العراقي عبر استثمار التعدد العرقي الإثني والديني المذهبي كعامل هدم من خلال بناء العملية السياسية على أسس هوياتية مزدوجة عبر تأكيد الهويات العرقية الإثنية وانقساماتها بين عرب وكرد بصورة أساسية وترسيخ الاختلافات الهويانية الدينية المذهبية بين السنة والشيعة بشكل رئيسي وفي الوقت الذي مكنت فيه الولايات المتحدة الأكراد من إدارة إقليم شبه مستقل تمت مكافأة الشيعة وتمكينهم من الحكم بعد مساندة مرجعياتهم للاحتلال.

 أما السنة فقد جرى تهميشهم كإجراء عقابي لانخراطهم في النظام السابق ومعارضتهم للاحتلال ثم تم تطويعهم في إطار مكافحة التمرد وتحول مقاومتهم ضد تنظيم دولة العراق الإسلامية، وعقب خروج قوات الاحتلال الأمريكي من العراق باتت الدولة العراقية رهينة للسيطرة الإيرانية التي سارت على ذات النهج الهوياتي بالتنسيق مع دكتاتورية المالكي الذي دفع بالمسألة الطائفية إلى حدودها القصوى وخليفته العبادي الذي أصبح أسيرا للمليشيات. 

في الحالة السورية لا اختلافات أساسية عن الحالة العراقية حيث دخلت المعارضة السنية السياسية والمسلحة في ذات الشراك وبدت روسيا  التي أمطرت طائراتها ولا تزال السنة في سوريا بقنابل وصواريخ تم تجريبها لأول مرة طوق نجاة ومخلص من عدو إيراني طائفي ومليشيات شيعية وعلى خطى أمريكا سارت روسيا في تفتيت المجتمع وتفكيك الدولة لزيادة نفوذها لكن كما حدث في العراق تتخلى المعارضة عن إسقاط العملية السياسية وتبحث عن شراكة موهومة دونها البرهنة على إخلاصها من خلال القتال إلى جانب القوات الروسية وبالتأكيد قوات الأسد ضد الجماعات السنيّة الموسومة كحركات إرهابية وهي تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة ومن دار في فلكهما وهو أمر يحدث بطرائق عديدة لكنه سوف يتوسع ويصبح قيد التشغيل مع زيادة اللقاءات الحميمة مع الروس. 

في عوالم الشيزوفرينيا السنية لا غرابة فالعالم العربي السني الديكتاتوري السلطوي حروبه الأساسية مع الشعوب السنية المغلوبة المطالبة بالحرية والعدالة والديمقراطية ولا بأس من التخلص من الفائض البشري بذريعة حرب الإرهاب فالعدو الرئيس للسلطويات العربية هي الحركات السنية المعتدلة والراديكالية، وهي مستعدة لبناء تحالفات عسكرية لمحارية الإرهاب "السني" بينما إيران تدرك طبيعة اللعبة الإرهابوية ولا تعترف بتعريف الإرهاب باعتباره ذاتي غير موضوعي حيث لا تضع إيران أي حركة أو مليشيا شيعية على لوائح الإرهاب بينما العالم العربي تجاوز الغرب والشرق وأوشكت قوائمه السوداء على استيعاب الشعوب السنية كافة.

لم بعد الهلال الشيعي محض تنجيم فهو واقع فج فقد تحولت إيران إلى شريك وصديق للغرب الأمريكي والشرق الروسي وكلاهما يسير على طريق يفضي إلى هيمنة إيران على المشرق العربي، فقد ساهمت أمريكا والغرب عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 بإسقاط  كافة القوى المعادية لإيران من نظام طالبان في أفغانستان إلى نظام صدام حسين في العراق، وساهمت روسيا عقب انتفاضات الربيع العربي 2011 باستكمال المسار ومنعت سقوط نظام الأسد وخلصت إيران هذه المرة من المعارضات السنية المناهضة للوجود الإيراني في سوريا.

لا جدال أن إيران هي المستفيد الأكبر من  السياسات الأمريكية والروسية في المناطق السنية  ذلك أن النظام العالمي الجديد الذي ظهر بع نهاية الحرب الباردة ارتكز على موضوعة حرب الإرهاب وهي تسمية ملطفة للإسلام السني ولعل الرئيس الأمريكي ترامب بطبيعته الشعبوية الفجة تكشف دون مواربة عن مخاتلة مسألة الإرهاب فالرئيس الجديد أعاد في خطاب التنصيب الحديث عن الإسلام الراديكالي دون تخصيص ودون مواربة وهو أمر يتقاسمه مع الرئيس الروسي بوتين.   

تدخلت إيران في المنطقة كدولة متضامنة مع المجتمع الدولي في "الحرب على الإرهاب ـ السني"  بترحيب أمريكي روسي وأصبح قاسم سليماني قاد جناح العمليات الخارجية في "الحرس الثوري" المتمثل بـ"فيلق القدس" شريكا في حرب الإرهاب، لكن ذلك لم يكن دون رغبة أمريكا وروسيا كما تتوهم المعارضات السنية في العراق وسوريا ومع ذلك فإن الشيزوفرينيا السنية المزمنة سوف تقاتل في صفوف سليماني كما تفعل الآن في العراق فصائل الحشد العشائري السني التي تقاتل جنبا إلى جنب مع قوات الحشد الشعبي وعلى خطى سنة العراق سوف تتدرج فصائل المعارضة السنية من القتال إلى جانب أمريكا وروسيا إلى القتال إلى جانب مليشيات قاسم سليماني ريثما تدخل بتسمية جديدة وربما تستنسخ ذات التسمية ففي عوالم الانفصام يحار الفهم.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع