كتب ماجد محمد الأنصاري: تحدثنا في المقال الماضي حول صعود دونالد ترمب في استطلاعات الرأي خلال الانتخابات الأولية لاختيار مرشح جمهوري لسباق الرئاسة الأمريكية العام المقبل، من ذلك الحين عقدت المناظرة الثانية للمرشحين الجمهوريين وكان أداء ترمب متواضعا، لم يستطع الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسة الخارجية إلا بإجابات عامة مبهمة، لم يتمكن حتى من تبرير تصريحاته الغبية حول زميلته المرشحة التي قال عنها بالحرف: "انظر لوجهها، هل من الممكن أن ينتخب أحد هذا الوجه؟" ووبخته المرشحة خلال المناظرة، كما تمكن منافسه جيب بوش من رد هجماته المتكررة بحرفية وهدوء، ولكنه مع ذلك كله خرج أولا في استطلاعات الرأي التي أجريت بعد المناظرة مباشرة، بعد أيام من المناظرة وفي استطلاع آخر أجرته شبكة "سي أن أن" بالتعاون مع أحد مراكز الأبحاث كانت النتيجة تراجعا لشعبية ترمب ولكن مع احتفاظه بالمركز الأول، أما جيب بوش فتراجع بشكل ملحوظ ليكون على رأس القائمة ترمب، ثم المرشحة التي تحدثنا عنها سابقا وهي كارلا فيورينا الرئيسة السابقة لشركة هيوليت باكارد التكنولوجية المشهورة ثم بين كارسون جراح الأعصاب المتقاعد، ما يجمع الثلاثة هو أن أيا منهم لم يتولّ منصبا سياسيا قبل ذلك، فكل من وصل إلى كرسي الرئاسة سابقا كان إما حاكما لولاية أو عضوا في مجلس الشيوخ أو غير ذلك من المناصب السياسية ولكن الثلاثي الذي يتنافس اليوم على ترشيح الجمهوريين، وبالتالي على كرسي الرئاسة، كلهم أحداث على اللعبة السياسية.
يتنافس الثلاثة في الحصول على أصوات المحافظين الأمريكيين الذين ازدادوا محافظة خلال السنوات الأخيرة مع نمو حركة حفلة الشاي
اليمينية المتطرفة داخل الحزب الجمهوري ومع تزايد المعارضة لسياسات الرئيس أوباما الذي يعتقد المحافظون أنه أضعف الولايات المتحدة خارجيا عبر رفضه التدخل العسكري ضد التمدد الروسي الجيوستراتيجي وداخليا عبر الإنفاق المتزايد على برامج الرعاية الاجتماعية ودعم السياسات الليبرالية التي يرى المحافظون أنها تضرب "الهوية المسيحية" للمجتمع الأمريكي، هذا التنافس دفع المرشحين لمحاولة إظهار وجه أكثر تشددا تجاه الأقليات والمهاجرين وبشكل خاص ضد الإسلام والمسلمين للوصول إلى القواعد الانتخابية المتشددة للحزب، وقد وصلت التصريحات المتتالية للمرشحين حول الإسلام إلى مستوى خطير مع رفض أي من المرشحين الجمهوريين إدانة الاعتقال التعسفي للطالب أحمد محمد الذي استدعت إدارة مدرسته الشرطة خوفا من "الساعة" المنزلية التي ابتكرها، المدرسة التي تقع في قلب أمريكا المحافظة في تكساس تصرفت بعدائية وتمييز واضحين مع أحمد، ورغم ذلك رفض المرشحون حينما عرض عليهم الموضوع في المناظرة إدانة المدرسة أو الشرطة، بل إن بعضهم دافع عن ذلك باعتباره حفظا للأمن، ولم يحجب مرشح واحد عن ذكر مصطلح "الإسلام الراديكالي" في إشارة إلى أكبر تحدٍّ خارجي يواجه الولايات المتحدة، بل إن المرشحين وجهوا لوما شديدا إلى الرئيس الحالي لرفضه استخدام هذا المصطلح.
واستمر سيل العداء للإسلام بعد المناظرة؛ حيث تحدث أحد الحضور إلى ترمب أمام الجمهور والكاميرات في إحدى مناسباته الانتخابية ليدعي أمامه أن أوباما مسلم وليطلب التخلص من المسلمين في أمريكا، ولم يصحح ترمب معلوماته بل قال عن مقترحه إزالة الوجود المسلم في أمريكا: إنه من الأمور التي يجب التفكير فيها، وقد ووجه ترمب بمطالب للاعتذار أو تبرير موقفه ورفض مؤكدا أنه ليس بحاجة أن "يدافع" عن أوباما في إشارة ضمنية إلى أنه يعتبر الإسلام "إهانة"، وجاء بن كارسون قبل أيام ليؤكد أنه يرفض وصول مسلم إلى كرسي الرئاسة ويعتبر الإسلام مناقضا للدستور الأمريكي، كما أن جيب بوش والذي بتراجع اليوم في الاستطلاعات ولكنه كان المرشح الأوفر حظا في بداية المشوار قد صرح قبل أشهر أنه يعتبر أن الإسلام تم اختطافه من قبل مجموعة من الهمجيين الذين يعادون الغرب، وبالتالي لا يمكن النظر لإسلامهم على أنه دين سلام، عاد ليؤكد أن المسلمين السلميين لا ينطبق عليهم كلامه ولكن أكد اختطاف الإسلام، فيورينا المرشحة الوحيدة التي هوجمت من قبل المحافظين بسبب موقفها "المتعاطف" مع الإسلام كانت عاشت في غانا في طفولتها وذكرت في محاضرة لها بعد أحداث سبتمبر أنها كانت تشعر بالطمأنينة عند الاستماع إلى الأذان، وأنها تعتقد أن الأمة الإسلامية قدمت للحضارة الإنسانية الكثير، ملاحظاتها هذه في محاضرة عمرها عقد ونصف تسببت في موجة انتقاد لفيورينا إلى درجة وصفها "بالمتعاطفة مع الإسلام" والعياذ بالله!
المرشح الجمهوري سيكون حسب المراقبين الأوفر حظا للوصول إلى البيت الأبيض، وبالتالي فإن وصول أحداث سياسيين متطرفين مثل ترمب وكارسون سيتسبب في تزايد موجة العداء ضد الإسلام والإجراءات التي تنتهك حقوق المسلمين بدعوى مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة، حتى بعد أحداث سبتمبر لم يشهد الخطاب السياسي في الولايات المتحدة هذه الدرجة من استهداف الإسلام والمسلمين، والأيام القادمة ستكون أصعب أمام أقلية مسلمة تقدّر بالملايين في بلد الحريات والمساواة، الحريات والمساواة التي لا تتعارض مع المصالح الانتخابية بطبيعة الحال.
(عن صحيفة "العرب" القطرية- 23 أيلول/ سبتمبر 2015)