مقالات مختارة

رغم أن الانقلابي مات.. فالانقلاب ما زال حيا

1300x600
كتب  علي بيرم أغلو: مات مؤسّس الانقلاب العسكري كنعان إيفرين.. إيفرين الذي قام بانقلاب عسكري على الحكومة ومجلس الشعب والدولة في 12 أيلول/ سبتمبر 1980. استولى إيفرين على الدولة ونصّب نفسه رئيسا للجمهورية من عام 1980 حتى 1989 وغيّر الدستور وفصّله على مقاسه. اسمه الآن في اللائحة السوداء في التاريخ والسياسة التركية، فلا يذكره الناس إلا بانقلابه وظُلمه وتحريضاته. ولذلك يرى الناس أنه لا يستحق الترحّم عليه. وبذلك فإن مشاركة رجالات الدولة أو ممثليها في جنازته حتما سيُعّد مبادرة غير مرحّب بها من قِبَل الشعب، ولهذا فلم يشارك فيها أحد. 

الفاتورة التي تكلّفتها الدولة التركية جرّاء انقلاب إيفرين في 12 أيلول/ سبتمبر كانت مُكلفة جدا، وجاء صداها في وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة، من بينها التعذيب الممنهج والقمع والتصفيات والإعدامات الميدانية التي ترتقي لجرائم بحق الإنسانية، عدا عن جُرم التدخّل في القضاء. وإلى جانب الجرائم الإنسانية فإننا حتما سنجد الفاتورة السياسية التي دفعها الشعب والدولة.

ملخّص الفاتورة كما يلي: برغم أن تاريخ انقلاب 12 أيلول/ سبتمبر كان تاريخ انتهاء الانقلابات العسكرية في دول أمريكا اللاتنية، إلا أنه نقش نظام الأمن القومي وشرّع القانون والدساتير بذلك. وقد غيّر الانقلابيون دستور الدولة من الرأس إلى العقب، وانتهكوا القوانين طيلة ثلاثة أعوام بما يناسب العقلية الانقلابية. أدى ذلك إلى الحد من الحقوق والحريّات العامة. الضربة الأولية ضمّت تحريف تعيين رئيس الجمهورية وصلاحيات الهيئة العامة للرقابة والتغلغل في بنود هيئة التعليم العالي والمجلس الأعلى للقضاة والمدّعين العاميّن وقانون الطوارئ، وغيرها من القوانين المِفصلية في حياة الدولة. تم قتل كل واحدة منها على حِدة.

وتركيا ما زالت تدار عبر تلك القوانين التي شرعّها "كنعان إيفرين" بعد انقلابه العسكري على الدولة والقوانين. فآلية الهيئة العامة للرقابة والتفتيش هي نفس الآلية التي وضعها إيفرين منذ 1980، وحتى قوانين المجلس الأعلى للقضاة والمدّعين العامّين تدار بقوانين إيفرين إلى اليوم، إلى جانب غيرها من القوانين والأحكام الصادرة عن الانقلابيين. والمفهوم الذي تركه إيفرين في نظام الأمن القومي الذي يؤمن بقدسية الدولة، ويجرّم كل من عارض بفكره هذا النظام وقوانينه، مازالت على قيد الحياة ويعمل بها إلى اليوم.

أيديولوجية نظام الأمن القومي أصدرها الانقلابيون سنه 1983، وذلك في اجتماع مجلس الأمن القومي. ونصّت على ما يلي: "بعد 12 أيلول/ سبتمبر 1980 والجهد الحثيث والاطلاع والمراقبة التامة من قبل مجلس الأمن القومي، فقد تبيّن لديها أن القوانين التي أصدرها مجلس الأمن القومي سنة 1980 كانت بمثابة الحماية لأجهزة الدولة من الأخطار والتهديدات الموجّهة إليها. لذا فقد قرّرنا أن نُبقي على القوانين التي أصدرها المجلس ونعلن عن سريانها حتى إشعار آخر:. هذا القانون ما زلنا نعمل به حتى هذا التاريخ!

بعد كل التغييرات الجذرية التي قامت بها تركيا من أجل تغيير القوانين ودستور الانقلابي كنعان إيفرين، فإنها ما زالت تركيا تعمل بقوانينه ودستوره. وفاة إيفرين ذكّرتنا بأنه يجب علينا تغيير دستور الانقلاب.

( عن صحيفة يني شفق- ترجمة وتحرير: عربي21)
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع