بينما تواصل
إسرائيل قصفها الوحشي لمخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية، حيث طردت في الأسبوع
الماضي وحده 15 ألف
فلسطيني من المخيم وهدمت العشرات من المنازل، اقترح الرئيس
دونالد
ترامب، في انتهاك صريح للقانون الدولي، "تنظيف" (وليس
"تطهير" كما ترجم إلى اللغة العربية خطأ)
غزة عبر طرد مليون ونصف
المليون فلسطيني (أي مئة ضعف عدد الفلسطينيين الذين طردتهم إسرائيل هذا الأسبوع من
جنين) قد نجوا للتو من الإبادة الجماعية الإسرائيلية من القطاع المدمر إلى
مصر
والأردن.
إن اقتراح ترامب بتهجير الفلسطينيين، وهو اقتراح ينتهك
القانون الدولي، ليس بجديد، بل هو استمرار لسياسة غربية سرية بدأت قبل 15 شهرا. ففي
تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أي بعد بضعة أيام من بدء حملة الإبادة الإسرائيلية على فلسطينيي
غزة، طالب الإسرائيليون بتهجير الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء المصرية. وعلى
الفور شرع جو بايدن (أو "جو الإبادي" كما أضحى يُلقّب) وحلفاؤه العرب على
العمل على خطة لتحقيق رغبات إسرائيل، على الرغم من أن الرئيس المصري عبد الفتاح
السيسي اقترح أن يقوم الإسرائيليون بنقل سكان غزة من النازحين إلى داخل إسرائيل
نفسها بدلا من سيناء. والواقع أن الولايات المتحدة والأوروبيين كانوا قد بدأوا في
التفاوض مع بعض الدول الأفريقية، بما في ذلك الكونغو، وكندا، بل وحتى طرحوا
المملكة العربية السعودية أيضا، كوجهات محتملة للفلسطينيين الذين تخطط إسرائيل
والغرب لطردهم من غزة.
اقتراح ترامب بتهجير الفلسطينيين، وهو اقتراح ينتهك القانون الدولي، ليس بجديد، بل هو استمرار لسياسة غربية سرية بدأت قبل 15 شهرا
ويتلخص منطق ترامب في اقتراحه الذي ينتهك القانون الدولي في
قوله: "أُفضّل أن أتدخل مع بعض الدول العربية وأبني مساكن في موقع مختلف حيث
يمكنهم ربما العيش في سلام بخلاف ما هم عليه الآن"، مضيفا أن نقل سكان غزة قد
يكون "مؤقتا أو طويل الأمد". إن هذه الرغبة، ولا يهم إن كانت صادقة أو مخادعة،
في أن يعيش الفلسطينيون في سلام بعد طردهم من وطنهم لفتحه للاستيطان اليهودي غير
القانوني وسرقة أراضي الفلسطينيين، يكرر المقترحات الإسرائيلية التي طرحت في تشرين
الأول/ أكتوبر 2023، والتي صورت التطهير العرقي المخطط له من قبل إسرائيل
للفلسطينيين في غزة وطردهم المحتمل إلى سيناء المصرية كمشروع رائع ومعقول، ووصفت
سيناء بأنها "واحدة من أكثر الأماكن ملاءمة على وجه الأرض لتزويد شعب غزة
بالأمل ومستقبل سلمي".
وبينما
تمثل هذه الخطة انتهاكا صريحا للقانون الدولي، ولا يمكن أن تحقق السلام المنشود لا
للفلسطينيين ولا للإسرائيليين، فإن الحل الوحيد القادر على تحقيق ذلك إنما يكمن
بالتزام إسرائيل بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وأن يركز "تدخّل"
ترامب على الضغط على إسرائيل، وليس على الدول العربية الأخرى، لإجبارها، بموجب القانون
الدولي، على إعادة جميع اللاجئين الفلسطينيين الذين طردتهم منذ عام 1948 إلى ديارهم
ودورهم التي يحتلها الآن المستعمرون اليهود بشكل غير قانوني "وبناء المساكن"
لأولئك الذين دمرت إسرائيل قراهم على أراضي قراهم وبلداتهم الأصلية. بذلك يتحقق السلام
الحقيقي والدائم للفلسطينيين واليهود الإسرائيليين، وسوف يتماشى كذلك مع رغبة ترامب
في أن يعيش الناس في "سلام بخلاف ما هم عليه
الآن"
ودون انتهاك القانون الدولي.
من
اللافت أن أي حكومة عربية لم تطرح حتى الآن فكرة أن تصبح الدول الأفريقية أو كندا،
فضلا عن الولايات المتحدة وأوروبا، وجهات لليهود الإسرائيليين الفارين من الدمار الذي
طال أجزاء من بلادهم منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وفي حين تشير التقديرات الرسمية
إلى مغادرة 82 ألف يهودي إسرائيلي البلاد منذ بدء الإبادة الجماعية الإسرائيلية، فإن
التقديرات غير الرسمية تشير إلى أن العدد يقترب من نصف مليون. ومن المؤكد أن العديد
من اليهود الإسرائيليين سيرحبون بفرصة "العيش في سلام بخلاف ما هم عليه الآن"، كما قال ترامب، في الولايات المتحدة
وفي بلدان أخرى يمكن لترامب الضغط عليها لاستقبالهم كلاجئين، خاصة وأن أكثر من مليون
إسرائيلي يحملون بالفعل جوازات سفر أمريكية وأوروبية وبالتالي لن يحتاجوا حتى إلى منحهم
وضع "اللاجئ".
في ظل هذا الواقع، تبرز الحاجة لأن يقدم ترامب مبادرة لاستيعاب مئات الآلاف من اليهود الإسرائيليين الذين نزحوا بسبب قصف شمال البلاد ومنطقة ما يسمى بـ"غلاف غزة"، والذين يمتنعون حتى الآن عن العودة إلى مستوطناتهم بسبب انعدام الأمن، وما زالوا نازحين في أجزاء أخرى من إسرائيل. كما أن سكان تل أبيب الذين لم يعودوا يشعرون بالأمان نتيجة القصف الصاروخي المتكرر على مدينتهم ومحيطها، سوف يرحبون بعرض أمريكي أو أوروبي أو كندي لاستقبالهم
تزعم
الحكومة الإسرائيلية أن 720 ألف إسرائيلي، معظمهم من المستعمرين اليهود وأحفادهم،
قد غادروا البلاد بين عامي 1948 و2015 إلى دول أكثر أمانا ولم يعودوا أبدا إلى المستعمرة-
الاستيطانية. وفي كانون الأول/ ديسمبر 2022، أفادت صحيفة معاريف الإسرائيلية بتأسيس
حركة جديدة هدفها تسهيل هجرة اليهود الإسرائيليين إلى الولايات المتحدة، كرد فعل
على الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التي جلبت نتنياهو وائتلافه المتعصب إلى السلطة،
وهو ما تعتبره المجموعة الجديدة تغيّرا جذريّا في علاقة الدولة الصهيونية بالدين. وقد
قدمت المجموعة، التي تطلق على نفسها اسم "مغادرة البلاد- معا"، خططا لنقل
10 آلاف يهودي إسرائيلي في المرحلة الأولى. ومن بين قادة المجموعة، الناشط الإسرائيلي
المناهض لنتنياهو يانيف غورليك ورجل الأعمال الإسرائيلي الأمريكي مردخاي كاهانا.
في
ظل هذا الواقع، تبرز الحاجة لأن يقدم ترامب مبادرة لاستيعاب مئات الآلاف من اليهود
الإسرائيليين الذين نزحوا بسبب قصف شمال البلاد ومنطقة ما يسمى بـ"غلاف غزة"،
والذين يمتنعون حتى الآن عن العودة إلى مستوطناتهم بسبب انعدام الأمن، وما زالوا نازحين
في أجزاء أخرى من إسرائيل. كما أن سكان تل أبيب الذين لم يعودوا يشعرون بالأمان نتيجة
القصف الصاروخي المتكرر على مدينتهم ومحيطها، سوف يرحبون بعرض أمريكي أو أوروبي أو
كندي لاستقبالهم وتوفير السكن المجاني لهم حتى يتمكنوا هم أيضا من "العيش في سلام بخلاف ما هم عليه الآن".
وربما
يمكن للملك الأردني عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وكلاهما يرفضان
اقتراح ترامب باستقبال الفلسطينيين المطرودين، أن يطرحا على ترامب مقترحا معاكسا
يحقق لليهود الإسرائيليين النازحين فرصة العيش في "سلام". ويمكن أيضا تقديم
اقتراح معقول إلى المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة (أو يمكن
لهذه الدول الثلاث أن تتطوع بعرض خاص بها) لتمويل هجرة هؤلاء اليهود الإسرائيليين وتوفير
السكن لهم في أوطانهم القديمة/ الجديدة.
هذا
الحل ليس ضربا من الطوباوية أو المثالية لإنهاء حالة الحرب المستمرة التي فرضتها إسرائيل
على منطقة الشرق الأوسط بأكملها منذ تأسيسها في عام 1948 كمستعمرة استيطانية يهودية
قائمة على أراض الفلسطينيين المسروقة، بل على النقيض من ذلك، يمثل استجابة منطقية
وعملية للوضع الراهن، إذ يتيح للاجئين الفلسطينيين العودة إلى أراضيهم المسلوبة بموجب
القانون الدولي، بينما يجد اليهود الإسرائيليون، الذين لم يعودوا يشعرون بالأمان
على الأراضي الفلسطينية المسروقة، فرصة للعيش في دول توفر لهم الأمان والاستقرار
الذي ينشدونه.
فهل
يمكن أن يجد هذا الحل قبولا؟