كتاب عربي 21

العناق مع "الشيطان الأكبر"!!

1300x600
هل يمكن توصيف ما جرى من لقاء أمريكي إيراني على دعم حيدر العبادي رئيسا للحكومة كبديل عن نوري المالكي خارج سياق العنوان أعلاه "العناق مع الشيطان الأكبر"؟

سيماري أبواق إيران، وما أكثرهم في الفضاء العربي في ذلك، وسينكرون وجود صفقة على ترتيب الوضع الجديد، لكأن قادة القوى الشيعية قد تمردوا على قاسم سليماني، وصار بوسعهم طبخ صفقة مع واشنطن من وراء ظهر طهران، الأمر الذي لا يقول به عاقل (قيل إن الملف قد أحيل إلى علي شمخاني؛ وأستبعد ذلك من الناحية العملية، حتى لو كان الأخير هو من أشرف على الطبخة الأخيرة نظرا لصعوبتها على الأول).

لو أصرَّت إيران على بقاء المالكي لم تجرأ قادة حزب الدعوة وأهم رموزه على التخلي عنه، فضلا عن القوى الأخرى التي تتمرد أحيانا، لكنها (أكثرها في أقل تقدير) تبقى تحت سيطرة إيران، فما من تيار إلا ولطهران فيه من الرموز والاختراقات ما يمكّنها من التأثير عليه.

أيا يكن الأمر، فما جرى كان صفقة اضطرارية لا صلة لها البتة بنزاع الحكم داخل إيران، بخاصة أن الإصلاحيين والمحافظين لا يختلفون كثيرا في الملف العراقي، خلافا للسوري، ونقول اضطرارية بعد أن رأى قادة إيران عجز الجيش العراقي، وحتى المليشيات عن وقف تمدد تنظيم الدولة رغم المساعدة الإيرانية المباشرة وغير المباشرة.

سيقال هنا إن القصف الأمريكي الجوي لمواقع تنظيم الدولة قد بدأ قبل الإعلان عن تكليف العبادي بالحكومة، وهو أمر لا يغير في واقع الصفقة، لأن الإعلان شيء والتفاهم شيء آخر، لكن الأهم هو أن قصف مواقع الدولة في الشمال لن يحل المعضلة في مناطق أخرى، ولا بد من صفقة أشمل تتضمن أسلحة جديدة للجيش العراقي من جهة، وعمليات قصف أخرى للمواقع المتبقية بترتيب مع ذلك الجيش الذي يمكن أن يتقدم نحو مواقع الدولة في ظل غطاء من القصف الجوي الأمريكي، وهو خيار قد يأتي لاحقا، وقد ينتظر إلى أن يتم الاتفاق على صفقة النووي مع إيران، طبعا بحسب ما يرى قادة واشنطن.

لقد أدركت إيران؛ وسريعا هذه المرة حقيقة عجزها عن مواجهة استنزاف في العراق يُضاف إلى الاستنزاف الطويل والصعب في سوريا، وهي لذلك اختارت هذه الصفقة مع واشنطن، ربما كجزء من تسوية أكبر تشمل النووي، وربما تشمل ملفات إقليمية أخرى، وهو ما يدعمه روحاني بكل تأكيد، ومن سمع تصريحاته قبل أيام عن مفاوضات النووي، واللغة التي تحدث بها سيدرك أن الرجل يزداد قوة، فقد وصل حد القول لمعارضي تلك المفاوضات "إذهبوا إلى الجحيم"، ما يعني أنه يستند إلى تيار شعبي عريض يريد التخلص من استنزاف العقوبات، وينحاز إلى إكمال الصفقة، فضلا عن تسويات أخرى مع أمريكا والغرب، وربما مع آخرين في المنطقة إذا أتيح الأمر.

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يمكن لمن تخلوا عن المالكي تحت وطأة الخوف من نزيف صعب ومكلف أن يذهبوا نحو التخلي عن بشار الأسد أيضا؟ 

الجواب هو أن قضية سوريا تبدو مختلفة عن العراق، فهنا في سوريا لم يكن ما تفعله إيران سوى نوع من اللقاء غير المقصود، وغير المتفق عليه بين البلدين، فما فعلته إيران كان رائعا بالنسبة لنتنياهو، وهو كذلك بالضرورة بالنسبة لأمريكا، ولولاه لما تخلى بشار عن الكيماوي، ولولاه لما أبدت إيران استعدادا للتخلي عن النووي على هذا النحو الواضح.

وبالتالي فلا مانع لدى واشنطن، بل ربما تحبذ أن تواصل إيران نزيفها في سوريا، فهي تضعف أكثر فأكثر، ويضعف معها حزب الله، وتدمَّر سوريا وتُستنزَف تركيا وربيع العرب والإسلاميين، وكل ذلك يصبُّ في خانة الصهاينة والمشروع الأمريكي، وبالتالي فإن موقفا جديدا من إيران في سوريا لن يتطلب عناقا مع واشنطن، بقدر ما يتطلب عودة للرشد، وبحثا عن تسوية أو تهدئة مع الوضع العربي المحيط، بخاصة الشعبي الذي خسرته بامتياز، مفجرة حربا مذهبية ساخنة وباردة لم تعرفها المنطقة منذ الصراع الصفوي العثماني قبل خمسة قرون.

وفي الخلاصة ثمة سؤالان؛ الأول هو هل سيكون تكليف العبادي محطة تسوية في العراق تدفع الشيعة نحو سياسة أكثر توازنا بعيدا عن الهيمنة المطلقة لإيران. أما الثاني فهو ما إذا كان بوسع إيران أن تتعانق مع المحيط العربي والإسلامي كما تتعانق الآن مع أمريكا، أم ستعتبر أن عناقها مع أمريكا سيغنيها عن حوار وتسوية مع المحيط؟ مؤكد أنها ستواصل رحلة العبث إذا لم تختر المسار الثاني، ولن تضع قدمها على السكة الصحيحة ما لم تقبل بتسوية في سوريا يرضى بها الشعب السوري، بعيدا عن نظام بشار الطائفي الدموي، فضلا عن تسوية في لبنان قد تشكل عودة الحريري تمهيدا لها.