دعاني أحد الأصدقاء لاصطحابه في زيارة لمقابر السيدة عائشة.. لم أفكر كثيراً خاصة وأنني كنت اعتزم أن أكتب سلسلة موضوعات وتقارير عن سكان
القبور الذين يتجاوز عددهم أكثر من 5 ملايين نسمة وفق الإحصاءات والأرقام غير الرسمية.
ذهبنا في التاسعة من صباح الجمعة الماضية وكان عم سالم ينتظرنا على مدخل المقابر الخاصة بالزميل.
عم سالم هو أحد حراس المقابر، ولا يتجاوز عمره 55 عاماً ويعمل هو وأبناؤه الستة وزوجته في المقابر وعلى خدمة أصحاب المقابر.
عرض علينا أن نتناول معه المشروب الرسمي "الشاي" وأثناء إعداد الشاي سأله زميلي عن أحواله وأحوال زملائه سكان المقابر، فضحك عم سالم وقال: "هانروح فين تاني بعد المقابر يا بيه، الدنيا تخرب تعمر إحنا مالنا".
سألته: يبدو أنك مش مبسوط يا حاج سالم، فرد: ومين يعرف يتبسط وهوه حياته كلها في القبور ومع
الأموات ؟
فقلت: هذه حياتك أنت وملايين كثيرين وكان من الممكن أن تغادر هذا المكان وتعمل في أي مهنة أخرى، فقال: يا باشا إحنا حالنا الحمد ماشي، لكن بنسمع من الناس إن كل حاجة فيها مشكلة، لكن بالنسبة لبتوع المقابر شغلهم ماشي كويس لأن مفيش يوم بيعدي من غير ميتين.
قال: إحنا مشكلتنا الأساسية هنا في المرافق، الميه والكهرباء، حتى الكهرباء دلوقتي بقت بتقطع في
مصر كلها، يعني اهو قربنا نتساوى مع الناس ال ساكنة برة القبور، وسأل: ليه الحكومة مش توصلنا مرافق وتعملنا خدمات وإحنا مريحينها من الشقق والطرق والتعليم ؟
فقلت: لماذا لم تتقدموا بطلبات للحكومة لتوصيل هذه المرافق ؟
فقال: احنا سمعنا كلام من أيام عاطف عبيد وانهم هايعملوا مرافق عندنا بس أهو حال البلد زي ما انت شايف.
فقلت: ولماذا لم يتجمع كل سكان المقابر ويبدأوا بتأسيس رابطة أو نقابة تتحدث باسمهم ؟
فقال: إحنا بصراحة فكرنا نعمل
مظاهرة زي ال بنسمع عنهم والحكومة بتعمل ال بيطلبوه، بس إحنا ناس غلابة ونخاف من الحكومة. قلنا نصبر شوية يمكن ربنا يكتب لنا نستريح آخر أيام في حياتنا.
ورغم قسوة الحياة التي يعيشها عم سالم وملايين غيره، لكنه يرى نفسه أحسن حالاً من آخرين كثيرين خارج القبور، هذا لسبب واحد فقط وهو أنهم لا ينتظرون شيئاً من الحكومة ويعيشون حياتهم الطبيعية وكأنهم في دولة لا يوجد بها حكومة أو أجهزة تنفيذية.