خلص تحقيق بريطاني نشر الخميس الماضي إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يجب أن يكون هو من أصدر الأمر بتنفيذ الهجوم بغاز الأعصاب “نوفيتشوك” على العميل الروسي المزدوج سيرغي
سكريبال عام 2018، في عملية وصفت بأنها “استعراض متهور للقوة” انتهى بوفاة امرأة بريطانية بريئة إثر تعرضها للسم.
وعثر على سكريبال وابنته يوليا فاقدين الوعي على مقعد عام في مدينة سالزبوري جنوب إنجلترا بعد وضع غاز “نوفيتشوك” على مقبض باب منزلهما. وأصيب أفراد من عائلة سكريبال وضابط شرطة زار الموقع بحالات حرجة، لكنهم تعافوا لاحقا.
بعد نحو أربعة أشهر، لقيت دون ستورجيس، وهي أم لثلاثة أطفال، حتفها إثر تعرضها للسم نفسه بعدما عثر شريكها على زجاجة عطر مزيفة اتضح أنها استخدمت في تهريب المادة السامة إلى الأراضي البريطانية.
“تفويض من أعلى مستوى”
رئيس لجنة التحقيق، القاضي السابق في المحكمة العليا البريطانية أنتوني هيوز، أكد في استنتاجاته أن فريقا من ضباط الاستخبارات العسكرية الروسية نفذ محاولة
اغتيال سكريبال، الذي كان قد باع أسرارا روسية لبريطانيا وانتقل إليها ضمن صفقة تبادل جواسيس عام 2010.
وقال هيوز في تقريره: “توصلت إلى أن اغتيال سكريبال لابد أنه حظي بتفويض من أعلى مستوى، من الرئيس بوتين. الأدلة على أن الهجوم كان عملية حكومية روسية دامغة”.
وشدد على أن الجاسوسين الروسيين اللذين وضعا غاز “نوفيتشوك” على باب سكريبال تخلصا من زجاجة العطر الملوثة “دون أي اعتبار للخطر الهائل الذي قد يتعرض له الأبرياء”. وأبلغت اللجنة أن الزجاجة كانت تحتوي على كمية من السم تكفي لقتل آلاف الأشخاص.
وأضاف هيوز أن “هذه الأفعال المتهورة بشكل مذهل تعني أن المنفذين ورؤساءهم ومن أصدروا الأمر، وصولا إلى بوتين نفسه، يتحملون المسؤولية الأخلاقية عن وفاة ستورجيس”.
وكانت الشرطة البريطانية قد وجهت اتهامات غيابية لثلاثة مشتبه بهم ينتمون إلى فريق الاغتيال الروسي.
عقوبات بريطانية جديدة ورد روسي
في ضوء نتائج التحقيق، أعلنت الحكومة البريطانية الخميس فرض عقوبات جديدة ضد الاستخبارات العسكرية الروسية، واستدعت السفير الروسي احتجاجا على ما وصفته بـ“حملة موسكو العدائية المستمرة”.
وقال رئيس الوزراء كير ستارمر: “ستقف المملكة المتحدة دائما في وجه نظام بوتين الوحشي، وستكشف حقيقة آلته القاتلة”.
وشكلت حادثة سالزبوري أكبر عملية طرد دبلوماسي متبادل بين الشرق والغرب منذ الحرب الباردة، وزادت العلاقات بين لندن وموسكو تدهورا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، إذ تعد
بريطانيا من أبرز الداعمين العسكريين لكييف.
وظهر اثنان من الروس المتهمين بتنفيذ الهجوم لاحقا على شاشة التلفزيون الروسي لنفي تورطهما، زاعمين أنهما كانا “سائحين” يزوران كاتدرائية المدينة، بينما نفى المتهمون الثلاثة جميعا أي علاقة بالعملية.
“رغبة روسية في المخاطرة”
وأشار هيوز في تقريره إلى أن
روسيا باتت تظهر “رغبة متزايدة في المخاطرة”، مستشهدا بضم شبه جزيرة القرم وإسقاط الطائرة الماليزية في 2014. وأضاف أن عملية تسميم سكريبال لم تكن مجرد انتقام، بل “بيان قوة موجه للرأي العام الدولي والمحلي بأن روسيا ستتصرف بحزم دفاعا عن مصالحها”.
ورغم أن بوتين سبق أن وصف سكريبال بـ“الخائن”، أكد التحقيق أنه لا توجد مؤشرات إلى أنه كان تحت تهديد وشيك، أو أن السلطات البريطانية كانت قادرة على حمايته بشكل أفضل.
ويعد هذا التحقيق ثاني تحقيق بريطاني يلقي باللوم على بوتين في عمليات اغتيال نفذت داخل بريطانيا. ففي عام 2016، خلص تحقيق رسمي إلى أن بوتين “ربما أمر” بقتل ألكسندر ليتفينينكو في لندن باستخدام البولونيوم المشع.
“اتهامات بلا معنى”
وفي أول رد على نتائج التقرير، قالت السفارة الروسية في لندن إن سفيرها زار مقر وزارة الخارجية البريطانية لرفض “الاتهامات التي لا أساس لها والتي لا معنى لها”، بما في ذلك تلك الموجهة مباشرة إلى بوتين.
واتهمت السفارة لندن بالسعي إلى “عرقلة عملية التفاوض السريعة الجارية من أجل التوصل إلى تسوية سلمية للصراع في أوكرانيا”.