صحافة دولية

الغربة قسرا.. سماسرة يعرضون على الغزيين الخروج مقابل مبالغ كبيرة

المجموعة المنظمة للرحلة تتمتع بصلات قوية مع إسرائيل - الأناضول
في ظل الأوضاع الإنسانية المتدهورة في قطاع غزة بعد أسابيع من وقف إطلاق النار، لجأ عدد من سكان القطاع إلى شركات ومجموعات خاصة لتنظيم رحلات إجلاء خارج الأراضي الفلسطينية، في ظل قيود تنقل صارمة ودمار واسع للبنية التحتية.

ونشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا أعدته هبة صالح ومليكة كنعانة وجيمس شوتر حول السماسرة الذين يعرضون إخراج الفلسطينيين من غزة وبثمن.

وقالوا في تقريرهم إن رجل الأعمال الفلسطيني وسام بشير وعائلته لم يعلموا أنهم ذاهبون إلى جنوب إفريقيا إلا بعد هبوط طائرتهم المستأجرة في كينيا وتسليمهم بطاقات الصعود إلى الطائرة للمرحلة التالية من رحلتهم.

وكان بشير وزوجته وطفلاهما الصغيران من بين حوالي 180 شخصا تم نقلهم بالحافلات من غزة في أواخر تشرين الأول / أكتوبر من قبل مجموعة تسمى "المجد أوروبا"، والتي نظمت منذ أشهر مغادرة الفلسطينيين من القطاع المدمر عبر مطار رامون الإسرائيلي.

وأضاف التقرير أنه على الرغم من أن الركاب لم يكن لديهم في البداية أي فكرة عن وجهتهم، إلا أن بشير وصف الأجواء على متن الرحلة بالفرحة، وقال بشير، الذي دفع للمجد 12,000 دولارا أمريكيا بالعملة المشفرة لشراء تذكرة عائلته: "كنا سعداء، لأن المجهول أفضل من غزة" و "مسؤوليتي هي حماية أطفالي. وكان علي البحث عن طريقة لإخراجهم من هذا الوضع الكارثي".

وعلقت الصحيفة أن المجموعة المنظمة للرحلة كان من  الواضح أنها تتمتع بصلات قوية مع إسرائيل بما يكفي لتمريرها عبر خط المواجهة، إلى الأراضي الإسرائيلية، وعبور العالم، كل ذلك دولة دفع فيها وزراء الحكومة فكرة تفريغ غزة من سكانها.

وفي حين أن هذا دفع إلى تدقيقٍ شديد في أصول المجد ونواياها، إلا أنه كشف عن واقع مؤلم لسكان غزة: فرغم وقف إطلاق النار المدعوم من الولايات المتحدة، لا يرى الكثيرون أملا يذكر في البقاء، حتى لو كان ذلك يعني المغادرة دون معرفة وجهتهم أو ما إذا كانوا سيعودون يوما ما.

ونقلت الصحيفة عن محمد أبو سيف، الذي غادر مع عائلته على متن الرحلة نفسها التي كان على متنها بشير: "في غزة، كنا جميعا كالأموات الأحياء. ومثل أي شخص في غزة، بحثت عن سبيل للنجاة من ذلك الجحيم".

وعلى الرغم من أن وقف إطلاق النار الذي استمر ستة أسابيع قد أنهى أسوأ ما في الصراع، إلا أن معظم سكان غزة البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة قد أصبحوا بلا مأوى بسبب القصف الإسرائيلي المستمر، الذي حول القطاع إلى أنقاض.

وأضاف التقرير أنه من غير المرجح أن تبدأ عملية إعادة الإعمار، التي من المتوقع أن تستغرق سنوات وتكلف عشرات المليارات من الدولارات، إلا بعد نشر قوة أمنية دولية، وموافقة حماس على نزع سلاحها وانسحاب القوات الإسرائيلية، وهي عملية غير واضحة. وبدون دخل أو مدخرات، لا يعرف الكثيرون كيف سيعيدون بناء حياتهم حتى لو صمد وقف إطلاق النار.

وقال علي، وهو ليس اسمه الحقيقي، مصمم جرافيك لديه زوجة وطفلان، إنه سجل لدى المجد منذ خمسة أشهر ولا يزال ينتظر تأكيدا على قدرته على المغادرة. وقال علي: "إذا قلت لأي شخص في غزة الآن: تعال وسأخرجك دون أن أخبرك بالوجهة، فأنا متأكد من أنهم سيوافقون. ربما من بين ألف شخص تسألهم، سيرفض واحد فقط".

ويقول العديد من الفلسطينيين إنهم جربوا طرقا لا تحصى للمغادرة، دون جدوى. توجد بعض الطرق الرسمية، بما في ذلك الإجلاء الطبي عبر منظمة الصحة العالمية والسفر الذي تنظمه السفارات لقلة مختارة. وقد أجبر هذا معظمهم على اللجوء بدلا من ذلك إلى سماسرة يعرضون عليهم مغادرة غزة مقابل ثمن، مع الإعلان عن مخططات مختلفة عبر الإنترنت.

وأضاف التقرير أن سكان غزة قالوا إن موقع "المجد" الإلكتروني كان متداولا على وسائل التواصل الاجتماعي لأشهر، حتى أن المجموعة حذرت من إنشاء صفحات مزيفة باسمها، وقال أبو سيف: "كان هناك العديد من الروابط التي يتم الترويج لها في غزة، وقد اشتركنا فيها جميعا"، مضيفا أن إحدى المجموعات طلبت منه دفع 3,000 دولارا للشخص الواحد قبل أن يدرك أنها عملية احتيال، واستقر أبو سيف في النهاية على "المجد" بعد أن خلص إلى أن الآخرين كانوا يديرون عمليات احتيال.

وقالت المجموعة على موقعها الإلكتروني إنها تأسست في ألمانيا عام 2010 لمساعدة المجتمعات المسلمة. لكن الأمر لفت الانتباه الدولي هذا الشهر عندما أمضى 153 من سكان غزة 12 ساعة على متن طائرة في جوهانسبرغ، بعد أن رفضت السلطات في جنوب إفريقيا السماح لهم بالنزول لأن جوازات سفرهم لا تحمل أختام خروج. ولا يشير موقع المجد الإلكتروني إلى عدد سكان غزة الذين نقلتهم.

وخلص تحقيق أجرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إلى أن المجد مرتبطة بشركة تالنت غلوبس، وهي شركة مسجلة في إستونيا أسسها تومر جانار ليند، وهو مواطن إسرائيلي إستوني مزدوج، وقد ورفض ليند التعليق. وورد أن عملية المجد نسقت مع إدارة في وزارة الدفاع الإسرائيلية أُنشئت في وقت سابق من هذا العام لتسهيل "الهجرة الطوعية" للفلسطينيين.

واستحدثت الإدارة في أعقاب اقتراح ترامب في شباط/ فبراير، والذي يبدو الآن أنه تم التخلي عنه لنقل جميع سكان غزة. وقد نددت جماعات حقوق الإنسان بالفكرة، التي تبناها بحماس أعضاء اليمين المتطرف في حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووصفتها بأنها تُعادل التطهير العرقي.

وصف وزير خارجية جنوب أفريقيا الذي دافع عن القضية الفلسطينية، هذا الأسبوع الرحلات الجوية الأخيرة بأنها جزء من "أجندة أوسع نطاقا لتهجير الفلسطينيين من فلسطين". ودعت السلطة الفلسطينية، سكان غزة إلى تجنب الوقوع فريسة "للمتاجرين بالبشر" و"عملاء التهجير القسري". ولم تستجب منظمة "المجد" لطلب التعليق.

لكن في بيان صدر مؤخرا على موقعها الإلكتروني، قالت المجموعة إنها "تعرضت للتشهير في وسائل الإعلام الدولية". وقالت "المجد" إنها أُسست "على يد لاجئين فروا من الأنظمة الديكتاتورية، بمن فيهم لاجئون من حكم حماس في غزة"، لكنها لم تقدم أسماء مؤسسيها أو قادتها. ونفت ارتباطها بالحكومة الإسرائيلية أو أي جهاز استخبارات. وقالت "المجد" إن المنتقدين أرادوا "حرمان سكان غزة من حرية اختيارهم، وتحديد مكان إقامتهم، وإجبارهم على البقاء تحت خطر داهم ومعاناة يومية".

وفي جنوب أفريقيا، منح الفلسطينيون تأشيرات لمدة 90 يوما، قال بشير إن الجمعيات الخيرية تقدم لهم حاليا الطعام والمأوى مجانا، وأضاف أن بعض سكان غزة قد سافروا بالفعل إلى وجهات أخرى.

وقال بشير: "خياراتي الآن إما البقاء هنا أو الذهاب إلى مصر. لكننا سنبقى في جنوب أفريقيا خلال الأشهر الثلاثة القادمة للنوم وتناول الطعام، ولنتلقى جميعا العلاج النفسي والجسدي".

لا يزال أبو أحمد، الذي يعيش في خيمة وسط غزة مع زوجته وأطفاله، ينتظر دوره للمغادرة. وسجل أبو أحمد، وهو اسم مستعار أيضا، قبل ستة أشهر لدى جمعية المجد، قائلا إنه لم يعد لديه مصدر رزق بعد تدمير منزله ومتجرين. قال: "إذا صمد وقف إطلاق النار وبدأت إعادة الإعمار، فسأفكر بالبقاء. سجلت فقط للأطفال لأنني أريدهم أن يتمكنوا من الذهاب إلى المدرسة. لكن الأكبر سنا يصرون على أنهم سيذهبون إلى أي مكان بمجرد فتح المعابر. أريد أن أحافظ على تماسك الأسرة".