نشرت صحيفة "
الغارديان" تقريرا لمراسل الشؤون الدولية جوليان بورغر، سلط الضوء فيه على استقبال الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب لولي العهد السعودي محمد
بن سلمان، ووصف الحدث بأنه الأكثر بذخا واستعراضا في رئاسته لأي ضيف، وبيان واضح عن أولويات سياسته الخارجية.
وقال التقرير إن زيارة ولي العهد، التي وصفت رسميا بأنها "رحلة عمل"، تميزت بمراسم استثنائية تضمنت عرضا عسكريا في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض، رجالا بالزي الرسمي على الخيول يحملون الأعلام، وعرضا جويا للطائرات المقاتلة، بما في ذلك طائرات "إف35" المخصصة للبيع.
وعند دخوله المكتب البيضاوي المذهب حديثا، بدا ترامب مفتونا بضيفه، أمسك بيده مرارا وكرر اعترافه بالصداقة الملكية.
وأشار بورغر إلى أن الصحفية التي أثارت قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018، وهي السبب الرئيس لعدم زيارة بن سلمان لمدة سبع سنوات، تعرضت لهجوم لاذع من ترامب، منتقدا شبكة "إي بي سي نيوز"، مؤكدا أن الأمير لم يكن على علم بالحادثة.
وأضاف التقرير أن موقف ترامب من الحكام الأقوياء وعدم اهتمامه بحقوق الإنسان ليس جديدا، وإنما يعكس تحولا في السياسة الخارجية الأمريكية منذ توليه الرئاسة في فترته الأولى في كانون الثاني/يناير 2017.
كما أبرز التقرير أن بعض طائرات "إف35" التي حلقت في الاستقبال كانت للبيع، مؤكدة أن الصفقة ستكون بدون شروط، وبنفس المواصفات التي باعت فيها أمريكا الطائرات للاحتلال الإسرائيلي، ما يتعارض مع مبدأ "التفوق النوعي" العسكري الإسرائيلي في الشرق الأوسط.
وأوضح ترامب أنه يتخلى عن هذا المبدأ قائلا: "السعودية حليف عظيم وإسرائيل حليف عظيم"، مؤكدا أن كلا البلدين يجب أن يحصل على أفضل أنواع
السلاح.
واعتبر بورغر أن هذه التصريحات تمثل انتكاسة في العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، خصوصا مع إعلان الإدارة الأمريكية رفع الحظر عن بيع رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة إلى السعودية والإمارات، مما يعزز طموحات الرياض لتصبح مركزا عالميًا للذكاء الاصطناعي، بما يوازي تأثيرها التاريخي في صناعة النفط، وفق غريغوري غوس، الباحث الزائر بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن.
وأشار التقرير إلى أحداث أخرى تؤكد ابتعاد الولايات المتحدة عن الهيمنة الإسرائيلية في الشرق الأوسط، منها إشارات إلى مسار محتمل لدولة فلسطينية مستقلة ضمن مجلس الأمن، وتخفيف بعض العقوبات على سوريا، وعدم زيارة ترامب لإسرائيل خلال جولته الأخيرة في المنطقة عام العام الجاري.
كما سلط التقرير الضوء على تحولات العلاقة مع إسرائيل في ظل سياسة ترامب التجارية، إذ وعد بن سلمان باستثمارات سعودية بقيمة تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي، فيما منحت قطر ترامب طائرة فاخرة بقيمة 400 مليون دولار. وقد استثمرت السعودية وقطر والإمارات نحو 5 مليارات دولار في صندوق يديره صهر ترامب جاريد كوشنر.
وأكد التقرير أن العلاقات الإقليمية لم تكن سلسة، إذ أظهرت الأحداث الأخيرة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو تجاوز حدوده في قصف أهداف داخل الدوحة في محاولة لاستهداف مسؤولين في حماس، دون علم ترامب الكافي بالخطة، مما أدى إلى اتصال ترامب بنظيره القطري للاعتذار.
وأشار التقرير إلى أن ترامب أظهر تقاربا أكبر مع الحكام المطلقين مقارنة بالقادة المنتخبين، في حين أن بن سلمان حافظ على موقف واضح بأنه إذا شعرت السعودية بخيبة أمل من واشنطن، فإنها ستتجه للصين لتأمين احتياجاتها العسكرية. ويبرز هذا التحدي في ظل المخاوف الأمريكية السابقة من فقدان السعودية لصالح النفوذ الصيني.
وأضاف التقرير أن هذه الزيارة ساهمت في تحول موقف الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن تجاه ين سلمان، من "منبوذ" بعد قضية خاشقجي إلى علاقة متقاربة بعد زيارة جدة في تموز/يوليو 2022. ورغم ذلك، يرى محللون أن التغييرات الأخيرة لا تعني إعادة ضبط كاملة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، بل مجرد تعديل جزئي في الأجواء، مع استمرار إسرائيل في الحفاظ على مصالحها دون قيود ملموسة.
وفي ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، قال دانيال ليفي، رئيس مشروع الولايات المتحدة/الشرق الأوسط، إن فرص التغيير ضئيلة للغاية، وأن إسرائيل تتمتع بحرية التصرف الكاملة، مستمرة في إطلاق القصف على غزة، مؤكدا أن السياسة الأمريكية تجاه المنطقة لم تتغير جوهريا، وأنها تقودها في المقام الأول مصالح ضيقة لفئة محدودة تعتمد إشاراتها على إسرائيل وعدد قليل من حكام المنطقة.