تتركز إمكانية إنهاء الحرب بين
روسيا وأوكرانيا على سيناريو يتمثل بتسوية براغماتية تقوم على تثبيت حدود السيطرة الحالية دون اعتراف قانوني بالضم الروسي، وتعزيز القدرات الدفاعية لكييف، وفتح الطريق لانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، في ظل تذبذب الموقف الأمريكي بين دعم أوكرانيا وتبني بعض روايات الكرملين.
وجاء في تقرير لمجلة "
فورين بوليسي" ترجمته "عربي 21"، أن خطة إنهاء الحرب تتطلب تثبيت حدود السيطرة الحالية دون اعتراف قانوني بالأراضي التي ضمتها روسيا، وتعزيز قدرات
كييف العسكرية، وتمهيد الطريق لانضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي.
وأوضحت المجلة أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تبعث برسائل متضاربة بشأن الحرب في أوكرانيا، حيث تتأرجح بين دعم كييف عسكريًا واستخباراتيًا وبين تبني بعض روايات الكرملين، مع إصرارها على تخلي أوكرانيا عن شبه جزيرة القرم، وعدم الانضمام إلى
الناتو.
كما لوّح ترامب في قمة البيت الأبيض الأخيرة بفكرة منح أجزاء من أوكرانيا لروسيا، لكنه خفف من حدة الفكرة باقتراح غامض حول تقديم ضمانات أمنية أمريكية بعد الحرب.
وحسب المجلة، فإن ترامب يتعامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتناقض واضح، فهو ينتقده بسبب تكثيف القصف على المدن الأوكرانية، لكنه يتحدث بإيجابية عن العلاقات التجارية مع روسيا.
وقد فرض ترامب رسومًا جمركية على الهند بسبب استيرادها للنفط الروسي، دون أن يفرض عقوبات مماثلة على روسيا أو الصين، وهذا التذبذب أضعف فرص الوصول إلى تسوية حقيقية وأربك المسار الدبلوماسي، وفقا للمجلة.
مؤشرات التوصل إلى اتفاق
وترى المجلة أن هناك مؤشرات على إمكانية التوصل إلى اتفاق، حيث تضاءلت فرص كييف في استعادة الأراضي المحتلة، كما فشلت
موسكو في تحقيق نصر سريع ومنخفض التكلفة.
وتعاني روسيا من خسائر بشرية يومية كبيرة، رغم تقدمها البطيء، كما أن استراتيجيتها في استهداف البنية التحتية المدنية لم تحقق نتائج حاسمة. في الوقت نفسه، بدأ المواطنون الروس يشعرون بآثار الحرب، خاصة مع نقص الوقود نتيجة الضربات الأوكرانية على مصافي النفط الروسية.
وبالتالي تتجه كل التوقعات -حسب المجلة- نحو اتفاق إقليمي يثبّت حدود السيطرة الحالية، رغم أن الكرملين يطالب بمزيد من الأراضي التي لم يسيطر عليها فعليًا.
وقد حدد بوتين هذه الشروط كجزء من اتفاق سلام مقترح في حزيران/ يونيو 2024، وهو ما رفضته كييف أملاً في أن تغير العقوبات والدعم العسكري الغربي موازين المعركة، لكن الواقعية السياسية أصبحت ضرورة في رسم الصورة المستقبلية مع تحول الصراع إلى حرب استنزاف تنهك جميع الأطراف.
واعتبرت المجلة أن هناك ثلاث مسارات لتحويل مواقف ترامب المتناقضة إلى فرص تعزز احتمالات التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب.
تثبيت الوضع الراهن
يقوم الجزء الأول من الخطة على تثبيت حدود السيطرة الراهنة دون الاعتراف قانونيا بخسارة الأراضي، مع تعديل حدود أوكرانيا الإدارية الداخلية لإدماج المناطق غير المحتلة في أقاليم مجاورة.
هذا السيناريو سيعفي كييف من التنازل عن أي أراضٍ لم تفقدها بالفعل في المعركة، ويتيح لروسيا الادعاء بأنها حصلت على ما تريد، دون أي اعتراف دولي أو رسمي بالضم.
يوفر ذلك فرصة لترامب من أجل تقديم خريطة جديدة لموسكو كأساس لتسوية أو هدنة، وإذا رفض الكرملين، يمكن للبيت الأبيض أن يفرض بعض الضغوط التي تشمل دعم ضربات أوكرانية بعيدة المدى في العمق الروسي، وتحويل جزء من الأموال الروسية المجمدة إلى أوكرانيا، وفرض عقوبات ثانوية أكثر صرامة.
وتقول المجلة إنه لا يمكن الوثوق من أن روسيا لن تستأنف الحرب بعد فترة من التعافي، وهي التي اعتادت على تغيير الحدود بالقوة كما حدث في جورجيا، وهو ما يعني ضرورة إنشاء أدوات ردع فورية للتعامل مع أي هجمات روسية جديدة.
تعزيز قدرات أوكرانيا
أضافت المجلة أن الخطة تتطلب ضمان امتلاك أوكرانيا قدرات ذاتية للدفاع عن أراضيها، وعدم التعويل على الضمانات الأمنية الغربية.
وفقا لهذا المسار، ينبغي على أوكرانيا أن تتبع النموذج الفنلندي الذي يقوم على تعزيز القدرات العسكرية لضمان تحقيق السيادة دون أي استفزاز لروسيا، مما يرفع تكاليف أي غزو جديد دون الحاجة إلى ضمانات قد لا تلتزم بها الحكومات الغربية في حالة تجدد الهجوم الروسي.
هذا يعني أن يرفض ترامب مطالب الكرملين بتغيير النظام الأوكراني ونزع سلاحه، وأن تعترف موسكو بحق أوكرانيا في الدفاع عن نفسها، مع فتح حوار أمني جديد يُقرّ بمخاوف روسيا الأمنية المشروعة، بالإضافة إلى توسيع ترتيبات خفض المخاطر العسكرية الحالية.
وتابعت المجلة بأن الركيزة الثالثة لهذه الخطة هو الحصول على موافقة موسكو لتسريع انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي مع تأجيل مسألة عضويتها في حلف الناتو.
ويخدم انضمام كييف إلى الاتحاد الأوروبي ثلاثة أهداف: تعزيز التعافي الاقتصادي، وربط أوكرانيا بالبنية الدفاعية الأوروبية، وتخفيف العبء الأمني عن الولايات المتحدة وتحويله إلى أوروبا.
وتؤكد المجلة أن هذه الخطة الثلاثية تناسب ترامب سياسيًا إذا تم استغلالها بشكل صحيح، فهي تتيح له تحويل تناقضاته إلى أوراق تفاوضية يقدم من خلالها تسوية واقعية، وتمنح بوتين مخرجًا يحفظ ماء الوجه، من خلال التسويق داخليا لنصر عسكري في أوكرانيا.
وفي حال خرقت روسيا الاتفاق واستأنفت العمليات العسكرية، فإن واشنطن تحتفظ بأوراق ضغط كثيرة من أجل إجبارها على وقف الحرب.
وتختم المجلة بأن هذه التسوية البراغماتية هي أفضل ما هو مطروح أمام الجميع في المرحلة الراهنة، حيث تُعفي أوكرانيا من تقديم تنازلات قانونية قاسية بالتخلي عن أراضيها، وتمنح روسيا مكاسب رمزية، لكن ذلك لا يعني في جميع الأحوال نهاية الصراع الطويل بين موسكو والغرب.