أجرت صحيفة "
الغارديان" مقابلة مع الناشطة هدى عموري، المؤسسة المشاركة لـ"
حركة فلسطين - Palestine Action"، قائلة إنه لو أجريت هذه المقابلة بعد أسبوع من الآن، لربما نجم عنها إلقاء القبض عليها، ولو تم نشرها بعد أسبوع من الآن، لربما اعتبر ذلك انتهاكاً للقانون من قبل الصحيفة البريطانية.
وتقول هدى عموري: إنها باتت تجد "صعوبة بالغة في استيعاب حقيقة ما يجري هنا"، مضيفة: "لا أحمل إدانة واحدة، ولكن فيما لو تم تمرير هذا الأمر فسوف أكون قد شاركت في تأسيس منظمة إرهابية".
وتعني عموري بهذا "الأمر" مقترح الحكومة البريطانية المثير للكثير من الجدل بحظر حركة فلسطين بموجب قوانين "مكافحة الإرهاب"، مما يضعفها في مصاف تنظيم الدولة الإسلامية ومنظمة ناشيونال آكشن (العمل الوطني)، وستكون تلك هي المرة الأولى التي تصنع فيها مجموعة عمل مباشر بهذه الطريقة.
تفاصيل أكثر عن حركة فلسطين وأهدافها والإنجازات التي حققتها طوال السنوات الماضية في التقرير التالي: من هم أصحاب "الرداء الأحمر" الذين يهاجمون المصانع الإسرائيلية في بريطانيا؟
فيما لو تم حظر المجموعة في الأسبوع المقبل، كما هو متوقع، فكل من يكون عضواً فيها، أو يدعو لمناصرتها ودعمها، يمكن أن يدان بجريمة عقوبتها في الحد الأقصى 14 سنة. أما ارتداء ملابس أو نشر شعار من شأنه أن يثير شكوكاً معقولة بأن من يفعل ذلك يدعم حركة فلسطين ، فجريمة عقوبتها قد تصل إلى ستة شهور سجناً.
ومن وجهة نظر الحكومة ووجهة نظر المجموعات التي لم تزل تضغط على الوزراء لتبني قرار الحظر فإن الحركة تستحق ذلك.
وهذا الأسبوع، شجبت وزيرة الداخلية البريطانية إيفيت كوبر ما وصفته بتاريخ المجموعة الطويل وغير المقبول في ارتكاب أعمال الإتلاف الإجرامية، بل وزعمت أن "وسائلها باتت أكثر عدوانية، وصار أعضاؤها يعبرون عن الاستعداد التام لاستخدام العنف".
وقالت الصحيفة إنه "لو تركنا المزاعم والمزاعم المضادة جانباً فإن الجدل حول قرار حظر حركة فلسطين يتعلق كذلك بحرية التعبير واستخدام قوانين مكافحة الإرهاب من أجل وضع حد للاحتجاجات".
وأضافت أنه "لو كانت هدى عموري قلقة حول مصيرها هي، فإنها لا تبدي ما يدل على ذلك. فقد قالت في مقابلة حصرية معها: من الواضح أن الناس في حركة فلسطين يعون جسامة ما يجري ويسود بينهم شعور بالإحباط. ولكن هناك أيضاً الكثير من الوحدة من حيث الرغبة في محاربة ذلك وعدم الانهيار تحت وطأة الضغوط".
وأوضحت: "أظن أنهم لو فعلوا ذلك فإنهم سيكونون كمن يطلق النار على قدميه، لأنهم إنما ينزعون الشرعية تماماً عن قوانينهم هم، والتي فيما أظن فقدت شرعيتها، ولكن من حيث أن آلاف الناس خرجوا يتظاهرون في الشوارع تأييداً للمجموعة، بينما عبر كثير من الناس عن ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر وسائل الإعلام. لا يخطر ببالي وجود سابقة لمثل هذا الأمر، أي أن تواجه مجموعة ما الحظر بينما تحظى بتأييد كبير من قبل الرأي العام. أظن أن ذلك ينطق بما يكفي حول ما إذا كان ينبغي أن نصنف كإرهابيين أم لا".
أعلنت كوبر عن خطة الحظر يوم الإثنين، بعد ثلاثة أيام من قيام حركة فلسطين بالتسلل إلى قاعدة سلاح الجو الملكي برايز نورتن في منطقة أكسفوردشاير، ورشت الطلاء داخل محركات طائرتين عسكريتين زعمت المجموعة أنها تساعد في تزويد الطائرات المقاتلة الأمريكية والإسرائيلية بالوقود. حينها، بدا ذلك اختراقاً أمنياً محرجاً جداً في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة إلى تعزيز موقعها وسمعتها في المجال الدفاعي".
وذكرت الصحيفة "كان الأمر مختلفًا تمامًا عما كان عليه الحال عندما بدأت حركة فلسطين في عام 2020. قالت عموري إن لديهم أموالًا قليلة جدًا لدرجة أنهم كانوا يذهبون إلى الأنشطة حاملين الإمدادات في أكياس بلاستيكية ويصنعون قوالب من الورق المقوى".
تقول الناشطة البالغة من العمر واحداً وثلاثين عاماً إن فعالياتها ولدت من رحم التطوع في خدمة اللاجئين في اليونان حينما كانت طالبة في الجامعة. كثير من هؤلاء اللاجئين كانوا من فلسطين ومن العراق، وهما البلدان اللذان ينحدر منهما والدها ووالدتها على الترتيب، وأدركت أنه "يتوجب عليك معالجة السبب الأساسي لهذه الأمور".
وعملت هموري فيما بعد مع حملة التضامن مع فلسطين في تنظيم حملات المقاطعة والدعوة إلى سحب الاستثمارات، ومحاولة الضغط على أعضاء البرلمان، ولكنها تركت العمل بعد عامين بعد أن شعرت حسب قولها "بأنك على الدوام تضرب رأسك في جدار من الطوب، تحاول باستمرار أن تحاور الناس بالمنطق، وتتسلح في ذلك بالحقائق، ولا تحصل مقابل ذلك على شيء، ويستمر التواطؤ".
وانضمت هدى عموري إلى آخرين، من الذين قاموا معاً بأعمال مباشرة (كما فعلت في عام 2017) ضد إلبيت سيستمز بريطانيا – أحد أذرع شركات صناعة الأسلحة الإسرائيلية، لتشكيل حركة فلسطين "بهدف وضع حد للتواطؤ البريطاني مع استعمار فلسطين".
وحسب تقديراتها، قامت المجموعة بمئات الأعمال، بما في ذلك احتلال المباني، ورش الطلاء الأحمر، وإتلاف المعدات، والتقاط المقاطع المصورة لنشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تزل تتعزز منتقلة من "قوة إلى قوة".
ومع تزايد النشاطات منذ أن بدأت "إسرائيل" هجومها على
غزة بعد هجمات حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تزايدت كذلك الضغوط على الحكومة حتى تقمع المجموعة، رغم أن نشطاءها كانوا يتعرضون بانتظام للتوقيف والاعتقال، ويقدمون للمحاكمة بموجب القوانين القائمة بتهم مثل الإتلاف الجنائي، والفوضى العنيفة، والسطو.
وقالت كوبر إن عناصر المجموعة تسببوا بأضرار بملايين الجنيهات عبر "حملة شملت البلاد للقيام بأعمال إجرامية مباشرة ضد الشركات والمؤسسات، بما في ذلك مؤسسات البنى التحتية الأساسية وشركات الصناعات العسكرية".
وتعتقد هدى عموري أن جزءاً من الدافع نحو الحظر هو أن نشطاء حركة فلسطين يحصلون على البراءة في معظم الأوقات، وفي الحالات التي كانوا يدانون فيها يندر أن يحكم عليهم بالسجن، رغم أنها تقدر بأن العشرات منهم قضوا أوقاتاً في السجن وهم ينتظرون المثول أمام المحكمة.
وقالت: "لقد حاولوا عمل أشياء مختلفة سعياً منهم لردعنا، بما في ذلك وضع مزيد من العراقيل للحيلولة دون الاعتماد على إجراءات الدفاع القانوني، أو زيادة مدة الاحتجاز قبل المثول أمام المحكمة، أو زيادة وتيرة المداهمات ثم اتباع ذلك بتوجيه تهم أشد ضدك. ولكن كل ذلك لم يردعنا، ولذا ها هم الآن يذهبون إلى أبعد من ذلك لأنهم لا يحبوننا أو لأنهم لا يتفقون مع قضيتنا".
بالإشارة إلى نشطاء سابقين كانت المحاكم تبرئهم في قضايا تتعلق بأعمال قاموا بها ضد القواعد العسكرية البريطانية سعياً منهم لوقف جرائم الحرب في العراق وفي تيمور الشرقية وفي اليمن، تقول هدى عموري: "ولكن بمجرد أن يتم ذلك من أجل فلسطين، فهذا هو. حينها، يتم تصنيفك إرهابياً. لقد بات مرعباً للجميع أن بريطانيا ترى من المناسب أن تتم المطالبة بتصنيف هذه المجموعة منظمة إرهابية. لا ريب أن قوانين مكافحة الإرهاب في بريطانيا متشددة جداً – فبريطانيا هي البلد الوحيد التي يعتبر فيها التعبير العفوي عن تأييد منظمة محظورة جرماً. إن هذا عدوان تام على حرية التعبير".
وأشارت إلى أن الفروع الأجنبية لمجموعة حركة فلسطين – التي لا ترتبط بالمجموعة البريطانية ولكنها مستوحاة منها – لم يتعرض أي منها للحظر ولا إلى التصنيف كمنظمة إرهابية.
وتعتقد هدى عموري أن المحافظين ما كانوا ليلجأوا إلى الحظر، فقد كانت لديهم فرصة كافية لفعل ذلك حينما كانوا في الحكم. وتشير إلى أن النشطاء لم يتعرضوا للتوقيف والاعتقال إلا في عهد حكومة العمال – ولكن لم يحصل بعد أن وجهت لهم تهم بموجب قانون الإرهاب، الذي يسمح باحتجازهم دون توجيه تهم لهم لمدة 14 يوماً.
وقالت: "لم يزل الوزراء، ومنذ سنين، يتبنون ما يقال لهم عنا من قبل الجماعات المؤيدة لإسرائيل، وربما من قبل إلبيت سيستميز والحكومة الإسرائيلية، دون تدقيق للمعلومات وتمحيص للحقائق. بل يتم كل شيء بشكل متسرع، ولأغراض سياسية، ودون تشاور معنا على الإطلاق".
ويظهر من طلبات "الحق في حرية المعلومات" أن الحكومة البريطانية التقت بشكل منفصل مع مسؤولين من شركة إلبيت ومع مسؤولين من الحكومة الإسرائيلية. إلا أن الوثائق تم طمس الكتابة فيها بشكل مكثف لدرجة يستعصي معها معرفة التفاصيل. في مذكرة إيجاز تعود إلى عام 2022 لوزيرة الداخلية آنذاك بريتي باتيل قبل اجتماعها مع شركة إلبيت يوجد قسم عنوانه "اللوبي السابق" ولكن التفاصيل تم طمسها جميعاً. لم تعلق شركة إلبيت عندما سئلت مسبقاً عن الوثيقة. ولم تستجب لطلب التعليق على القضايا المثارة في هذا المقال.
وأوضحت الصحيفة أن بعض العناصر الواردة في بيان كوبر الوزاري تعكس بالضبط المزاعم التي خرجت بها مجموعة "نحن نؤمن بإسرائيل" في تقرير لها نشر هذا الشهر تطالب فيه بحظر مجموعة حركة فلسطين – حيث ترد الإشارة بالاسم إلى النشطاء الذين يستهدفون البنى التحتية الداعمة لأوكرانيا والناتو والشركات والجامعات التي يملكها يهود.
وتصر هدى عموري على أن حركة فلسطين استهدفت "جميع الشركات التي تعمل مع إلبيت سيستميز، بغض النظر عن هوية المالكين".
كما قال تقرير "نحن نؤمن بإسرائيل" إنه جرى التحقيق في أمر المجموعة في عام 2022 للارتياب بوجود علاقات لها بشبكة ترتبط مع حماس في الخارج، وذلك نقلاً عن "إيجاز سري للشرطة البريطانية"، رغم أن ذلك الارتياب لم ينتج عنه توجيه اتهامات لأحد. لم تقل المجموعة كيف اطلعت على الإيجاز أو لماذا سمح لها بذلك، الأمر الذي عزز المخاوف لدى هدى عموري من أن الحكومة البريطانية وأجهزة الأمن فيها يتم التأثير عليها من قبل قوى خارجية.
وقبل أسبوع، نشرت مجموعة "نحن نؤمن بإسرائيل" تغريدة جاء فيها: "من خلف مسرح المقاومة التي تمارسها حركة فلسطين يقف محرك دمى ظلامي، إنها قوات الحرس الثوري الإسلامي [الإيراني]." والدليل الوحيد الذي قدمته على ذلك هو أن مفردات قوات الحرس الثوري الإسلامي الإيراني "تجد لها صدى في شعارات حركة فلسطين".
وبعد يومين اثنين، زود مسؤول في وزارة الداخلية مجهول الهوية إيجازاً لصحيفة ذي تايمز بأنهم يعكفون على التحقيق فيما إذا كانت مجموعة بالاستاين آكشن ممولة من قبل إيران، رغم أن الوزيرة كوبر لم تذكر ذلك في بيانها.
ورفضت هدى عموري هذه المزاعم، وأصرت على أن المجموعة تمول من العديد من الأفراد الذين يتبرعون بمبالغ نقدية صغيرة. وكدليل على ذلك أشارت إلى حملة لجمع التبرعات لتغطية الرسوم القانونية اللازمة لمحاربة إجراءات الحظر، والتي وصلت بحلول صباح الجمعة إلى ما يزيد عن 150 ألف جنيه إسترليني (200 ألف دولار)، بمعدل 35 جنيهاً (48 جولار) للتبرع الواحد.
وقالت إن حركة فلسطين أثبتت للناس "أنكم تحظون في الحقيقة بالكثير من القوة وأنكم لستم مجبرين على القبول بالواقع الذي تنتهك فيه حكومتنا القانون، وأنه عندما تقوم هذه المصانع بتصنيع الأسلحة التي بها يتم قتل الناس في فلسطين، أو يقومون بتسويق الأسلحة التي تكون قد جربت في ميدان المعركة على الفلسطينيين، ويرتكبون على المكشوف جرائم حرب، فإن لديكم القوة لمنعهم والأخذ على أياديهم".
وأضافت: "أظن أن ذلك أمر بات يحظى باهتمام الناس ويستهوي قلوبهم، ولهذا السبب كسبنا كثيراً من الدعم. يتجاوب الناس في هذه المساحات أكثر مع الناس الذين فوق السطح مما يفعلون مع الشركة التي تصنع السلاح الذي به يذبح الناس".