كتاب عربي 21

مصير النظام الإيراني بعيد المواجهة مع إسرائيل

يجادل أنصار النظام الإيراني أنّ إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها وأنّ وجود النظام الإيراني دليل على ذلك على اعتبار أنّ الإطاحة بالنظام كانت على رأس أولويات الهجوم الإسرائيلي.
كما هي العادة في العالم العربي، هناك الكثير من الجدل والاستقطاب حول ما انتهت إليه الجولة الأخيرة من التصعيد بين إسرائيل وإيران بعد مرور 12 يوماً على إنطلاقها. إيران أعلنت الإنتصار على إسرائيل والولايات المتّحدة الأمريكية، ودعت الى الإحتفال في ساحة النصر. كذلك فعل أنصار إيران في العالم العربي. 

الرئيس الإيراني قال إنّ إيران ليست كغزة أو لبنان التي لا تستطيع الرد على الاعتداءات الإسرائيلية. أمّا الحرس الثوري، فقد قال إنّ عملية "بشائر الفتح" ـ التي أطلق فيها صواريخ ضد قاعدة العديد في قطر، مسجلا بذلك أول اعتداء صاروخي إيراني على دولة خليجية ـ أجبرت الولايات المتّحدة وإسرائيل على طلب وقف الحرب. المرشد الأعلى علي خامنئي أكّد أنّ بلاده دمّرت القدرات العسكرية الإسرائيلية وهزمت الولايات المتّحدة. وفقاً لهذا التوصيف، لا يوجد أدنى شك عند هؤلاء أنّ النظام الإيراني انتصر ولم يتعادل حتى!

المرشد الأعلى علي خامنئي أكّد أنّ بلاده دمّرت القدرات العسكرية الإسرائيلية وهزمت الولايات المتّحدة. وفقاً لهذا التوصيف، لا يوجد أدنى شك عند هؤلاء أنّ النظام الإيراني انتصر ولم يتعادل حتى!
الجانب الإسرائيلي أعلن في بداية العدوان الذي أطلقه أنّ لديه ثلاثة أهداف رئيسية من الحملة على إيران تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني والبرنامج الصاروخي وسياسة إيران الخارجية (الأذرع). إسرائيل دمّرت منشآت إيران النووية الأساسية فوق الأرضي، واغتالت عدداً كبيراً من العلماء الأساسيين في البرنامج النووي، ودمرت المنشآت العسكرية والمعدات العسكرية التي من المفترض بها أن تحمي البنية التحتية النووية. علاوةً على ذلك، تكفّلت أمريكا بتدمير المنشآت المهمة الأخرى تحت الأرض، لاسيما منشأة فورد. ومع أنّه يوجد نقاش حول تداعيات الضربة الأمريكية ضد فورد، فإنّ البرنامج النووي الإيراني سيتوقف لمدة من الزمن من دون أدنى شك بانتظار تقييم وضع فورد والمنشآت للحكم على مدة الإيقاف.

أمّا برنامج إيران الصاروخي، فقد دمّرت إسرائيل عدداً مهماً من مخازن الصواريخ ومنصات الإطلاق والمنشآت المتعلقة بتصنيع الصواريخ.  وخلال اليوم الثالث من الهجوم، قدّرت إسرائيل بأنّها دمرت 40% من منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية. وقد ترافق ذلك مع إطلاق إيران حوالي 650 صاروخا خلال الـ12 يوماً، أي ما يوازي حوالي ثلث مخزونها من الصواريخ القادرة على الوصول إلى إسرائيل على أقل تقدير، تمّ اعتراض غالبيتها الساحقة وسقط منها 35 صاروخا داخل إسرائيل.

وتفسر هذه المعطيات مجتمعة تراجع قدرة إيران على إطلاق الصواريخ مع الوقت مقارنة بالأيام الثلاث الأولى من المواجهة، من حوالي 165 صاروخ في اليوم الاول الى حوالي 17 صاروخ في اليوم ما قبل الأخير، وذلك اعتمادا على توافر الموارد ومنصات الإطلاق ونوع الصواريخ المطلوبة وغياب السيطرة الجوية الإسرائيلية عن الأجواء الإيرانية.

ويجادل أنصار النظام الإيراني أنّ إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها وأنّ وجود النظام الإيراني دليل على ذلك على اعتبار أنّ الإطاحة بالنظام كانت على رأس أولويات الهجوم الإسرائيلي. والحقيقة أنّ الإطاحة بالنظام الإيراني لم تكن أولوية وليست كذلك.  لكن الجانب الإسرائيلي لم يمانع طبعاً في استغلال الهجمات لإضعاف النظام الإيراني إلى أقصى حد ممكن وتحريض الداخل الإيراني عليه لتقويض سلطته وإغراقه في نزاعات داخلية تزيد من ضعفه وتتيح لإسرائيل دوماً إمكانية زعزعته والضغط عليه. بقاء النظام الإيراني ضعيفا وتحت الضغط ومن دون أوراق ومستباح السيادة من الخارج والداخل أفضل في الحسابات الإسرائيلية والأمريكية من إيجاد بديل في الوقت الحالي حتى وإن كان موالياً لهما.

فالنظام الإيراني أثبت على الدوام ـ بما في ذلك خلال المواجهة الأخيرة ـ أنه ليس نظاما انتحاريا، فلا هو يريد الموت انتحاراً أثناء المعركة، ولا هو يريد خوض مواجهة مع إسرائيل. كما أثبتت التجربة العملية أنه نظام يمكن التفاهم معه على مساومات وتسويات. وحقيقة إنّه قد دخل في تفاهمات سابقة مع إسرائيل وأمريكا خلال مراحل مختلفة منذ العام 1979، دليل إضافي على ذلك. ولهذا السبب بالتحديد، عارضت الولايات المتّحدة مخطط إسرائيل اغتيال المرشد خلال الأيام الأولى من الحملة، وقامت الأخيرة بإضعافه وتقويض شرعيته وعزله عن دائرته المحيطة من بعد اغتيال المقربين منه.

النظام الإيراني قائم على فكرة محاربة إسرائيل وأمريكا، وعندما جاءته الحرب، لم يكن يريدها ولم يكن جاهزاً  لها. لقد سنحت له عدّة فرص ذهبية أثناء أكتوبر 2023، وأثناء تدمير إسرائيل لحزب الله، وأثناء التصعيدين المباشرين مع إيران عام 2024. فضلاً عن ذلك، تصرف النظام الإيراني بغباء شديد عندما ادعى النصر في كل هذه المواجهات لاسيما التي حصلت هذا الشهر. هذا الوضع أدى وسيؤدي لاحقاً إلى إضعاف النظام الإيراني لأقصى درجة وتقويض شرعيته الداخلية. الاختبار الأولى سيكون في شكل الاتفاق الذي سيتم مع الولايات المتّحدة الأمريكية.

النظام الإيراني أثبت على الدوام ـ بما في ذلك خلال المواجهة الأخيرة ـ أنه ليس نظاما انتحاريا، فلا هو يريد الموت انتحاراً أثناء المعركة، ولا هو يريد خوض مواجهة مع إسرائيل. كما أثبتت التجربة العملية أنه نظام يمكن التفاهم معه على مساومات وتسويات.
وعلى الرغم من أنّه سيتم الحرص خلال أي صفقة محتملة على أن يحفظ النظام الإيراني ماء وجهه، إلاّ أنّ اللعبة باتت معروفة للداخل والخارج. أمّا إذا لم تتم الصفقة، فإن احتمال قيام إسرائيل أو أمريكا بضرب النظام سيبقى قائماً على اعتبار أنّ ليس للنظام ما يحميه عسكرياً بعد أن تمّ استباحته بالكامل، أرضاً وجواً. حتى على المستوى الداخلي، فإنّ حجم الاختراقات المهولة لبنية النظام الإيراني من قبل عملاء إسرائيل تُعدّ مؤشراً قوياً على مدى اهتراء النظام داخلياً.

كل هذه العوامل تسرّع من تآكل قدرات وشرعية النظام بشكل يجعل من امكانية تغييره مستقبلا من خلال العوامل الداخلية أمراً محتملاً لا بل منطقياً. باستطاعة النظام تغيير هذا المسار طبعاً اذا ما نجح في إعادة بناء شرعيته من جديد، لكن ليس على أرضية شعارات مواجهة إسرائيل وأمريكا، وإنما على أرضية التواضع والانفتاح الحقيقي على الجوار العربي الخليجي والشامي تحديداً، وعلى بناء أجندة مشتركة للعمل الإقليمي تتيح لإيران التقاط النفس وإعادة بناء قدراتها على المدى المتوسط والبعيد. لكن هناك ثلاث مشاكل في هذا الطرح. أولاً، استمرار المرشد الحالي يعدّ عائقا أمام مثل هذا السيناريو. ثانياً، عدم التوصل إلى اتفاق نووي مع أمريكا سيصعّب من امكانية تحقّق السيناريو. وثالثاً، أنّ النظام الإيراني قد يمنعه غروره وتكبّره من اتخاذ الخطوة الأولى نحو التصالح مع النفس والإقليم. يبقى أنّ الشيء الأكيد أنّ النظام الإيراني لم يرد مواجهة إسرائيل، ولا يريد مواجهتها، ولن يقوم بذلك مستقبلاً.