مدونات

الشركات الأمريكية تتحضّر للعودة إلى السوق الروسي

"على الرغم من انسحاب الشركات الغربية رسميا، إلّا أنّ بعض العلامات التجارية عادت أو بدأت بالعودة عبر شركات محلية أو عبر إعادة تسمية المنتجات والخدمات"- جيتي
بعد أكثر من عامين على العقوبات الغربية المشدّدة ضد روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، بدأت بعض العلامات التجارية الأمريكية في البحث عن طرق للعودة إلى السوق الروسية، تزامنا مع بداية الحديث الجدّي عن قرب انتهاء الحرب، خصوصا بعد توقيع الاتفاق المعادن النادرة بين واشنطن وكييف، إذ يبدو أنّ الأمور باتت في خواتيمها.

تحاول الشركات الأمريكية العودة إلى السوق الروسي الكبير عبر 3 طرق:

1- عبر وسطاء محليين.

2- من خلال إعادة تسمية العلامات التجارية الغربية.

3- التحضير للعودة المباشرة.

هذه العودة، وإن كانت تحت أيّ شكل من الأشكال الثلاثة المذكورة أعلاه، تثير تساؤلات حول الأسباب الاقتصادية والجيوسياسية التي دفعت الشركات الأمريكية والغربية إلى إعادة النظر في السوق الروسي، وما إذا كان ذلك مؤشرا على قرب انتهاء الحرب الروسية- الأوكرانية.

الانسحاب وتأثيره الاقتصادي

وكما هو معروف، منذ شهر شباط/ فبراير من العام 2022، أعلنت العديد من الشركات الأمريكية الكبرى، مثل ماكدونالدز، وستاربكس، وكوكا كولا، ونايكي، انسحابها من السوق الروسية استجابة للعقوبات الغربية.

ووفقا لتقرير من جامعة "ييل"، فإن أكثر من 1000 شركة غربية خفّضت أنشطتها في روسيا، مما أدى إلى خسائر اقتصادية كبيرة تجاوزت، 324 مليار دولار للشركات الأمريكية وحدها. لكن برغم هذه الخسائر، لم تختفِ المنتجات الأمريكية من الأسواق الروسية بالكامل، حيث استمرت بعض الشركات في العمل عبر وسطاء أو من خلال استراتيجيات جديدة.

عودة غير مباشرة

على الرغم من انسحاب الشركات الغربية رسميا، إلّا أنّ بعض العلامات التجارية عادت أو بدأت بالعودة عبر شركات محلية أو عبر إعادة تسمية المنتجات والخدمات، مثلا ماكدونالدز عادت بشكل غير مباشر عبر سلسلة "فكوسنو إي توتشكا"، حيث لا تزال العديد من المنتجات تحمل الطابع والنكهة الأصلية نفسها.

وكذلك شبكة مقاهي "ستاربكس" الأمريكية، تم استبدالها بعلامة "Stars Coffee"، التي تستخدم المفاهيم التسويقية والتصميم الداخلي نفسها المشابه للمقاهي الأمريكية.

وكذلك شركة المشروبات الغازية الشهيرة "كوكا كولا"، لا تزال منتجاتها متوفرة في السوق الروسي، برغم إعلان انسحابها، وذلك عبر وسطاء ووكلاء في دول صديقة لروسيا مثل كازاخستان وأرمينيا.

الأسباب الاقتصادية الكامنة خلف العودة

قد يسأل المراقبون: لماذا تحاول الشركات الغربية التحايل على العقوبات؟ وهل هي إلى هذا الحدّ مستعدة للسير بعكس توجهات دولها الأم؟ الإجابات على هذين السؤالين بسيطة.

السبب الأول هو جاذبية السوق الروسية: فبرغم العقوبات، تظل روسيا واحدة من أكبر الأسواق الاستهلاكية في العالم، حيث يبلغ عدد سكانها قرابة 144 مليون نسمة، بينهم طبقة متوسطة لا تزال لديها قدرة شرائية كافية لجذب تلك العلامات التجارية.

فوفقا لـ"معهد أبحاث السوق الروسي" (Romir)، فإنّ إنفاق الأُسر على السلع الاستهلاكية انخفض بنسبة 15 في المئة فقط في 2023 مقارنة بما قبل الحرب، وهو تراجع أقل ممّا توقعته أغلب التحليلات الأولية مع بداية انطلاق الحرب في أوكرانيا.

أمّا السبب الثاني، فهو استراتيجيات الالتفاف على العقوبات: بعض الشركات الأمريكية والأوروبية تعتمد منذ بداية الحرب وما استتبعها من عقوبات، على الوسطاء في دول غير خاضعة للعقوبات، مثل كازاخستان وتركيا وغيرهما من الدول، أو من خلال البيع عبر الإنترنت بواسطة منصات تابعة لجهات خارجية.

السبب الثالث خلف الاهتمام بالسوق الروسي، هو: "ضغوط المستثمرين". فبعض الشركات وخصوصا تلك التي تعاني من تراجع في الأسواق الأخرى، ترى في روسيا "فرصة" لتعويض خسائرها، خصوصا مع بداية الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب ضد أغلب حلفائه الغربيين. فمثلا، أشارت "ناسداك" إلى أنّ بعض الشركات التي غادرت روسيا قد شهدت انخفاضا في الإيرادات بنسبة 5 إلى 10 في المئة سنويا.

الربع الثاني بداية العودة؟

لكن برغم كل هذه الأسباب الاقتصادية والتنموية، يبدو أنّ ثمّة قطبة مخفية أشدّ أهمية.. وهي قرب انتهاء الحرب في أوكرانيا. إذ برغم أّن عودة بعض الشركات الأمريكية إلى روسيا تعكس تغييرا في الظروف الاقتصادية، إلاّ أنّها تقدم إشارات واضحة عن أنّ الحرب الروسية- الأوكرانية شارفت على نهايتها.

فقد كشف الكرملين قبل نحو أسبوع، أنّ التحضيرات جارية لعقد لقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي دونالد ترامب، مضيفا أنّ هذا اللقاء "ينبغي أن يكون مثمرا". وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، في تصريحات لمجلة "لوبوان" الفرنسية، إنّ ترامب "لم يحدد موعدا نهائيا لتثبيت وقف إطلاق النار في أوكرانيا.. وروسيا لا تعتبر من المناسب تحديد مواعيد نهائية أيضا".

وقد سبق أن قال رئيس صندوق الثروة السيادي الروسي كيريل ديمترييف قبل أسابيع، إنّ الصندوق يتوقع عودة عدد من الشركات الأمريكية إلى روسيا في الربع الثاني من عام 2025، وذلك بعد اجتماع أمريكي- روسي مرتقب حول حرب أوكرانيا. كما نقلت وكالة "تاس" عن ديمترييف القول أيضا إنّ العودة "لن تكون سهلة إذ تم بالفعل شغل الكثير من الفرص المتاحة".

ويبدو أنّ عودة الشركات الأمريكية إلى السوق الروسي تعكس واقعا اقتصاديا معقدا، إذ تسعى الشركات إلى تعويض خسائرها والاستفادة من استقرار السوق الروسي. إذ يبقى السؤال مفتوحا حول مدى نجاح هذه الشركات في إعادة بناء وجودها في روسيا، وما إذا كانت هذه العودة ستؤثر على العلاقات الدولية في المستقبل.