مدونات

يا أيها الزلزال حنانيك

"ها هي غزة كشفت ستركم وفضحت أمركم"- جيتي
بينما الناس في متاهة الحياة يغدون ويروحون يصارعون أحداثها ويتفاعلون مع مجرياتها؛ بين ماشٍ على مَهَل ومسرعٍ بغير وَجَل ومستغرقٍ في مستقبلٍ يستشرفه وماضٍ إلى مصير لا يعرفه، وبين مُتحرٍ للحلال لا يبرحه ومسرفٍ في الحرام كأنه لا يعرفه، بين حاملٍ للهموم وآخر تارك أمره للحي القيوم، تعددت نواياهم واختلفت سرائرهم وطواياهم، وإذ هم على اختلاف الحالات وبدون مقدمات زُلزِلت الأرض في تركيا زلزالها وكأن القيامة في جزء من الأرض قد قامت، فالأرض هنالك قد مُدت وأذنت لربها وحُقت، فالصرخات تعالت والآهات توالت، وفرَّق الزلزال بين الأخ وأخيه والأب وبنيه، والرضيع وأمه التي تؤويه، والناس في الشوارع يهرولون كأنهم إلى نُصُب يوفضون، وتراهم من شدة الخطب حيارى كأنهم سكارى وما هم بسكارى، ولكن هول الزلزال شديد وارتداداته لا تتوقف فهي تُبدئ وتُعيد.

والأمر لا يعدو لمحة من لمحات يوم القيامة، فلا السماء انفطرت ولا الكواكب انتثرت ولا النجوم انكدرت ولا البحار فُجّرت ولا القبور بُعثرت ولا الشمس كُوّرت ولا الجبال دُكت، لا شيء من ذلك حدث، بل فقط زُلزلت الأرض في جزء يسير منها زلزالها ولم تُخرج أثقالها وسأل الإنسان -وحُق له أن يسأل- وقال ما لها؟ كأنه لا يعلم أن ربها أوحى لها، وما كان لها أو لغيرها في الوجود أن تفعل شيئا من تلقاء نفسها، وهي طائعة لا تعصي ربها وقد عُرضت عليها الأمانة فأشفقت منها وأبت حملها وحَمَلها الإنسان وها هو يسأل: ما لها؟ هنالك كأني سمعتها تُحدِثُ أخبارها.

نعم سمعتها كأن لم أسمعها من قبل تسأل: أين أهل العظة والاعتبار مما أُحدِث به من أخبار؟ فقط أرسلت لكم نذيرا مِن نُذُرى الأولى وما أزفت بعد الآزفة التي ليس لها من دون الله كاشفة، ولكنها أوشكت وأنتم لا تعتبرون ولا إلى الحق تعودون ولا إلى نصرة المظلومين تُهرعون ولا إلى إغاثة الملهوفين تسرعون ولا في وجوه الطغاة تقفون.

فها هي غزة كشفت ستركم وفضحت أمركم، وأنا الأرض المأمورة بأمر ربها أتميٌَزُ عليكم من الغيظ وودت لو أن الله أمرني فابتلعتكم ولا أبالي.

وقد رأيتم نَذرا يسيرا من أهوالي وأنا أسألكم إن اشتد زلزالي عن آثاري أَلَيس قتلا أو دمارا؟ فهذا الذي منه تخافون وتسرعون في الشوارع كأنكم إلى نُصُبٍ توفضون، فهلّا نظرتم إلى غزة وما يحدث فيها من زلزال الظلم والجور والطغيان وآثار ما يجري منكم من خذلان، فإذا الأمهات هناك ثكلت وإذا الزوجات رملت وإذا الأطفال يتمت، وإذا البيوت هدمت وإذا الأَُسَر شُردت، وإذا الحرمات انتُهكت وإذا المقدسات اُغتصبت، فما كان جوابكم وما هو رد فعلكم شعوبا وحكومات، فما أصحاب رسول الله يزأرون فوق الخندق يواجهون الأحزاب، ولا ثمّ معتصم يغيث من استغاثت ولا يجير من استجارت، فأين نخوتكم؟ وإن لم يكن بكم من دين فأين بقايا عروبتكم وكرامتكم؟

فوالله تلك هزة يسيرة هنا أو هناك علّها تهز مشاعركم وتحرك بقايا ضمائركم، فإن لم تفيقوا أو تستفيقوا فائذنوا بحرب من الله ورسوله أنا أول مقدماتها وبداية نُذُرها، ولا تسألوا بعد ذلك لِمَ زلزت الأرض زلزالها فقد أنذَرتكم وحدَثتكم أخبارها، ولكل حادثة لها ما بعدها.