سياسة دولية

بين العرشين السوري والبريطاني.. تحقيقات تكشف ارتباط محامي الملكة برفعت الأسد

تشددت المواقف العامة تجاه المحامين البريطانيين الذين يمثلون سياسيين أجانب- أ ف ب
نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، تقريرا، للصحفيين، ديفيد بيغ، وإدوارد سيدونز، قالا فيه إنّ: "تحقيقا أثبت أن المحامي الخاص للملكة إليزابيث الثانية، أمضى ثماني سنوات في إدارة ثروة عمّ السوري المخلوع بشار الأسد في الخارج".

وأوضح التقرير الذي ترجمته "عربي21" أنّ: "رفعت الأسد، اشتهر بـ"جزار حماة" بعد مزاعم بلعبه دورا رئيسيا في مذبحة راح ضحيتها آلاف السوريين في مدينة حماة عام 1982 وفي عام 2024 وجّهت إليه سويسرا رسميا اتهامات بارتكاب جرائم حرب".

وأضاف: "أُثيرت مخاوف علنية بشأن أنشطة رفعت الأسد، بما في ذلك سجله كقائد لقوة شبه عسكرية سورية مخيفة تُعرف باسم سرايا الدفاع، في أوروبا والولايات المتحدة منذ ثمانينيات القرن الماضي من قِبل وسائل الإعلام وجماعات حقوق الإنسان والمسؤولين الحكوميين. غادر رفعت الأسد سوريا إلى أوروبا عام 1984 بعد محاولة انقلاب فاشلة ضد شقيقه".

وتابع: "أثبتت تحقيقات صحيفة "الغارديان" ومكتب الصحافة الاستقصائية أن مارك بريدجز، المعروف أيضا باسم بارون بريدجز الثالث، شغل منصب الوصي على خمسة صناديق ائتمانية على الأقل تحتفظ بأصول في فرنسا وإسبانيا نيابة عن رفعت الأسد أو أقاربه بين عامي 1999 و2008". 

"خلال الفترة نفسها، شغل بريدجز أيضا أحد أعرق المناصب القانونية في بريطانيا: مستشار قانوني خاص للملكة البريطانية. كان محامي الملكة إليزابيث من عام 2002 إلى عام 2019" بحسب التقرير نفسه.

وأبرز: "تثير النتائج تساؤلات حول ما إذا كان من المناسب للمحامي الشخصي للملكة أن يتحمل المخاطرة الأخلاقية والمتعلقة بالسمعة بالعمل مع فرد متهم بارتكاب فظائع حقوق الإنسان، نظرا للإحراج المحتمل للملكة لو اكتُشفت الصلة وهي لا تزال على قيد الحياة".

وأردف: "لا يوجد ما يشير إلى أي مخالفات تنظيمية من جانب بريدجز، الذي مُنح لقب فارس لخدماته للملكة في عام 2019. وقالت شركته، فارير وشركاه، إن الصناديق الاستئمانية أُنشئت بناء على نصيحة من شركة محاماة رائدة أخرى، وأن عمل بريدجز مع رفعت الأسد كان متوافقا تماما مع المتطلبات التنظيمية السارية في ذلك الوقت، وأن بريدجز قد قُدمت له أدلة تُناقض الادعاءات الموجهة ضده".

واسترسل: "امتدت إمبراطورية العقارات الفاخرة التي بناها رفعت الأسد بعد وصوله إلى أوروبا إلى أفخم المناطق في باريس ولندن وكوستا ديل سول"، مردفا: "شملت عمليات استحواذه، التي ادعى أنها مُوِّلت جزئيا بشيكات بملايين الدولارات من ملك السعودية، قصر ويتانهورست في هايغيت بلندن -ثاني أكبر مسكن خاص في العاصمة بعد قصر باكنغهام- وقصرا من سبعة طوابق بالقرب من قوس النصر في باريس".

ومضى بالقول: "أدار الأسد إمبراطوريته العقارية من خلال شركات وصناديق استئمانية خارجية، ما حجب ملكيته. سُجِّل أحد الصناديق الاستئمانية في جزر البهاما، بينما استخدمت بعض عمليات الشراء شركات وهمية في جبل طارق، وهي إقليم بريطاني ما وراء البحار، قبل نقلها إلى شركات إسبانية، ثم مالطية".

وأردف: "في عام 2014، بدأ المدعون العامون في فرنسا التحقيق فيما إذا كانت ثروة رفعت الأسد قد تم الحصول عليها بالفعل من خلال الفساد. وقال محاموه إن بريدجز توقف عن العمل كوصي على أملاك رفعت في عام 2008، لكنه استمر في تقديم المشورة القانونية "المحدودة والمؤقتة" حتى عام 2015: في ظل ظروف استيفاء المتطلبات التنظيمية المفروضة على الشركة". 

إلى ذلك، أبرز أنه: "قيل إن اثنين من الصناديق الاستئمانية التي أدارها بريدجز كانت تمتلك الجزء الإسباني من إمبراطورية رفعت الأسد العقارية، بما في ذلك فيلا فاخرة بمساحات شاسعة من الأراضي بالقرب من ماربيا".

"في عام 2019، زعم المدعون الإسبان أن هذه الصناديق الاستئمانية نفسها كانت تسيطر على شركات وهمية تمتلك أكثر من 500 عقار في إسبانيا بقيمة 695 مليون يورو (595 مليون جنيه إسترليني). ووفقا للمدعين الإسبان، فقد تم تصميم هذا الإعداد الخارجي "لإخفاء الملكية الحقيقية لكمية هائلة من العقارات" وتمكين "غسل الأموال القذرة من الخارج"، في إشارة إلى الأموال التي يُزعم أنها سُرقت من الدولة السورية، وفقا للتقرير ذاته.

وتابع: "في عام 2020، أدانت محكمة فرنسية، رفعت الأسد، بتهمة الاحتيال الضريبي وغسل الأموال العامة المختلسة -بشكل أساسي حوالي 200 مليون دولار (151 مليون جنيه إسترليني) سُرقت من أموال الدولة السورية و100 مليون دولار في اتفاقيات قروض احتيالية من ليبيا. حُكم على الأسد بالسجن لمدة أربع سنوات. وهرب إلى سوريا في عام 2021 بينما كانت إدانته قيد الاستئناف".

وأكد: "مع أنه لم يكن الوصي الوحيد الذي خدم الأسد، إلا أن بريدجز كان الأبرز بلا منازع. فبالإضافة إلى خدماته للملكة، قاد فريق العملاء الخاصين في شركة فارير للمحاماة، وهي شركة محاماة نخبوية اكتسبت سمعة طيبة من خلال خدمتها لأفراد العائلة المالكة والأرستقراطيين البريطانيين منذ عام 1769".

واستدرك: "لا يوجد دليل على أن بريدجز كان يعلم أو يشتبه في سرقة أموال رفعت الأسد. زعم الأسد أن ثروته جاءت من محسنين، بمن فيهم العائلة المالكة السعودية، وفي عام 2018، خلصت المحكمة العليا في جبل طارق إلى أنه كان من المعقول أن يصدق أمناء أملاك رفعت هذه القصة"، مردفا: "إلا أن مسألة وضع رفعت الأسد كمجرم حرب مزعوم أكثر تعقيدا".

وأضاف: "في شباط/ فبراير 1982، قامت جماعات مسلحة تابعة لجماعة الإخوان المسلمين بانتفاضة ضد نظام الأسد في مدينة حماة، غرب سوريا. لقمع الانتفاضة، أرسل الرئيس السوري آنذاك، حافظ الأسد، شقيق رفعت الأسد، الجيش السوري ومجموعة شبه عسكرية تُدعى سرايا الدفاع".

وخلص تقرير لمنظمة العفو الدولية نُشر عام 1983 إلى أنه: "في حين يصعب الجزم بما حدث؛ فإن الادعاءات ضد قوات النظام السوري شملت، إعداما جماعيا لـ70 شخصا خارج المستشفى البلدي، وحاويات غاز السيانيد؛ التي يُزعم أنها أُدخلت إلى المدينة، ووصلت بأنابيب مطاطية بمداخل مبان يُعتقد أنها تؤوي متمردين، وتم تشغيلها، مما أسفر عن مقتل جميع شاغليها". 

وتشير التقديرات إلى أن ما بين 10,000 آلاف و40,000 شخص ربما تعرضوا للتعذيب والإعدام بشكل غير قانوني.

وقال التقرير: "بصفته رئيسا للمجموعات شبه العسكرية، يُعتقد أن رفعت الأسد لعب دورا قياديا في المذبحة. في كتابه الصادر عام 1989 بعنوان "من بيروت إلى القدس"، وصف الصحفي توماس فريدمان كيف "تحوّل تكتيك رفعت، بعد المناوشات الأولية، من محاولة كشف أوكار رجال الإخوان المسلمين إلى مجرد تدمير أحياء بأكملها ودفن الإخوان وكل من يقف في طريقه".

وأوضح: "كانت مزاعم الفظائع ضد رفعت الأسد معروفة على نطاق واسع منذ أن بدأ بريدجز العمل كوصي على ثروته الخارجية عام 1999"، مبرزا: "في عام 2013، فتح الادعاء السويسري، تحقيقا جنائيا، في دور رفعت الأسد في قمع انتفاضة حماة. وفي عام 2021، أصدر مذكرة توقيف دولية بحق الأسد، وفي عام 2024، وُجهت إليه رسميا تهم ارتكاب جرائم حرب. وقد نفى الأسد هذه التهم دائما. مكان وجوده غير معروف".

وأكد: "صرحت شركة فارير بأن أمناء أملاك الأسد، بمن فيهم بريدجز، زُوِّدوا بمعلومات موثوقة، عند تعيينهم وفي مراحل مختلفة بعد ذلك، وهو ما يتناقض جوهريا مع الادعاءات التي تُروَّج لها في وسائل الإعلام بشأن الأسد".

إلى ذلك، أضافت الشركة أنها وبريدجز مُقيَّدان، بموجب واجب الحفاظ على سرية بيانات العميل، بعدم الكشف عن طبيعة هذه الأدلة، أو التعليق على ما إذا كان من المناسب لمحامي الملكة تمثيل الأسد أيضا. ومع ذلك، فقد شارك المكتب 11 حكما فرنسيا في قضايا تشهير، يعود تاريخها إلى أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، والتي قضت لصالح الأسد.

وتعلقت معظم هذه الأحكام بمزاعم وردت في وسائل إعلام مختلفة بأن ثروة رفعت الأسد مصدرها الجريمة المنظمة. في قضية الحكمين اللذين تناولا بشكل جوهري مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان، وجدت المحاكم أن الصحفيين قد فشلوا في عكس بعض الفروق الدقيقة في تقرير منظمة العفو الدولية من خلال التغاضي عن الشكوك حول ما إذا كان نظام الأسد قد أمر مباشرة بارتكاب هذه الفظائع.

وفي السياق ذاته، تشددت المواقف العامة تجاه المحامين البريطانيين الذين يمثلون سياسيين أجانب، يوصفون بكونهم "ذوي سمعة مشكوك فيها" في السنوات الأخيرة. وهذا الشهر، قالت فرقة عمل من كبار المحامين وخبراء المجتمع المدني إنه يجب على شركات المحاماة طلب "تفسيرات أكثر مصداقية" من موكليها بشأن مصدر ثرواتهم، وأنه من غير المقبول تجاهل المخاطر التي تهدد سمعة المهنة القانونية.

وقالت شركة فارير في ردها: "إذا كان سيتم اتخاذ القرار نفسه -بالتمثيل لصالح الأسد- اليوم، في ضوء المزيد من المعلومات المتاحة الآن، وربما، في ظل المتطلبات الأكثر صرامة للبيئة التنظيمية، هي نقطة يمكن للمرء أن يتكهن حولها".