تُوفي منذ
أيام قليلة الفنان سليمان عيد بأزمة قلبية مفاجئة. وموت الفجأة من أصعب الميتات
التي استعاذ منها المصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث يحدث دون سابق إنذار أو تحذير،
يحدث دون مرض أو تنبيه، كان يعيش معنا فلان وفي لمح البصر أصبح في عداد الأموات.. الفنان
سليمان عيد رحمه الله كان في الليلة السابقة لوفاته يحضر عزاء أحد المنتجين، كان
يتذكر حياته ويحزن عليه، لم يكن يعلم أن في اليوم التالي عنده موعد مع ملك
الموت
ليكون هو صاحب العزاء القادم، غفر الله له ولجميع موتانا.
الموت هو
الحقيقة الوحيدة في حياتنا، يتغافل عنها الكثير، يحاول أن يتجاهلها البعض، لكن
مهما تغافل وتناسى بنو آدم فالنهاية حتمية ولقاء المولى عز وجل قادم لا محالة.
إبان
الدولة العباسية كان أبو جعفر المنصور يخصص يوما للاحتفال بتوليه الخلافة، يحضره
النخبة، والشعراء، والأدباء ووجهاء القوم، وقادة الجند، الكل في مدح الخليفة،
الإطراء والتملق، وأهم مظاهر هذا الاحتفال، أثناء هذا التجمع يدخل مقاتل ابن
سليمان، أحد أتقى الناس وأهم الوعّاظ في الدولة العباسية، وعندما شاهده أبو جعفر
تغير لونه، فهو يريد النفاق والمدح وليس هناك وقت للعظة والنصح. دخل ابن سليمان
وسلم على الجمع ودعا للخليفة، هنا فكر أبو جعفر في مباغتة مقاتل حتى لا يبدأ الجمع
بالكلام والنصح ويؤثر على مدح الناس له، فقال: عظنا يا ابن سليمان.
مقاتل بن
سليمان: أعظكم بما سمعت أم بما رأيت؟
تغير لون
أبو جعفر للمرة الثانية قائلا في نفسه: لم نبدأ بعد وابن سليمان بدأ في الوعظ
مبكرا!! فقال له بل عظنا بما رأيت (الرؤية أقل من السمع بكثير).
مقاتل:
توفي عمر بن عبد العزيز وعندما تم توزيع تركته كانت 18 دينارا!! نعم الرقم صحيح، خليفة
المسلمين يترك ثمانية عشر دينارا فقط، كان لبيت المال خمسة منها تم توزيعها، وتم
شراء قبر له بأربعة دنانير!! تبقى تسعة دنانير لورثته وكانوا أحد عشر!! سيكون نصيب
كل منهم أقل من دينار!! هؤلاء ورثة أمير المؤمنين.
وقد
شاهدنا أيضا وفاة الخليفة هشام بن عبد الملك -وما زال الكلام لمقاتل بن سليمان- وكان
له أربع زوجات، نصيب كل منهن ثمانين ألف دينار!! تلك هي النقود السائلة فقط، خلاف
الضيعات والقصور والحدائق، فضلا عن أن هذا هو ثُمن التَركة، حيث ترث الزوجة الثمن،
فكم كانت التَركة إذن؟! مات عمر ومات هشام -أضاف مقاتل- ووالله يا خليفة المسلمين
قد شاهدنا ابن عمر بن عبد العزيز يسير بمئة فرس كاملة في سبيل الله، وفي نفس الوقت
رأينا ابن هشام بن عبد الملك يقف يتسول ويطلب الناس الصدقة في الأسواق..
الإرث
الحقيقي هو التقوى والعمل الصالح، الإرث الحقيقي هو بناء أولادك على الضمير ونبذ
المنكرات، الإرث الحقيقي هو تعليمهم الشرف والأمانة والحق والعدل، وأن المال زائل ولا
يستطيع إيجاد السعادة في حياتك أو جلب سيرة حسنة لك بعد مماتك، وإلا لما رجحت كفة
من كان إرثه أقل من دينار على من كان نصيب والدته فقط فوق الثمانين ألف دينار!!