أثار الإعلان عن
زيارة الرئيس
المصري عبدالفتاح السيسي إلى
قطر، الأحد، ثم
الكويت، الاثنين، العديد
من التساؤلات، خاصة وأنها زيارة تأتي في ظل سياقات سياسية صعبة وأوضاع إقليمية ملتهبة.
السيسي، المقل في زيارة العاصمتين الخليجيتين على عكس زياراته
للرياض وأبوظبي، تمثل زيارته هذه أهمية سياسية وتحمل دلالات هامة؛ خاصة بزيارة قطر،
التي تأتي بعد أيام من اتهام الكيان الإسرائيلي المحتل للدوحة بتجنيد عناصر إسرائيلية
تقوم على تشويه الدور المصري في ملف القضية الفلسطينية ومفاوضات غزة.
وأكد السيسي وأمير قطر على موقفهما الثابت والداعم للحقوق
المشروعة للشعب الفلسطيني، ودعمهما لجهود تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، وتطلعهما
إلى انعقاد مؤتمر دولي بشأن إعمار غزة تستضيفه مصر.
كما تأتي زيارة قطر التي تعد الثانية من السيسي خلال حكمه
لمصر –الأولى 13 أيلول/ سبتمبر 2022- في ظل سياق التعاون مع القاهرة في ملف الاستثمار
والاقتصاد الذي لم تتوغل فيه قطر بالقدر الكافي كما تأمل مصر، وكما يبدو التوغل الإماراتي
والسعودي.
وفي أولى نتائج زيارة الدوحة، جرى التوافق على حزمة استثمارات
قطرية مباشرة لمصر بقيمة 7.5 مليار دولار، تنفذ خلال المرحلة المقبلة فيما تم التوافق
على تعزيز الاستثمار والتبادل الاقتصادي.
والتقى السيسي بممثلي مجتمع الأعمال القطري لبحث فرص التعاون
الاقتصادي، فيما تشير تقارير إلى أن الصندوق السيادي القطري يدرس فرصا بقيمة (2-3 مليارات
دولار) إضافية، لتطوير الفنادق والمنتجعات السياحية بالبحر الأحمر، بحسب موقع
"
بانكير" الاقتصادي.
وقال السيسي خلال اللقاء، إن "مصر تعد فرصة واعدة للمستثمرين،
لما تمتلكه من موقع استراتيجي فريد، وقوى عاملة ماهرة بتكلفة تنافسية، وأسعار طاقة
ملائمة، واتفاقيات تجارة حرة، وبنية تشريعية مشجعة للاستثمار".
وتحدث عن فرص استثمارية بقطاعات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات،
والصناعات التحويلية، والطاقة الجديدة والمتجددة، والسياحة، مؤكدا للرغبة المصرية الدخول
في شراكة مع المستثمرين القطريين.
ولم تحظ الاستثمارات القطرية في مصر بذات الاتساع الذي نالته
الصناديق والشركات الإماراتية والسعودية وذلك في ظل مشاركة القاهرة في المقاطعة الخليجية
التي قادتها السعودية والإمارات والبحرين ضد الدوحة منذ منتصف 2017، حتى عقد قمة
"العلا" بالسعودية كانون الثاني/ يناير 2021.
ومنذ تطبيع
العلاقات بين البلدين زار أمير قطر القاهرة، وزار
السيسي الدوحة للمرة الثانية، لتعاود الأرقام الاقتصادية فرصها في الانتعاش، حيث توجد
110 شركات مصرية تعمل في قطر، و261 شركة قطرية تعمل بالسوق المصرية، بنسبة مساهمة تصل
إلى 2.165 مليار دولار، بقطاعات السياحة، والإنشاءات، والصناعة، بجانب 6 آلاف شركة
مشتركة، وفقا لتصريحات السفير القطري بالقاهرة طارق علي، لـ"سبوتنيك عربي"،
كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
وفي سياق الزيارة أعلنت قطر عن دعمها لمرشح مصر لمنصب مدير
منظمة (اليونسكو) الدكتور خالد العناني.
"رأس حكمة جديدة"
زيارة الكويت، التي التقى فيها السيسي، بالأمير مشعل الأحمد
الجابر الصباح، لها أيضا أهمية اقتصادية كبيرة، لفت إليها وزير مصري قبل أيام، مشيرا
لاحتمال منح الكويت ثالث أكبر شريك تجاري عربي لمصر بعد السعودية والإمارات، أراضي استراتيجية
في مصر على غرار "رأس الحكمة" لصندوق أبوظبي العام الماضي.
وزير المالية أحمد كجوك، قال الخميس لصحيفة "الراي"
الكويتية، إن حكومة بلاده منفتحة على تطبيق مبدأ تحويل الدين إلى استثمار، كما فعلت
في رأس الحكمة، كما أنه وردا على إمكانية تكرار هذا النهج مع ديون الكويت ودول أخرى،
أكد الوزير أن مصر منفتحة لتطبيق المبادرة مع جميع الشركاء الدوليين.
من جانبه قال سفير الكويت بالقاهرة غانم صقر الغانم، في تصريح
الاثنين: "تشكل مصر وجهة للاستثمارات الكويتية"، مشيرا إلى "الشراكات
بين كويتيين ومصريين"، موضحا أن هناك "أكثر من ألف شركة كويتية تعمل في مصر،
فيما تجاوزت قيمة الاستثمارات الكويتية 20 مليار دولار في مجالات عدة، ومنها البنى
التحتية والطرق والسياحة والزراعة".
ويبلغ حجم التبادل التجاري بين القاهرة والكويت نحو 5 مليارات
دولار سنويا، فيما تقدر الاستثمارات الكويتية في مصر بحوالي 15 مليار دولار، بقطاعات
البترول، والعقارات، والبنية التحتية، ومن أبرز المشروعات الكويتية مشاركة شركات كويتية
في خط أنابيب سوميد ومصنع لإنتاج مواسير نقل البترول.
"معاناة مصرية"
ويعاني اقتصاد مصر من أزمات هيكلية وبنيوية خطيرة، وسط حجم
دين خارجي يلتهم أغلب مدخلات الموازنة العامة للبلاد، ما دفع الحكومة لمزيد من الاقتراض،
وفي المقابل تقليص دعم الوقود الذي قررت رفعه الجمعة الماضية، بنسب تتراوح بين
12-33 بالمئة، وسط ارتفاع معدل التضخم السنوي ليصل 13.6 بالمئة في آذار/ مارس الماضي.
بيانات البنك المركزي المصري أشارت إلى ارتفاع ديون مصر الخارجية
1.5 بالمئة على أساس ربع سنوي إلى 155.2 مليار دولار بالربع الأول من العام المالي
الحالي.
وبعد ثبات رسمي في قيمة العملة المحلية لنحو عام منذ عقد
صفقة رأس الحكمة ورفع صندوق النقد الدولي قيمة تمويله لمصر من 3 إلى 8 مليارات دولار،
ومواصلة الاتحاد الأوروبي منح البلاد دعما وصل إلى 5 مليارات دولار، عاد الجنيه لخسارة
قيمته بمقابل الدولار.
ومنذ إجازة عيد الفطر فقد الجنيه نحو 2.4 بالمئة من قيمته
خلال أسبوع واحد، متراجعا من نحو 50.5 جنيها إلى 51.75 جنيها للدولار، وسط عودة نشاط
السوق الموازية.
وتتوالى التصنيفات الدولية الراصدة لحالة اقتصاد متعثر، حيث
أبقت وكالة "ستاندرد أند بورز" التصنيف الائتماني للبلاد عند "B-/B" هابطا 6 درجات للديون طويلة وقصيرة الأجل بالعملات الأجنبية
والعملة المحلية، مشيرة لارتفاع تكاليف خدمة الدين، واستمرار هشاشة الوضع الخارجي للبلاد
وسط تزايد تقلبات الأسواق العالمية والمخاطر الجيو سياسية.
وأبقت "وكالة فيتش"، على التصنيف الائتماني لمصر
(عند B)، هابطا 5 درجات، مشيرة إلى "ضعف الوضع المالي الحكومي، بما في
ذلك ارتفاع فوائد/إيرادات الديون بشكل استثنائي، واحتياجات التمويل الخارجي الكبيرة،
وتدفقات التمويل التجاري المتقلبة".
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، رفعت "فيتش"
تصنيف مصر الائتماني من "B-" إلى "B" مع نظرة مستقبلية مستقرة للمرة الأولى منذ عام 2019، وعزت قرارها
إلى تدفقات النقد الأجنبي من اتفاقية "رأس الحكمة" البالغة 35 مليار دولار.
وحول الأهمية السياسية والاقتصادية لزيارة السيسي إلى قطر
والكويت بهذا التوقيت، والاكتفاء بزيارة عاصمتين خليجيتين من الأقل في زياراته الخارجية
دون الذهاب إلى أبوظبي والرياض أكثر محطتين بجولاته العربية والعالمية، تحدث سياسيون
مصريون لـ"عربي21".
"سياقات عدة ورسالة إيجابية"
وفي رؤيته قال السياسي المصري إسلام لطفي، إن "زيارة
قطر والكويت لا بد من النظر لها في سياق سياسي وسياق عسكري، السياسي منها يأتي بعد ظهور
أخبار (من إسرائيل) تتعلق بأن قطر تقوض دور مصر في مفاوضات غزة والاحتلال، وهذا كان
سيشكل ضعفا للموقف التفاوضي الذي تخوضه القاهرة والدوحة سويا حول غزة ووضعها".
وفي حديثه يعتقد أن "الزيارة محاولة لنزع فتيل التوتر
الذي حدث، وكونها أنها حدثت من مصر وليس العكس، يُعطي رسالة إيجابية بأنه لن يتم الالتفات
لهذا الأمر".
ولفت إلى أمر ثان، وهو أن "قطر والكويت يتفق موقفهما
مع مصر في رفض أي شكل من أشكال التهجير لأهالي غزة، وفكرة الوطن البديل، وهذا على خلاف
الدول الأخرى المشار إليها السعودية والإمارات اللتين تبدوان في هذه اللحظة تقودهما
الرؤى الاقتصادية ومحاولة تعظيم الفوائد وبسط النفوذ".
وأضاف: "ولذا يتبنيان خيار الترحيل الطوعي أو كما يُقال
أو يُنقل بأنه ليس لديهم أزمة في موضوع الترحيل الطوعي لأهالي القطاع"، مبينا
أن "هذا الموضوع يشكل تحديا لمصر كونه يضرب القضية الفلسطينية في مقتل".
لطفي، أكد أن "هذا يمثل تهديدا للقضية الفلسطينية وتهديدا
على الأمن القومي المصري؛ لأنه في النهاية أهالي فلسطين في فلسطين شئنا أم أبينا هم
حائط صد تجاه الأطماع الصهيونية التوسعية، وبالتالي الزيارة لها بعد سياسي".
وعن البعد الاقتصادي، يرى السياسي المصري أنه "بالفعل
الأوضاع الاقتصادية شبه مستقرة مع الإمارات والسعودية، ولكن تباين المواقف السياسية
يجعل هناك حالة من الإحجام عن إقالة مصر من عثرتها الاقتصادية الحالية".
وأوضح أن "قطر والكويت يتمتعان باقتصاد جيد، وعلاقات
جيدة مع مصر، ويتشاركان كذلك سياسيا في الموقف الإيجابي تجاه القضية الفلسطينية ومعاناة
أهل غزة، وربما يكون للأمر علاقة بفتح مسارات بديلة لتقليل حالة الاختناق المالي والاقتصادي
الموجودة في مصر".
ويرى أن "الزيارة تمثل تحركا سياسيا ودبلوماسيا ذكيا
وإيجابيا خصوصا في ظل الاجتماعات التي عقدتها (سنتكوم) الإدارة المركزية العسكرية في
الشرق الأوسط وتجاهلت فيها مصر".
وخلص للقول: "وبالتالي الزيارة تقول إن مصر تظل لاعبا
في الإقليم، وتقول إنه لديها كروت تحاول بها ترتيب المشهد، وليست متأكدة من هذا؛ ولكن
التحرك ومحاولة فعل شيء بالتأكيد أفضل من الصمت والسكون وانتظار ما سيحدث".
"خمسة دوافع وأهداف"
من جانبه، قال السياسي المصري الدكتور محمد عماد صابر:
"رغم الطابع الرسمي المعلن لزيارة السيسي إلى قطر والكويت، إلا أن السياق السياسي
والاقتصادي الإقليمي يكشف عن دوافع غير معلنة تتجاوز التصريحات البروتوكولية، وتشير
إلى أهداف استراتيجية تمس عمق الأزمات الداخلية والخارجية التي تواجهها مصر".
عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري سابقا، أشار
أولا إلى "هدف البحث عن دعم اقتصادي عاجل حيث تواجه مصر أزمة اقتصادية خانقة،
أبرز ملامحها التضخم، وتراجع قيمة الجنيه، وعجز في العملة الصعبة".
وأضاف أنه "في ظل ضغوط صندوق النقد الدولي وتأجيل بعض
الاستثمارات الخليجية، تسعى القاهرة للحصول على دعم مباشر أو غير مباشر من دول الخليج؛
وقطر والكويت تُعتبران من الدول الأقل اشتباكا سياسيا في الشأن المصري، ما يجعل طلب
المساعدة منهما أكثر ليونة مقارنة بالسعودية والإمارات".
رئيس منتدى "برلمانيون لأجل الحرية"، لفت ثانيا،
إلى "ملف المعارضة المصرية بالخارج، حيث تستضيف قطر شخصيات إعلامية وسياسية معارضة
للنظام المصري؛ ويُحتمل أن تكون الزيارة محاولة لإقناع القيادة القطرية بتقليص الحضور
الإعلامي أو السياسي للمعارضة، خاصة في ظل اقتراب محطات سياسية داخلية قد تشهد توترات".
وتحدث ثالثا عن "الترتيبات الإقليمية لما بعد غزة"،
مبينا أن "مصر تسعى لترسيخ موقعها كوسيط أساسي في الملف الفلسطيني، خاصة في إدارة
ما بعد الحرب، وقطر فاعل رئيسي في الملف الفلسطيني (عبر علاقتها مع حماس)، والكويت
تمثل تيارا داعما للمقاومة داخل الخليج".
وتوقع "بالتالي احتمال أن تتضمن الزيارة تنسيقا حول
ترتيبات إعادة الإعمار، أو توزيع الأدوار في المرحلة القادمة، وفي نفس الوقت تهدئة
الحملة الإعلامية التي كانت ضد قطر من الإعلام المصري".
رابع أهداف الزيارة وفق رؤية صابر، تتمثل فيما أسماه
"موازنة التباينات الخليجية"، موضحا أن "التوتر الصامت بين مصر وبعض
حلفائها التقليديين (لا سيما الإمارات) يدفعها لتقوية صلاتها بقطر والكويت؛ وهذه التحركات
تأتي في إطار محاولة القاهرة خلق توازن داخل البيت الخليجي واستعادة هامش من الاستقلال
في قراراتها الاقتصادية والسياسية".
وفي ختام حديثه ألمح خامسا، إلى هدف توجيه مصر، "رسائل
سياسية إقليمية ودولية؛ عبر هذه الزيارات"، مؤكدا أنها "تسعى لتأكيد مكانتها
كدولة محورية لا تزال قادرة على الحوار مع جميع الأطراف؛ وترسل إشارات إلى أمريكا وأوروبا
بأن القاهرة تحافظ على علاقات متينة بدول الخليج، رغم الضغوط المتعلقة بملف حقوق الإنسان
أو ملف المعتقلين السياسيين".
"ماذا يقول المصريون"
ولاقت الزيارة تفاعلا كبيرا عبر مواقع التواصل الاجتماعي،
ومنه ما كتبه الصحفي جمال سلطان: "باختصار، وبدون كثير شرح، السيسي سافر إلى الدوحة
ليستغيث بالشيخ تميم أمير قطر"، مشيرا إلى أن عقد اتفاقيات اقتصادية بقيمة
7.5 مليار دولار، تمثل "إغاثة عاجلة".
وقال الخبير في الإدارة والاستراتيجية الدكتور مراد علي،
إن "زيارة الرئيس السيسي إلى الدوحة، بعد أيام من الحملات الإعلامية المكثفة ضد
قطر، تكشف عن تناقضات السياسة المصرية، وتؤكد
قصورا في التفكير الاستراتيجي لدى الأجهزة الأمنية المصرية التي تسيطر على الإعلام".
وأضاف: "لكن يبدو أن الضغوط الاقتصادية والحاجة الملحة
لضخ مساعدات أجبرت القيادة السياسية المصرية على تغيير المسار وزيارة الدوحة".
ورأى الكاتب الصحفي إبراهيم فايد، أن الزيارة تكشف عن دور
قطري جيد مع مصر، إذ كتب يقول: "وقت الحسم لا تجد مصرنا من أشقائها إلا أولئك
الثابتين على مبادئهم، أما الشعارات وارفعوها من المُطَبّعين المتآمرين سُرعان ما تذهب
أدراج الرياح مع أول إشارة ترامبية".