قضايا وآراء

محنة الشيخ الحويني وابنه المعتقل في مصر

ما أن أعلن عن وفاة الشيخ أبي إسحاق الحويني رحمه الله تعالى، وقد فجع في وفاته المحبون، وأهل العلم، حتى فجعهم خبر آخر، لم يكن معلنا..
ما أن أعلن عن وفاة الشيخ أبو إسحاق الحويني رحمه الله تعالى، وقد فجع في وفاته المحبون، وأهل العلم، حتى فجعهم خبر آخر، لم يكن معلنا من قبل، وهو: أن الشيخ له ابن معتقل في مصر منذ ست سنوات، اسمه: همام، وقد سمى الحويني أبناءه جميعا على أسماء أهل الحديث، بحكم تمرسه وتخصصه في علم الحديث، ودراسة أسانيدها، طوال سنوات طويلة.

أعلن حاتم الحويني الخبر الصادم للناس، بعد خبر وفاة أبيه، بما يأتي: (نداء ورجاء.. ألم في القلب، وغصة في الحلق، لم نبح بها منذ 6 سنوات. أما وقد فارق الوالد الحياة وهو يتمنى لقاء فلذة كبده الذي غيبه الاعتقال لست سنوات متتابعات في سجون مصر، فهل يستجاب للنداء اليوم، للإفراج عن ابنه همام ليتمكن من توديع والده والصلاة عليه؟!).

القضية التي تم اعتقال ابن الحويني على ذمتها، حصل كل أفرادها على البراءة، وتم الإفراج عنهم، أي: أن القضية انتهت ببراءة جميع المتهمين، بمن فيهم ابن الحويني، وخرجوا جميعا، سوى شخص واحد، كان القرار أن يظل في السجن، فتم تدويره على قضايا أخرى مفتعلة كسابقتها، وهو ما يتم مع كل معتقل لا يراد له الخروج، سواء نال البراءة، أو حكم عليه زورا، وقضى مدته، كما هو حال آلاف من الناس في السجون المصرية.
بعد هذا الإعلان المفاجئ، خرج ناشطون لا ينتمون للتيار الإسلامي، يؤكدون رؤيتهم لهمام الحويني، فكتب الناشط والشاعر المصري أحمد دومة أنه التقاه، وكتب آخر يحكي مرافقته له في الزنزانة لشهور طويلة، وهو السجين السابق عمر حنفي، إذ حكى تفاصيل عن معيشته في الزنزانة، وكيفية اعتقال ابن الحويني، حيث تم اعتقاله بعد مرور أسبوعين فقط من زواجه، وصبر زوجه على ذلك، وعلى ألم البعد وألم المعاناة في الزيارة، ومعها أمه، وكيف كان همام وزميل الزنزانة الذي على غير توجهه، وكان مدخنا، وقد تحمله البقية ـ وكلهم من الإسلاميين ـ وسمحوا له بالتدخين في مكان لا يضرهم، تفاصيل دقيقة مهمة لما يجري في السجون، لأشخاص لم يقترفوا جرما، ولم يدنهم قضاء نزيه.

العجيب في الموضوع، أن القضية التي تم اعتقال ابن الحويني على ذمتها، حصل كل أفرادها على البراءة، وتم الإفراج عنهم، أي: أن القضية انتهت ببراءة جميع المتهمين، بمن فيهم ابن الحويني، وخرجوا جميعا، سوى شخص واحد، كان القرار أن يظل في السجن، فتم تدويره على قضايا أخرى مفتعلة كسابقتها، وهو ما يتم مع كل معتقل لا يراد له الخروج، سواء نال البراءة، أو حكم عليه زورا، وقضى مدته، كما هو حال آلاف من الناس في السجون المصرية.

وهي سياسة متبعة من السيسي ونظامه، فليس شرطا أن تكون قد ارتكبت جرما، أو مارست سياسة، حتى تنال العقاب بالاعتقال والسجن، فربما تكون بعيدا تماما عن السياسة، ولكن تعاقب بموقف وقفه قريب لك، أب أو أخ أو قريب من الدرجة الأولى، وهو ما نراه في أشخاص كثر، كأبناء البلتاجي، وأبناء الشاطر وبناته، وكابنة القرضاوي قبل خروجها، وزوجها، ولم يكن لهم جريمة سوى أنهم أبناء أشخاص مارسوا حقهم السياسي والشرعي في أن يكون لهم رأي مخالف لهذه السلطة المستبدة.

كانت جريمة همام الحويني، أنه ابن أبو إسحاق الحويني، فماذا كانت جريمة الأب حتى يعاقب ابنه به؟ ليست هناك جريمة، فالحويني ليس من المشتغلين بالشأن العام السياسي، من حيث التعليق والفتوى، مثل آخرين، فقط مواقف سريعة معينة، ومواقف مبدئية من عدم تأييد هذا الانقلاب، وهذه تهم وجرائم كافية لدى هذا النظام، لتكون ضمن المغضوب عليهم، فإن لم تطلك يده للعقاب، فأقرب من تطالهم أيديهم هم أدوات للتنكيل والانتقام منك.

فقد خرج الحويني الأب للعلاج من مصر لقطر، وظن النظام أنه سيعود، ولكنه لم يعد، فقد نصحه علماء كثيرون، وعلى رأسهم شيخنا العلامة القرضاوي، بألا يعود، فهذا نظام غير مأمون، ولم يعد الحويني، واستقر في قطر، معززا مكرما بين أهلها، إلى أن تم دفنه فيها في مشهد جنائزي مهيب.

خبر ابن الحويني واعتقاله، وما جرى له، هو مشهد متكرر، ولكنه يحمل دروسا كثيرة، منها ما يتعلق بصبر الحويني وأسرته، وكتم خبر اعتقاله، وهو ما يدور مع كثيرين، من أهل المعتقلين، فكثير منهم يختفي قسريا، وفي أول مدة اختفائه، يتصور الأهل أن كتمان الخبر عامل مساعد لسرعة خروجه، مؤملين أو مخدرين من وعود كاذبة من السلطة، أو من الأمن، بأن الصمت، سيعجل بخروجه، وهي وعود فاجرة كاذبة، ومتكررة، مع كل الحالات التي تم التعامل معها بنفس الشكل، وهناك شخصيات كثيرة جرى معها هذا الأمر، ولا ينفرد الحويني وابنه به.

خرج الحويني الأب للعلاج من مصر لقطر، وظن النظام أنه سيعود، ولكنه لم يعد، فقد نصحه علماء كثيرون، وعلى رأسهم شيخنا العلامة القرضاوي، بألا يعود، فهذا نظام غير مأمون، ولم يعد الحويني، واستقر في قطر، معززا مكرما بين أهلها، إلى أن تم دفنه فيها في مشهد جنائزي مهيب.
الأمر الآخر، أن كثيرا من البيوت التي ابتليت بهذا البلاء، تعيش كاتمة ما امتحنها الله به، إلى أن يضطرها موقف معين، فيخرج الخبر، أو يعلن به، وكم من البيوت والأسر في مصر مفجوعة بذويها، وعائلها، وكثيرا ما نظن أشخاصا خارج أسوار السجن الصغير (المعتقل)، وأنهم فقط في السجن الكبير (مصر)، فنفاجأ بأن من تسأل عنه معتقل منذ سنوات.

الأمر اللافت في موضوع ابن الحويني، أن السجين السابق الذي ذكر تفاصيل اعتقاله وسجنه، شخص ليس من التيار الإسلامي، بل وضع معهم في زنزانة واحدة، ربما من باب تكديره وتنغيص حياته في السجن، وهو سلوك تتعمده السلطة، من باب زيادة جرعة الإيذاء للمعتقل، ولكن السجن كان ساحة لتغير أفكار الكثيرين، فمن خلال معاشرته لابن الحويني، رأى نموذجا لم يتصوره، ثم رأى إسلاميين رغم ضيقهم بالتدخين، سمحوا له به، لأنه عادة لديه.

وهذا المشهد تكرر من مسجونين سابقين، عند حكاية تجربتهم، وكيف تغيرت المواقف والرؤى، وهو شيء يحمل خبرا سارا، ويحمل آخر غير سار، إذ من المؤسف أن أفكارنا وتصوراتنا عن بعضنا البعض، لا تتضح، ولا تكون صحيحة، إلا في محنة وسجن واعتقال، في ظل ظالم وطاغية، وكان حريا بالحوار الجاد، والعمل السياسي المفتوح، أن يكون ساحة للتعارف الصحيح، لكنها التجارب التي تصقل الإنسان، وتنضج رؤيته وتصوره.

فك الله أسر همام الحويني، ورحم والده، وفك أسر كل سجين، وألقى على قلب كل سجين الصبر حين يفقد أحبابه، فهو شعور صعب، وثقيل على النفس.

Essamt74@hotmail.com