كتاب عربي 21

"الخلايا النائمة" التي تقوم الليل إيمانا واحتسابا

"نفرت جماهير الثورة العسكرية والمدنية، فرأينا أرتالا من المتطوعين"- الأناضول
اتفقت وسائل الإعلام على تسمية أعداء الحكومة المستترين، بالخلايا النائمة، وكانت نشطت في وقت السحور في الساحل السوري، وهي خلايا متربصة ومتحفزة تتقنع وتتلثم لكن لا تنام، وقد انبعثت بعد ثلاثة شهور من سقوط الأسد ونظامه البائد، ولم يبُدْ بعد فلا تزال منه بقايا فلول غير قليلة.

انبعثت الخلايا، والسوريون لم يشمّوا أقفية أيديهم بعد، كما تقول الأمثال السائرة، فخطفوا أنفارا من الأمن، وارتكبوا مجازر بحق آخرين، وحرقوا جثثهم (ليس لإخفاء الجريمة إنما تنكيلا وإرصادا)، فنفرت لهم جماهير الثورة العسكرية والمدنية، فرأينا أرتالا من المتطوعين بلغت في تقدير المقدرين نحو نصف مليون متطوع، خفافا وثقالا، رجالا وركبانا، وقد استعظم المراقبون عدد المستنفرين، وتذكروا انقلاب تركيا سنة 2016. فقد أحسّ جمهور الثورة السورية بالذعر والغضب معا؛ الذعر من سرقة ثورته ومن عودة أعتى نظام سياسي وأظلمه، والغضب من تغافل القيادة الجديدة وحلمها بالفلول ووضع الندى في موضع السيف.

أحسّ جمهور الثورة السورية بالذعر والغضب معا؛ الذعر من سرقة ثورته ومن عودة أعتى نظام سياسي وأظلمه، والغضب من تغافل القيادة الجديدة وحلمها بالفلول ووضع الندى في موضع السيف

ووقعت تجاوزات وحدثت انتهاكات من قتل مضاد ونهب انتقامي، ويرجح أنَّ سببه الأكبر هو تأخر قصاص القتلى، فأكثر الثورات استقرارا وأطولها عمرا، كان أكثرها دماء، الثورة في فرنسا وثورة إيران وسواهما. والسبب الثاني هو بطء التقاضي في محاكم العدالة السورية الجديدة، التي يمكن وصفها بالانتقائية، فالقيادة الجديدة تحاول جهدها تدوير المربعات والمثلثات، تعفو هنا، وتعاقب هناك، عين على الشرعية الممنوحة من الغرب -مصدر الشرعيات السياسية- وعين على الشرعية الداخلية، والشرعية الغربية الأمريكية مقدّمة على الداخلية؛ الشرعية الداخلية يمكن انتزاعها بالقوة أما الخارجية فلا تؤخذ إلا بالرضى بل بالطاعة.

يقول مكيافيللي: إنَّ الحنين في الثورات والأنظمة الساقطة إلى زمن الدكتاتور الراحل يقع غالبا بعد سنة من سقوطه، وليس الأسد بدكتاتور يُحنّ إليه إلا من أتباعه وأوليائه، فهي عِشرة، والعشرة لا تهون إلا على الرفيق البعثي، إلا إن كان حنينا مرضيا كحنين المازوشيين، وفي فيلم سوق المتعة يحنُّ السجين المحرر إلى سجنه، فيبني سجنا ويستأجر سجانه السابق ليعذبه.

حنّ الموالون إلى زمن التشبيح الجميل والقتل تحت التعذيب، حيث كانت الرموز رموزهم، والعزة عزتهم، والدولة دولتهم، والرواتب وإن كانت قليلة لكنها جارية وتسند الجرة السحرية، اشتاقوا إلى رئيسهم السابق الهارب، صاحب أجمل رقبة سورية، وسبب تأخر الحنين أنّ حرارة السقطة عطلت الإحساس بالألم إلى حين، أو أن الثائرين على القيادة الجديدة والحانين إلى دولة الغنيمة، أنفقوا جلّ مدخراتهم، أو أن أموالا وردت إليهم، وأوامر فلبوها، والفقر يذكي الحنين والانتقام أيضا.

وقد أُضيفت أسباب أخرى إلى انبعاث ثورة خلايا قيام الليل الأسدية، التي أطلقوا عليها اسم درع الساحل، منها: أنهم قتلة، لا أمل في العفو عنهم، وقد خسروا مناصبهم وعزهم ومجدهم، ورواتبهم، سوى أنهم مدعومون من قوى دولية، أولها إيران التي تصفهم بالثوار في وسائل إعلامها الكثيرة، وبالمقاومة أيضا، وتصف القيادة الجديدة بالإرهابية، تليها روسيا، المهددة بخسارة حمامها الدافئ في حميميم. وروسيا تعمل بصمت وتأنّ، وكانت آوت مئات الأسر العلوية لجأت إليها في القاعدة، ونقلت أخبار عن توكيلات مكتوبة تطلب من روسيا تدخلا دوليا. تساعد إيران وروسيا دول عربية وصيفة للدولتين المذكورتين، تخفي بغضا فوقه رضى، للثورات العربية عامة، والإسلامية خاصة.

قتلة، لا أمل في العفو عنهم، وقد خسروا مناصبهم وعزهم ومجدهم، ورواتبهم، سوى أنهم مدعومون من قوى دولية، أولها إيران التي تصفهم بالثوار في وسائل إعلامها الكثيرة، وبالمقاومة أيضا، وتصف القيادة الجديدة بالإرهابية، تليها روسيا، المهددة بخسارة حمامها الدافئ في حميميم. وروسيا تعمل بصمت وتأنّ

وإن كون سوريا أهم دولة عربية، لتوسطها، وحيوية شعبها، سببٌ آخر، وهي مجاورة لتركيا الصاعدة، ويجري الحديث في وسائل التواصل عن الانبعاث الأموي ردّا على تصدير التشيع.

بل إن نازحين ومهاجرين شدّوا المئزر وهمّوا بالتشمير إلى سوريا بعد وقوع عمليات "درع الساحل"، خوفا من احتمال عودة النظام، الذي راع الشعب، ولا تكاد تجد أسرة سورية سنية (من غير اعتذار عن ذكر اللفظ) إلا وقد نُكّل بها ونكبت. تأخر القصاص، والقيادة الجديدة تحابي بعض المتهمين، وتغضي عن بعضهم الآخر، وهي تتقدم -الشعب الذي يريد الانتقام- بكثير، إما لأنها تريد الاستقرار وتتلمس طريقها الوعر، أو لأن الدولة المنكوبة تريد الاستفادة من أموالهم، فالخزنة خالية، وسوريا محاصرة، والقيادة محاصرة بين "صديق فأعيا أو عدو مداجي"؛ وهما مرضاة لمجتمع دولي معاد، وعربي علماني، يتوجس من الثورات الإسلامية، يضاف إلى ما ذكر من تردد القيادة السورية الجديدة وثقل الميراث الدموي الطويل.

أما مطالب نخبة السوريين ونشطاء الإعلام التواصلي، فعجيبة، كأن تتوجس نخبة من تجنب الرئيس الشرع ذكر الديمقراطية، وذكر بدلا منها الشورى، ويتخوف معارض له متابعون كثر من محظورات التمثيل التلفزيوني في غرفة النوم، ويستنكر آخر طول اللحى، ورابع يندد بالذكورية، فالذكورية تهمة، وخامس يندد بالجلابية التي يرتديها الرئيس في صور قديمة.. الجميع يحبون الإناث والتأنيث، والوجه الحليق، ويريدون مدينة فاضلة الآن وحالا، علمانية وديمقراطية وتحارب الإرهاب، تكثر في حكومتها الإناث السافرات الجميلات، وفي مسلسلاتها غرف نوم بمشاهد "جريئة". يقول الخائف على خسارة المشاهد الجريئة: "إن السعودية نفسها لم تعد تتقيد بهذه المحظورات".

وصفقت خلايا إعلامية ساهرة لأخبار تشي بصدور قانون قيصر جديد ضد القيادة الجديدة، بل إن معارضا سنيا معروفا قضى ردحا من الزمن في المعتقلات جاهر بحنينه إلى الأسد وفضّله على الرئيس الجديد الذي لم يحكم بعد!

يصعب تمييز غث الأخبار السائلة من سمينها، والصادق منها والكاذب، والتوثق من الصور المختلقة، وهي لمذبوحين وقتلى ما زالوا أحياء، وهنات الأمور مثل الحزن على نصب السيف الدمشقي الذي كسي بالبلاستيك في الشتاء وليس بالحرير! يقولون إنّ النصب هو لسيف دمشقي، صممه فنان مصري، والأمر يحتاج إلى شاهدين، فارسين، عدلين، ورئيس يضع السيف -وليس النصب- في مواضعه، غير خالط بين الندى والعدا.

x.com/OmarImaromar