أفكَار

هل اختلف تعامل السعودية بين الشرع ومرسي؟ نقاش هادئ مع جمال سلطان

كان استقبال مرسي في السعودية رائعا والحفاوة به كانت كبيرة.. كما هي الآن بأحمد الشرع..
يمكن القول إن نجاح الثورة السورية في إسقاط نظام بشار الأسد بعد 14 سنة من انطلاقها، مثل محطة فاصلة في تاريخ سوريا ومنطقة الشرق الأوسط والعالم العربي بشكل عام، ليس فقط لأهمية سوريا ومكانتها الاستراتيجية، وإنما لكون من أوصل الثورة السورية إلى نيل مبتغاها والإطاحة بحكم الأسد وحزب البعث محسوب على التيارات الإسلامية الأشد يمينية.

ومع أن انتصار الثورة السورية قد اختطف الأضواء عن حرب الإبادة التي نفذها الاحتلال في قطاع غزة على مدى 15 شهرا، فإن فريقا من الخبراء والمحللين لتطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، رأى في انتصار الثورة السورية أحد أولى ثمار الصمود الأسطوري للفلسطينيين في قطاع غزة في مواجهات آلة التوحش الصهيوني، بينما رآها آخرون انطلاقة جديدة لثورات الربيع العربي التي انطلقت أواخر العام 2010 من تونس.

لكن الجدل الرئيس الذي بدأ مع انتصار الثورة السورية أن من قاد هذا الانتصار هو زعيم هيئة تحرير الشام، المحسوب حاليا على التيار الإسلامي، والقادم من أقصى اليمين الإسلامي، أي تنظيم القاعدة قبل أن يتطور إلى مشروع سياسي سوري انتهى إلى استلام الدولة..

وكان لافتا للانتباه، ليس فقط مستوى النضج السياسي والانفتاح الذي عكسته تصريحات قادة الإدارة السورية الجديدة بزعامة أحمد الشرع المكنى بـ "أبو محمد الجولاني"، وإنما أيضا استعداد العالم العربي والإسلامي بل والمجتمع الدولي للتعاون مع الإدارة الجديدة، غير آبهين بالتصنيف الدولي الذي يضع هيئة تحرير الشام وزعيمها في خانة الإرهاب..

ومبعث الاستغراب هنا يكمن في أن العالم الذي رفض التعامل مع مخرجات الربيع العربي التي مكنت تيارات الإسلام السياسي من تصدر المشهد، وأحكم عليها الخناق وصولا إلى الانقلاب عليها والتنكيل برموزها، هو نفسه الذي يفتح الباب واسعا للتعامل مع الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع القادم من التيار الإسلامي..

ولقد كان الاستقبال الكبير الذي حظي به الرئيس السوري أحمد الشرع في السعودية مطلع الأسبوع الجاري، حدثا لافتا اعتبره البعض تغيرا في الموقف السعودي إزاء التيار الإسلامي، بينما رآه آخرون تميزا لأحمد الشرع عن باقي تيارات الإسلام السياسي وخصوصا منها تيار الإخوان.

"عربي21"، تفتح النقاش حول الموقف السعودي من التطورات الجارية في سوريا وما إذا كان ذلك يعكس تحولا في العلاقة مع الإسلاميين، أم أن الأمر يتعلق بتطورات في موقف الإسلاميين أنفسهم؟ وأين يختلف الموقف السعودي في الموقف من إخوان مصر وإسلاميي سوريا؟

وقد نشرنا أمس الاثنين مساهمة للكاتب والباحث المصري في شؤون الفكر الإسلامي جمال سلطان، وننشر اليوم مساهمة للكاتب والباحث المصري أيضا قطب العربي.


اهتمام سياسي وإعلامي سعودي بزيارة الشرع.. لماذا؟

حظيت زيارة الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع للمملكة العربية السعودية باهتمام إعلامي وسياسي خاص، وحق لها ذلك، فالشرع الذي لا يزال مصنفا إرهابيا على لوائح الإرهاب الدولية والتي تلتزم بها السعودية يعانق الأمير محمد بن سلمان، ويسير وسط موكب سعودي رسمي مهيب، ويؤدي العمرة مع الوفد المرافق له محاطا بالأمن السعودي، والسعودية التي حاربت الربيع العربي لمدة 14 عاما تستقبل أحد قادته، والمنطقة كلها على صفيح ساخن بعد طوفان الأقصى الذي ظهرت أجزاء من تداعياته ولا تزال أجزاء أخرى ستظهر تباعا.

استدعت زيارة الشرع وحسن استقباله من القيادة السعودية المقارنة مع زيارة الرئيس مرسي للسعودية عقب توليه منصبه الرئاسي مباشرة، وذهب البعض للتأكيد أن شكل الاستقبال السعودي اختلف كثيرا بين مرسي والشرع، منحيا باللائمة على مرسي وجماعته في توتر العلاقة مع السعودية. وكتب الصديق جمال سلطان مقالا أمس بعنوان "لماذا رحبت السعودية بأحمد الشرع ولم ترحب بمحمد مرسي؟"، نشرته "عربي21"، مشيرا في مقاله إلى ارتياح الجميع في المنطقة لهذا الاستقبال وهذه الروح الجديدة باستثناء 3 قوى إيران وإسرائيل والإخوان وخاصة فرعها المصري.

والحقيقة أن عنوان المقال خاطئ أساسا، ومجاف للحقيقة تماما، فاستقبال السعودية للرئيس مرسي كان بنفس الحفاوة، بل أكثر، استقبله بالأحضان الملك عبد الله وليس ولي العهد فقط، وحضر مراسم الاستقبال كبار رجال المملكة والأسرة الحاكمة، وأدى مرسي ومرافقوه العمرة وسط الحراسة الملكية، وبادرت المملكة بمنح مصر ملياري دولار ظلت وديعة في البنك المركزي لم يمسها الرئيس مرسي حتى الانقلاب عليه وذلك باعتراف السفير السعودي في مصر حينذاك أحمد القطان.

كان مرسي حريصا أن تكون زيارته الخارجية الأولى للمملكة تكريما لها، وحتى يرسل من خلال تلك الزيارة رسالة طمأنة لها ولبقية الدول الخليجية الخائفة من رياح الثورات العربية، وقد سبق مرسي ذلك بتأكيده في خطابه في جامعة القاهرة وغيره من الخطابات أن الثورة المصرية هي ثورة وطنية وليست للتصدير للخارج، وأتبع ذلك بإرسال مبعوثيه أيضا إلى الدول الخليجية الأخرى لطمأنتها.

كان استقبال مرسي في السعودية رائعا، إن لم يكن الأعلى وفقا للبروتوكولات، والمملكة أبدت نوايا طيبة ردا على زيارة مرسي، ودفعت ملياري دولار بشكل عاجل كوديعة في البنك المركزي
كما أن وضع الكاتب للإخوان إلى جانب إيران وإسرائيل في خانة واحدة (القلق والتوتر من زيارة الشرع للسعودية) أمر يجافي الواقع أيضا، ولا يصح أن يوضع الإخوان مع إيران وإسرائيل أبدا، فالإخوان رحبوا بشدة بتحرير سوريا من قبضة حكم الأسد، ولعلهم أكثر المستفيدين من ذلك، وهم الذين نالوا من هذا الحكم ما لا يطيقه بشر، بعد مذبحة حماة مطلع الثمانينيات، وصدور قانون خاص يقضي بالإعدام مباشرة لكل من يتهم بالانتماء للإخوان، لذا كانت فرحتهم بسقوط حكم الأسد مضاعفة، ورحبوا بالحكم الجديد مبكرا، وقرروا التعاون معه دونما انتظار لموقف موحد للائتلاف السوري الذي كانوا أعضاء فيه، والجماعة الأم (مصر) رحبت بشدة بانتصار الثورة السورية في العديد من البيانات والتصريحات، وعبرت عن دعمها التام للحكم الجديد، ولم يظهر في بياناتها أو تصريحات قادتها، ما يشي بقلق أو حتى غيرة، وإذا كان البعض يظن أن عدم إرسال الجماعة وفدا للتهنئة هو دليل على تحفظها تجاه الحكم الجديد فهو لا يفهم في السياسة شيئا، فالوضع في سوريا حاليا لا يحتمل ذلك، حيث المتربصون كثر، وسيكون للزيارة تداعيات سلبية أرادت الجماعة تجنيب النظام الجديد لها، وقد رأينا تداعيات سلبية لزيارات أشخاص مصريين لا يمثلون تنظيمات معروفة بل يمثلون أنفسهم فقط.

لنعد إلى المقارنة الظالمة بين زيارة مرسي وزيارة الشرع، والتي لم أكن أحبذها لكن غيري فرضها، فكما قلت كان استقبال مرسي في السعودية رائعا، إن لم يكن الأعلى وفقا للبروتوكولات، والمملكة أبدت نوايا طيبة ردا على زيارة مرسي، ودفعت ملياري دولار بشكل عاجل كوديعة في البنك المركزي، وفيما يخص العلاقة مع إيران، والادعاء أنها كانت أحد أسباب التوتر بين مصر مرسي والمملكة فهذه مغالطة أخرى، فليس خافيا، وأرشيف الصحف والقنوات يشهد على عكس ذلك، فقد كانت مصر تحت رئاسة مرسي هي الند الحقيقي لإيران، بل من المفارقات أن مرسي متهم بتوتير العلاقة مع إيران حين حرص على الترضي على الصحابة خلال زيارته لإيران، وحين تعرض الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للإحراج خلال زيارته لمصر وخاصة للأزهر، وحين قتل أحد رموز الشيعة المصريين على يد متطرفين لا ينتمون أساسا للإخوان، وحين دعم مرسي الثورة السورية، واستنكر الدور الإيراني فيها، ولعلنا لم ننس كلماته "لبيك يا سوريا.. لا مكان لحزب الله في سوريا".

تغيرت الأوضاع بعد فترة قصيرة من زيارة مرسي، وتحركت المملكة لإسقاط حكم الرئيس مرسي، ليس ذلك محض اتهامات يرددها الإخوان، بل هي الوقائع كما حدثت، ولم تخف المملكة ذلك، بل تباهى إعلامها والكثير من مسؤوليها بذلك، واحتضنت المملكة انقلاب الثالث من يوليو ورئيسه عبد الفتاح السيسي، وأغدقت عليه الأموال، هذه حقيقة تاريخية لا يمكن إنكارها، ومع ذلك فإن مياها كثيرة جرت بعد ذلك، وحتى علاقة الإخوان مع السعودية لم تعد على حدتها السابقة، كانت المملكة تعتبر الإخوان العدو الأول بينما كانت إيران في المركز الثاني، الآن أصبحت إيران هي العدو الأول، كما أن الإخوان سعوا لتلطيف علاقتهم بالسعودية مؤخرا لتجاوز صفحة الانقلاب ودعمه، ظهر ذلك في بيانات وتصريحات صحفية، كما أن هناك إدراكا للدور القيادي الحالي للمملكة في المنطقة، وحرصا على تبريد أو حتى تصفير المشكلات مع العديد من الجهات.

في السياسة لا يكفي موقف أو مظهر واحد لتقييم العلاقات، وتوقع المآلات، فهذا أقرب للتفكير الرغائبي، أو التفكير بالتمني، يحتاج الأمر إلى مزيد من الوقت والممارسات للحكم والتقييم الصحيح، فالتسرع في إصدار أحكام ثبت خطؤها أضر بسمعة أصحاب تلك الأحكام.