قضايا وآراء

الفساد والتنمية في سوريا

الفساد "يعوق عمليات التنمية ويضعف النمو الاقتصادي"- عربي21
الفساد آفة العصر، وقد عرّفته الأمم المتحدة بأنه: "سوء استعمال السلطة العامة لتحقيق مكسب خاص"، وقد حارب الإسلام ونظامُه الاقتصادي الفسادَ على مدار الوقت، وجعله آفة ومعرة ومهلكا للأمم، فالفساد نقيض الإصلاح والتنمية، ومن خلاله تضيع الحقوق وتُنتهك المصالح وتقتل الروح المعنوية تقتيلا.

ويمثل الفساد في سوريا قضية ذات أهمية للحكومة الجديدة، فوفقا لمؤشر مدركات الفساد لعام 2023 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، حصلت سوريا على درجة 13 من 100، مما يضعها في المرتبة 177 من أصل 180 دولة، حيث تشير الدرجة الأقل إلى مستوى أعلى من الفساد. وهذا التصنيف يضع سوريا ضمن الدول الأكثر فسادا في العالم، مما يعكس ما تواجهه الحكومة الجديدة من تحديات لمكافحة الفساد الذي تعمق في دولاب الدولة بفعل إدارة الفساد المنظم للنظام المخلوع، سواء كان فسادا إداريا من انتشار المحسوبيات والرشاوى على مختلف المستويات الحكومية، أو فسادا اقتصاديا من خلال استغلال الموارد الوطنية وغياب الشفافية في إدارة الأموال العامة والمشاريع، أو فسادا قضائيا من خلال تأثير النفوذ السياسي والمالي على استقلالية القضاء، أو فسادا في الخدمات العامة من خلال ضعف جودة تلك الخدمات.
محاربة الفساد يجب أن تكون أولى الأولويات للحكومة السورية، فخنق موروث الفساد المنظم للنظام المخلوع يعني توفير موارد يمكن للدولة السورية البناء عليها لتحقيق أهدافها التنموية، ولا يمكن أن يتحقق إصلاح أو تنمية مع فساد

والفساد لا تقتصر مفاسده ومضاره على صاحبه بل تمتد إلى جنبات المجتمع، فهو يمثل سرقة لثروات الأمة، ويؤثر سلبا على الخدمات العامة من صحة وتعليم وبنية تحتية، كما يؤدي إلى إهدار سيادة القانون، والتشكيك في فعاليته وفي قيم الثقة والأمانة، ويعوق عمليات التنمية ويضعف النمو الاقتصادي؛ حيث يؤثر على استقرار وملاءة مناخ الاستثمار، ويزيد من تكلفة المشروعات ويهدد نقل التقنية، ويضعف الأثر الإيجابي لحوافز الاستثمار بالنسبة للمشروعات المحلية والأجنبية؛ ومن ثم تطفيش رأس المال سواء أكان محليا أم أجنبيا، ويؤثر على روح المبادرة والابتكار ويضعف الجهود لإقامة مشروعات استثمارية جديدة، فضلا عن تأثيره على كل من العدالة التوزيعية والفعالية الاقتصادية، ويحول دون التخصيص الأمثل للموارد، ويحد من قدرة الدولة على زيادة الإيرادات.

ومن هنا، فإن محاربة الفساد يجب أن تكون أولى الأولويات للحكومة السورية، فخنق موروث الفساد المنظم للنظام المخلوع يعني توفير موارد يمكن للدولة السورية البناء عليها لتحقيق أهدافها التنموية، ولا يمكن أن يتحقق إصلاح أو تنمية مع فساد، فهما نقيضان لا يجتمعان، وشاء الحق سبحانه أن يجعل أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم خير الأمم بشرط أن يأمروا بالمعروف، وينهوا عن المنكر: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ" (آل عمران: 110).

ومن أهم أبواب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قطع دابر الفساد وإعلان الحرب على المفسدين، لا سيما بقايا النظام المخلوع، من خلال تطبيق مبدأ من أين لك هذا؟ ومحاسبتهم، وعدم الاستهانة بترك مفسد من أنصار هذا النظام البائد في موقعه، مع إرساء مبادئ النزاهة والشفافية والإفصاح والحوكمة في جميع العمليات الحكومية، وإرساء مبدأ المساءلة قيدا على سلوك القائمين على شؤون السلطة، وإصلاح الجهاز الإداري وتحقيق الكفاية المعنوية والمادية له، ببناء كادر حكومي يتقاضى أجورا جيدة، مع الاعتماد في التعيين والترقي على الكفاءة لا الولاء، ووضع بنية تشريعية -كمّا وكيفا- لمكافحة الفساد وتفعيل تنفيذها.
من الأهمية بمكان الاقتداء بنموذج إسلامي عملي تمكن من تحقيق التنمية والرفاهية للبلاد بحربه على الفساد وهو الخليفة العادل عمر بن عبد العزير

وكذلك تكاتف قوى المجتمع المدني والقطاع الخاص والدولة في جهود مكافحة الفساد من خلال إنشاء الدولة هيئات مستقلة لمكافحة الفساد، وإتاحة الفرصة لوسائل الإعلام المسؤول والصوت الحر المسموع في مكافحة الفساد. وكذلك رفع الوعي وتفعيل القيم الإيمانية والخلقية وإرشاد وتربية الأفراد على حرمة المال العام، فذلك أقرب الوسائل لمنع الفساد، مع ترسيخ مفهوم الإدارة بالقدوة التي أرساها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبيَّنها القرآن الكريم في قوله تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرا"، وسار على نهجه خلفائه الراشدين من بعده حتى قال علي بن أبي طالب، لعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- قولته المشهورة: "عففت فعفوا ولو رتعت لرتعوا".

كما أنه من الأهمية بمكان الاقتداء بنموذج إسلامي عملي تمكن من تحقيق التنمية والرفاهية للبلاد بحربه على الفساد وهو الخليفة العادل عمر بن عبد العزير، حتى إنه في نحو ثلاثين شهرا فاض بيت مال المسلمين بالأموال، فأغنى الناس وعجز أن يجد من بين رعيته فقيرا محتاجا.

x.com/drdawaba