مع دخول العدوان الإسرائيلي على
غزة شهره الرابع عشر، يواصل رئيس حكومة
الاحتلال بنيامين
نتنياهو ترديده لشعاره حول تحقيق "النصر الكامل" في الحرب، مع أنه لا توجد سوابق تاريخية حول تحقق هذا الشعار بالفعل، فضلا عن كون المجتمع الإسرائيلي غير قادر على تحقيقه، حتى لو كان راغبا فيه، لأن المطلوب لتحقيق هذا الشعار الفارغ يفوق ما يستطيع القيام به، ما يجعل الاحتلال يدور في حلقة مفرغة من الحرب والحرب المضادة سعيا وراء شعار فارغ، ليس له أصل من الأساس.
الأكاديمي مائير بن شاحار المحاضر بكلية "شانان" والجامعة المفتوحة، أكد أنه "منذ أن أطلق نتنياهو عبارة النصر الشامل، فقد لاقى استهزاء وسخرية لدى معظم الخبراء والمعلقين، ومع ذلك، فإن المراقبة الرصينة للتاريخ تثبت عدم وجود شيء من هذا القبيل، لأن أي مناقشة جادة لـ النصر الكامل لا بد أن تبدأ بالتمييز بين خمس فرضيات معروفة لإنهاء الصراع العسكري".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة "
يديعوت أحرونوت" العبرية، وترجمته "عربي21"، أن "أولى هذه الفرضيات تتمثل في وقف إطلاق النار، فقد انتهت أغلب حروب الاحتلال على هذا النحو، مع الفلسطينيين والعرب، لأن كلا الطرفين، ولأسبابه الخاصة، يوقف إطلاق النار في ظل غياب الإرادة أو القدرة على التغلب على الجانب الآخر، ودون حدوث تغيير سياسي في علاقاتهما، ووقف إطلاق النار، كما يسمى، مقدمة لتجدد النار، وأحياناً للتوصل إلى تسوية سياسية".
وأشار إلى أن "الفرضية الثانية هي الاستسلام بشروط، وفي هذه الحالة، يعترف الجانب الخاسر بخسارته، ويدخل في مفاوضات حول شروط استسلامه، ويكون الجانب الأقوى، لأسبابه الخاصة، مستعدًا لاستمرار وجود القوة، وكان هذا هو الحال، على سبيل المثال، عندما استسلمت ألمانيا في ظل ظروف صعبة في الحرب العالمية الأولى، لكن سيادتها واستقلالها بقيا قائمين لا يمكن الوصول إليها إلا بعد أن يفقد الجانب الخاسر قدرته على القتال بشكل شبه كامل، ويدرك أن الطريقة الوحيدة للحفاظ على وجوده هي الاستسلام غير المشروط، بعكس اليابان، التي أصرت على استمرار حكم الإمبراطور، ولو رمزيًا، خلافًا لمطلب الأمريكان".
وأكد أنه "من الطبيعي أن الاستسلام غير المشروط لا يكون ممكنا إلا في حالة يكون فيها العدو قد تكبد خسائر أكبر بشكل كبير. وبالفعل تظهر الأمثلة التاريخية المعروفة للاستسلام غير المشروط، مع العلم أنه عندما يصل عدد ضحايا العدو إلى 10% من إجمالي سكانه فإنه يمكن الوصول لهذا الوضع، سواء كان هؤلاء من القتلى أو الجرحى أو الأسرى أو النازحين أو اللاجئين، مصحوبة بانهيار كامل لنظام توزيع الغذاء والمياه والأنظمة الطبية".
وأوضح أن "الفرضية الثالثة لتحقيق مزعوم للنصر الكامل الذي يتشدق به نتنياهو يعني وصول وضع يتم فيه دون مفاوضات، بحيث يفقد جميع الفلسطينيين الرغبة في قتال إسرائيل لأيام وسنوات، ويغيرون وعيهم تمامًا في ما يتعلق بها، مع العلم أن التاريخ يزودنا بنموذج على ذلك حين حقق الرومان نصرا ساحقا على اليهود الذين خسروا بالكامل رغبتهم بحمل السلاح، ووجهوا طاقاتهم لدراسة التوراة والصلاة، حتى أعادت لهم الصهيونية العلمانية "السيف والدرع"، ويمكن القول إن ما لا يقل عن ربع اليهود حينها قُتلوا، وتم نفي أكثر من نصفهم".
وأضاف أن "حالة واحدة واضحة من النصر الكامل تحققت في عام 1999، عندما بدأ الشيشان الحرب ضد روسيا، وتعرض شعبهم المقدر عدده آنذاك بـ1.3 مليون نسمة، لخسائر فادحة تراوحت بين 100 و300 ألف بين قتيل وجريح ومشرّد، أي 10- 25% من السكان، كما أنه طرد وتهجّر نصفهم من منازلهم، وكان هذا ثمن النصر الكامل الذي حققه الروس، والنتيجة أن الشيشان اليوم تابعة لروسيا، وتشارك في حربها ضد أوكرانيا".
وأكد أن "الفرضية الرابعة تكشف أن إسرائيل لم تقترب من هذه الأرقام في أي من ساحات القتال، غزة ولبنان، رغم أن غالبية سكان غزة طردوا من منازلهم، ونظام توزيع الغذاء والماء والمعدات الطبية يمسك به الاحتلال، لكن الحديث ما زال بعيدا عن القول إن المجتمع الفلسطيني في غزة قد انهار فعلاً، لأنه وفق التقديرات الأكثر شمولاً، قُتل حتى الآن أكثر من 3% منهم، ومن أجل تحقيق النصر الكامل، وحتى الاستسلام غير المشروط، يتعين على الاحتلال أن يبدأ بقصفها بشكل شامل، ومنع المساعدات الإنسانية بشكل كامل. وفي لبنان، الوضع أبعد كثيراً عن ذلك".
وختم بالقول إن "الفرضية الخامسة التي تُبعد مزاعم تحقيق النصر الكامل للاحتلال أن المجموعة السكانية التي تعاني من الهزيمة الكاملة عادة ما تكون معزولة، وخالية من التحالفات الدولية، الأمر الذي لا يقال بالتأكيد عن حماس والفلسطينيين، رغم ما يعانونه من مجاعة جماعية وقصف شامل في قطاع غزة، ما يتطلب من الإسرائيليين الاعتراف بأنه ليس قادرًا على تلبية المتطلبات الخاصة في إطار "النصر الكامل"، لأنه على افتراض غير معقول، إذا نفذ الاحتلال مثل هذه الخطة، فسيتم فرض عقوبات دولية صارمة عليه".
وأكد أن "المجتمع الإسرائيلي لن يقبل بانخفاض جذري في مستوى المعيشة لديه، ونوعيته، من أجل تحقيق شعار نتنياهو الفارغ الخاص بتحقيق النصر الكامل، لأنه قد لا يكون مجرد شعار، بل أيضا خطة عمل، لكن المجتمع الإسرائيلي وقادته ربما كانوا غير قادرين على أن يقرروا ما إذا كان هذا هو طريقهم فعلا".